ذات يوْمٍ على صفحة بريد القرّاء

0
54

في عام 1988 وكنت وقتها احرر صفحة “بريد القراء” في صحيفة “أخبار الخليج”، تلقيتُ رسالة من قارئ اسمه يوسف من قلالي يقول فيها”، “طالعتنا جريدة (جلف ديلي نيوز) في عددها الصادر يوم السادس من شهر مارس عام 1988 في الصفحة الثالثة بأن إحدى السفارات الآسيوية العاملة في بلدنا تمتدح تجاوب مواطنيها المقيمين في البحرين في إحصائيات السفارة ، حيث بلغ عدد المسجلين حتى الان أكثر من 75000  وافد ، ولو أنّ هذا العدد يشكل نصف الموجودين في البحرين، “لكنه عدد مشرف لنا”، حسب ما جاء على لسان السفير، أي بمعنى آخر فإن عدد هذه الجالية في البحرين يبلغ حوالي 150000، وتساءل الكاتب: إذا كان هؤلاء وحدهم يشكلون هذا العدد الكبير ،فما عدد بقيّة الأجانب من الفلبينيين والتايلنديين والباكستانيين والبنغاليين والإنجليز وغيرهم؟

ويضيف الكاتب “في الواقع إن عدد الأجانب في البحرين لا يقل عن نصف مليون نسمة، و بحساب بسيط نقول لو أن كل أجنبي يرسل إلى بلده شهرياً عشرة دنانير فقط، لأصبح المبلغ خمسة ملايين دينار شهرياً، أي ستين مليون دينار سنوياً ترسل إلى الخارج، فما رأي المسؤولين في الدولة في هذه الارقام الضخمة؟”.

انتهت الرسالة التي قمت بنشرها، لأنها تحمل مواصفات الرسالة ذات المصداقية والمستندة إلى الأدلة، اذ أرفق الكاتب مقال الجريدة الأصلي (المقابلة مع السفير )، واخترت عنواناً صحفيّا للرسالة بعنوان “150 الف وافد (……) في البحرين” .

 في صباح يوم نشر الرسالة استدعاني رئيس التحرير الراحل الأستاذ احمد كمال لتوبيخي على نشر هذه الرسالة التي قال إنها ملفقة وتحوي معلومات غير دقيقة، ثم بعدها بيومين استدعاني وزير الاعلام الأسبق طارق المؤيد في مكتبه طالباً مني نص الرسالة الأصلية، ونص اللقاء مع السفير في صحيفة “جلف ديلي نيوز” ، ثم بعدها بعدة أيام طلب مني رئيس التحرير تسليم إدارة صفحة “بريد القراء” للزميل عبد المنعم ابراهيم، فيما بدا كعقابِ لي على نشر  رسالة تتحدث صراحة عن نسبة تواجد إحدى الجاليات الاجنبية ما اعتبره الوزير إساءة للوطن.

اليوم نستيقظ كل يوم على تصريح جديد ليس عن  تعداد العمالة الأجنبية ومشاريعها واستثماراتها فحسب، ولكن على الحقوق المستحقة لها سياسياُ واجتماعياً واقتصادياً، من كان يجرؤ وقتها على التصريح بالقول “إننا العدد الأكبر والكتلة ذات الثقل والوزن المؤثر في سوق العمل، بل إننا نفوق عدد السكان المحليين”؟ وهو ما جاء على لسان مسؤول كبير باتحاد الجاليات الاجنبية في البحرين قبل فترة .

وفي حين عوقبت أنا في عام 1988 على التطرق إلى نفس المعلومة، نجد صحافتنا ذات التوجه الرسمي تبحث عن هذه الأخبار وتحتفي بهذه التصريحات وتبرزها على صدر صفحاتها الأولى، وتتبناها وتشير إلى العمالة الأجنبية بكل تقدير وإجلال باعتبارها شريكة في التنمية دون أن تلقى ” قرصة أذن”،  أو مكالمة هاتفية عند الفجر .  

أما النقاش المجتمعي الدائر على صفحات التواصل الاجتماعي وفي الصحافة الشعبية، وضمن الدراسات الإستراتيجية وبين مخططي السياسات حول العمالة الأجنبية في البحرين وغيرها من دول الخليج، فإنه يختلف تماما عما كان عليه الوضع في الثمانينات والتسعينات، فأغلب دول الخليج  لم تول هذه الامور الاهتمام الكافي، ولم تحسب حسابها للمستقبل إلى أن استفاقت على تقارير منظمات حقوق الإنسان والمواثيق والعهود الدولية الملزمة منذ مطلع الألفية، والتي تطالبها بتلبية حقوق هذه العمالة المهنية والإنسانية، وإزالة كل العوائق التي تحول دون نيلها العدالة والمساواة والحقوق والحريات، بل وإدماجها بالكامل ضمن المظلة الاجتماعية أسوة بالمواطنين، بينما تتواصل بلا انقطاع الأصوات المنذرة والمحذرة من طغيان أعداد هذه الفئات  وتعاظم الاعتماد عليها ومزاحمتها للمواطنين في شتى المجالات بل وتفضيلها على العمالة المحلية في بعض الوظائف، ما يشي بتحوّلها إلى رقم صعب وأشبه بقنبلة موقوتة في المعادلة الديموغرافية والتنموية في بلداننا راهناً ومستقبلاً .