برحيل المناضل يوسف حسن العجاجي يغيبُ واحد من الوجوه المضيئة في تاريخ البحرين وتاريخ الحركة الوطنية والتقدميّة واليسارية فيها، فالعجاجي لم يكن مناضلاً وقائداً وطنياً فحسب، وإنما هو واحد من الذين وضعوا اللبنات الأولى، الصلدة والقويّة، للتيار التقدمي في البلاد، الذي غدا تياراً مهمأً وفاعلاً في تاريخ وطننا، لا على صعيد خلق الوعي الوطني، وحشد الجماهير حول الأهداف الوطنية والديمقراطية العادلة للشعب، وفي مقدمتها النضال ضد الهيمنة البريطانيّة ومن أجل نيل الاستقلال الوطني، وإنما أيضأً على صعيد نشر قيم الحداثة والتنوير والتقدّم في مختلف أرجاء وطننا، بمدنه وقراه، وفي صفوف كافة مكوّنات هذا الشعب على أسس وطنيّة حقيقيّة وحديثة، متجاوزة للعصبيات الطّائفيّة والمذهبيّة والقبليّة والعرقيّة والمناطقيّة.
يوسف العجاجي مثله مثل أحمد الذوادي وحسن نظام وعلي مدان وعلي دويغر وحسن جناحي وجعفر الصيّاد وإبراهيم ديتو وعبدالله البنعلي ويعقوب الجناحي وعشرات سواهم من مؤسسي الجبهة ومن كوادرها الأولى بنوا تنظيماً تقدّميّاً، طليعيّاً، مناضلاً، بات له شأنه ومكانته داخل الوطن، وصيته في المحيط الخارجي والعربي وفي الحركة العماليّة واليساريّة العالميّة، وعلى خطى هؤلاء ورفاقهم سارت أجيال من البحرينيين، نساء ورجالاً، وما زالت، مستلهمة منهم ومن تضحياتهم وإخلاصهم القدّوة، فلم تثنهم لا السجون ولا المنافي ولا كافة أنواع العذابات والضغوط عن مواصلة كفاحهم.
علينا تخيّل كيف كانت البحرين في أوائل ومنتصف خمسينيات القرن الماضي، لندرك إلى أي مدى كانت بصيرة هؤلاء القادة، ويوسف العجاجي واحد من أبرزهم وعياً وثقافة ومعرفة وكفاءة، ترنو إلى المستقبل، وتجترح أساليب عمل جديدة، وتبشر بفكر مغاير، جديد وعميق، جدير بشقّ الطرق نحو هذا المستقبل.
بعد سنوات فقط من تأسيس تنظيمهم: جبهة التحرير الوطني، وضعوا وأقرّوا برنامجاً سياسياً، هو الأول من نوعه في تاريخ العمل الوطني، بمنهاجه ورؤيته، ليس فقط لدّقة وصحّة ما تضمّنه من مطالب، وإنما أيضاً بما حوته مقدمته من تشخيص دقيق للأوضاع في البحرين، بالارتباط مع التحوّلات المهمة، لا بل والجذريّة، التي شهدها العالم يومذاك، وما كان بوسع واضعي هذا البرنامج أن يفعلوا ذلك، لولا ما تمتعوا به من وعي متقدّم واطلاع فكري ومتابعة للجديد.
لروح الرفيق يوسف العجاجي وأرواح من سبقوه في مغادرتنا من أولئك الرفاق: أحمد الذوادي، علي دويغر، جعفر الصيّاد وغيرهم السلام والطمأنينة، ودعائنا بدوام الصحة وطول العمر لمن لا زالوا معنا محافظين على جذوة الفكر الذي تذروا حياتهم من أجله.