خير شاهد على الظلم الذي يتعرض له الأهوازيون، التجفيف المستمر لنهر كارون من قبل السلطات الحاكمة في إيران، فقد قررت الحكومة الإيرانية نقل مياه هذا النهر إلى أصفهان من خلال بناء سدود كثيرة وحفر قنوات لنقل المياه إلى نهر زاينده رود في أصفهان، وبالتالي تجفيف نهر كارون، ما أدى إلى تفاقم الكوارث البيئية وتهديد حياة المواطنين. فدفع ذلك آلاف الشباب إلى الخروج في الساحات والميادين يحملون لافتات باللغات العربية والفارسية والإنجليزية تعبر عن امتعاضهم واحتجاجهم على هذا القرار الذي سيؤدي إلى تلوث مياه الشرب وانخفاض حاد في مستوى المياه، ناهيك عن تدمير الزراعة ونفوق الأسماك وموت الجواميس.
محافظة خوزستان تقع ضمن منطقة الأهواز ذات الغالبية العربية الغنيّة بالنفط والمياه في آن واحد، لكن سكانها يعانون التهميش والاضطهاد من جانب السلطات الإيرانية. ويشكل هذا الأمر تهديداً للسكان، الذين يعتمد قسم كبير منهم على مياه النهر في ري مزروعاتهم، ويقولون إن الأمر كان مبيتاً بغرض دفعهم للهجرة من الإقليم.
ورصدت مقاطع فيديو خروج تظاهرات غاضبة في مدن المحمرة والحميدية والخفاجية والفلاحية، ردد المتظاهرون خلالها شعارات اتصفت بالجرأة ضد النظام، منددين بسياسات التمييز العنصري حيال المواطنين العرب، كما رفعوا لافتات رافضة للهجرة وترك مدن وأرياف منطقتهم، مطالبين بتراجع السلطات الإيرانية عن قرارها بتحوير مياه النهر إلى المناطق ذات الأغلبية الفارسية، بهدف تنميتها الزراعية والحياتية على حساب المناطق العربية.
ويبلغ عدد سكان إقليم الأهواز الواقع جنوب غرب إيران قرابة مليوني نسمة، حسب إحصاء إيراني رسمي جرى خلال عام 2016، ويتألفون بالأساس من العرب الذين يشكلون 85 بالمئة من السكان، وأبناء الأقلية البختيارية الذين يشكلون الـ15 بالمائة الباقية. وتحوي أراضي هذا الإقليم أكثر من 80 بالمئة من الثروات النفطية والغازية الإيرانية، لكن الحكومات المتعاقبة أهملت التنمية فيه بشكل ممنهج.
يقول الناشط الإيراني الأهوازي أمير جمعان “إن هناك توجهاً مسبقاً للسلطات الإيرانية لتعطيش هذه المنطقة. فمنذ أكثر من 15 عاماً والسلطات الإيرانية تُنشىء مزيداً من السدود على نهري الكرخه وكارون، رغم تدفقات النهرين المتواضعة التي تذهب بأغلبيتها إلى داخل الأراضي العراقية، وإنتاج الكهرباء من تلك السدود محدود، فكل المدن في إقليم الأهواز تعاني انقطاعات طويلة للكهرباء خاصة خلال فصل الصيف”. إذاً بناء السدود كان بهدف التحكم بمياه النهرين، اللذين تنتشر على ضفتيهما ملايين الهكتارات من أراض زراعية يملكها المواطنون الأهوازيون ويعتبرونها مصدراً وحيداً لسد رمق حياتهم، فالأهواز منطقة سهلية قليلة الأمطار، والزراعات التاريخية فيها تعتمد على السقاية النهرية.
الإعلام الإيراني في أغلبهِ لم يتعاطى بمهنية ومسؤولية مع الاحتجاجات الشعبية في محافظة خوزستان/ الأهواز، باستثناء القليل منه الذي سلط الضوء على بعض التفاصيل الهامة. صحيفة “جهان صنعت” طالبت المسؤولين بسماع صوت الناس الذين خرجوا في المسيرات، وكتبت في عنوانها الرئيسي: “اسمعوا صوت الخوزستانيين العطشى”، أما صحيفة “رسالت” فعنونت بالقول: “الشفاه العطشى المجاورة للمياه”، وذكرت أن محافظة خوزستان وعلى الرغم من أنها تملك 5 أنهار كبيرة تواجه أزمة في المياه. أما صحيفة “توسعة إيراني” فهي الوحيدة التي أشارت إلى سقوط ضحايا من المواطنين. حيث كتبت في صفحتها الأولى: “الدماء والعطش في خوزستان”، ونوهت إلى أنه وعلى الرغم من محاولات محافظ خوزستان، قاسم دشتكي، التعتيم على الأحداث إلا أن الاحتجاجات في مدينة شادغان (الفلاحية) قد خلفت سقوط قتيل حتى الآن.
وأخيراً أشارت صحيفة “جهان صنعت” إلى أن 700 قرية و25 مدينة في محافظة خوزستان تشكو من العطش وشح المياه، وذكرت أن أزمة المياه في خوزستان لها جذور وأسباب مختلفة، منها ما يتعلق بمشاريع نقل المياه وهي مشاريع غير مدروسة، كما يعود بعض الأسباب حسب الصحيفة إلى سوء الإدارة وعدم القدرة على إدارة الموارد المائية، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى حدوث الجفاف.
إن الحصيلة النهائية للسياسات العنصرية والممارسات التعسفية من قبل السلطات الإيرانية منذ عقود، هي تخلف وتأخر شديد في الأهواز على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، على الرغم مما تحتويه هذه الأرض من مصادر طبيعية، وثروة نفطية هائلة تشكل نحو تسعين في المائة من صادرات إيران البترولية، مما يجعل البعض يصف الأهوازيين بأنهم أفقر شعب يسكن أغنى الأرض خصوبةً وخيراً.