اشتراك في التقاعد أم مُكافأة نهاية الخدمة؟
فلاح هاشم
في الأسابيع القليلة الماضية انشغلت الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات المواطنين على تصريح الرئيس السابق لهيئة تنظيم سوق العمل السيد أسامة العبسي المتعلق بإلغاء مكافأة نهاية الخدمة للعامل الوافد وتحويلها لاشتراكات في التقاعد، مما أدى إلى ردود وتعليقات لعدد كبير من المواطنين ومن ضمنهم مجموعة من النواب.
لقد جاء هذا الاقتراح مبهماً، وكأن القصد منه إشغال الرأي العام عن لبّ المشكلة، خاصة أنه جاء من شخصية (إشكالية) كانت في موقع القرار لسنين طويلة، ونت موقعه هذا ساهم في إصدار العديد من التشريعات التي كان لها أثر سلبي على المجتمع عامة، وكذلك على نظام التأمينات الاجتماعية.
وأول تلك السلبيات هي امتناع هيئة تنظيم سوق العمل عن إصدار خطة وطنية لسوق العمل، والتي ينص عليه مرسوم إنشاء الهيئة، مما أدى إلى إشاعة الفوضى في سوق العمل، وبدلا عن ذلك ولمعالجة النتائج المترتبة على تلك الإخفاقات، قامت الهيئة بإصدار تشريع “التصريح المرن”، الذي تمّ بموجبه تحويل عشرات الآلاف من العمال الأجانب من عمالة تعمل في مؤسسات تنطبق عليها جميع القوانين الناظمة لسوق العمل، كقانون العمل أو قانون التأمين الاجتماعي، فرع إصابات العمل، إلى عمالة هشة مقيمة في البلد لاتخضع إلى هذه القوانين، مما أدى إلى معارضة جميع شرائح المجتمع لهذا التصريح.
وأما بخصوص صندوق التقاعد فليس ببعيد عن الآلية التي خرج عليها السيد العبسي على التقاعد بمعاش يفوق الخيال مما كلف التأمينات المبالغ الكبيرة.
ويعلم الجميع أن قانون رقم 24 لسنة 1976 بشأن التأمين الاجتماعي على العاملين في القطاع الأهلي شمل جميع العاملين في هذا القطاع دون استثناء بسبب الجنس أو الجنسية، عند صدوره في 29 يونيو 1976 ونشر في الجريدة الرسمية في 15 يوليو 1976 ليبدأ العمل بالمرحلة الأولى من القانون في بداية أغسطس 1976 والتي شملت المؤسسات التي يعمل لديها 1000 عامل وأكثر، إلى أن صدر المرسوم بقانون رقم (12) لسنة 1977 في شأن إيقاف العمل ببعض أحكام قانون التأمين الاجتماعي بالنسبة لغير البحرينيين في 3 يونيو 1977 والذي بموجبه تمّ استثناء التأمين على العمالة غير البحرينية، أي بعد 10 شهور من تطبيق المرحلة الأولى وهذا القرار الذي أجمع العديد من المختصين والمعنيين في هذا الشأن على أنه قرار لم يكن موفقا وله من التبعات السلبية على التأمينات الاجتماعية وعلى الحقوق العمالية الشيء الكثير، والذي تتحمل الحكومة المسؤولية الأولى عنه، ويستفيد منه بالدرجة الأولى أصحاب الأعمال، وأدى إلى العديد من التبعات من ضمنها: عدم تحصل عدد كبير من العمال الوافدين على مستحقاتهم في مكافأة نهاية الخدمة.
وهي في الحقيقة لم تقتصر على حالات الإفلاس وإنما شملتها العديد من الأسباب تبدأ بجشع وغياب ضمير بعض أصحاب الأعمال مستغلين غياب الوعي لدى العدد الأكبر من العمال الوافدين، وغياب النظر الجهات التنفيذية أو غضها النظر طوال هذه السنوات ، سواء في وزارة العمل أو هيئة تنظيم سوق العمل التي كان على رأسها السيد العبسي.
سبق ذلك أن قُدّمت العديد من الرؤى والدراسات العلمية بهذا الخصوص من العديد من الجهات والمختصين، وعبر العديد من الفعاليات والمقترحات والتوصيات، بما فيها توصيات لجان التحقيق النيابية، بدءاً من عام 2003 لمعالجة تبعات هذه المشكلة بما يساهم في حل المشكلة بصورة أولية ويكون لها الأثر الإيجابي على التأمينات الاجتماعية، وبما يرتقي بتشريعاتنا في مجال العمل.
وتأكيداً على أن الحق في الحماية الاجتماعية هو أحد الحقوق في العمل، وهو حق يشمل الجميع كما تنص عليها التشريعات والاتفاقيات المعنية بالعمل والعمال، كما أن مملكة البحرين موقعة على اتفاقية العمل الدولية رقم 111 بشأن عدم التمييز في العمل، والصادر بمرسوم رقم (11) لسنة 2000، مما يحتم علينا معالجة المشكلة بما يضمن حقوق هذه العمالة، ولذلك كان من ضمن توصيات لجنة التحقيق النيابية الأخيرة بشأن صناديق التقاعد التي تدار من الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي والتي أقرها مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 23 مارس 2021 في التوصية رقم 30 والتي تنص على إنشاء نظام للادخار على غرار التجربة الماليزية يقوم على حفظ حقوق العمالة الوافدة حين يتم موعد رجوعها إلى أوطانهم، وبما لا يؤثر على التأمينات الاجتماعية للبلد، تاركين تفاصيل هذا النظام ونسبة وآلية المساهمة فيه إلى حين إقرار التشريع الخاص بذلك.