حياة يتوفر فيها كل شيء

0
122

ما الذي يفعله الفن ما لم ينقذ أرواحنا في ظل خراب العالم؟ ما الذي يفعله الفن أمامنا، نحن مرضاه بكل أحلامهم ورغباتهم بكل خيباتهم وعقدهم؟ نحن حواريّوه الذين نصغي له أبداً، ونستسلم لخفته وعمقه كلما حاصرنا ألمٌ أو فقد. ما الذي يفعله حقاً ما لم يحاول البحث معنا عن الإجابات كما كان يشغلنا دائماً بالأسئلة؟

لأجل الأرواح التي ترّف متعبة في ظل خراب العالم، يأتي فيلم المخرج Peter Chelsom ليحاول الإجابة عن أكثر ما يحتاجه الإنسان، أكثر ما يشغله أيضاً، عبر سنوات حياته المتعاقبة على هذه الأرض جيلاً بعد جيل، الغاية التي يظل ينشدها مع كل تجربة، اللحظة التي نحاول اليوم توثيقها بالصورة في ظل عالم مأهول بالدم والخوف والكراهية. عن السعادة، عن الحُب، عن الشفاء.. عن كل ذلك يأتي فيلم «هيكتور والبحث عن السعادة» في تجربة سينمائية فريدة عبر شخصية طبيب نفسي، يبحث عمّا يجعل الناس سعداء، في محاولة منه لمساعدة مرضاه ليجدوا طريقهم نحو الشفاء.

الطبيب الذي يسافر، يسجل ملاحظاته، يعايش بشراً مختلفين، محاولاً اكتشاف السعادة من وجهة نظرهم، الطبيب الذي يكتشف في رحلته أنه يعيش لأوّل مرة شعور الخوف والحب، يجرّب وجوده في حيوات تختلف عن حياته، يستسلم للرغبة والتلقائية والحنين، يتوقف عن الإجابة عن الأسئلة بسؤال آخر، يخرج عن دوره أخيراً، يتعقب نبوءة مريضته التي تجد في كفه خطاً لرحلة جديدة، فيطلق روحه لرحلة اكتشاف عبر سفره للصين ومعايشته لظروف مغايرة عما اعتاده في حياته.

لقد كان هيكتور مجرد طبيب نفسي، يعيش مكتفياً في حياته المنظمة، حياة يتوفر فيها كل شيء، لكنه يكتشف في رحلته أن حياة كحياته يتوافر فيها كل شيء هي في الواقع حياة ينقصها كل شيء، فكل حياة كحياته تسير فيها الأحداث وفق المتوقع، وكل شيء فيها يسير وفق الخطة الموضوعة سالفاً، حيث لا هفوات ولا ألم ولا انعطافات، لا غضب، لا تجربة جديدة.. هي باختصار حياة تسير نحو هاوية.

في فيلم «هيكتور والبحث عن السعادة» يضعنا الطبيب الباحث عبر ملاحظاته على درب السعادة، التي يجدها كامنة في ضرورة تقبّل الآخر، كما هو دون محاولة معرفة تفاصيل ماضيه، ويجدها مرةً في عدم مطاردة السعادة، ويجدها في عناية المرء بذاته، وفي أن تضع لك أهدافاً وتسعى لتحقيقها، لكن الأهم من ذلك كله أن الفيلم يحاول تفتيت القناعة التي تم تكريسها دائماً، وهي أن السعادة شيء يمكن انتظاره، وكأنها حاله ننتظر تحققها في المستقبل ويدعونا في المقابل الى الإيمان بفكرة بديلة، وهي أن السعادة شيء لا يمكن انتظاره.