قبل زمن صالات الفنادق ذات الخمس نجوم وبهرجة الأضواء الليزرية وأغاني نانسي عجرم ونجوى كرم وغيرهما من نجوم الفن وسرب الفراشات من أقارب وصديقات العروس وهن يتمخترن في ملابسهن يتلألأن مثل النجمات، ما كنت أعرف بعد كيف هو بيت العروس وما هي العروس؟!
صديقي “عبود” نعتني بالأهبل وسط صبية الحي، ما رضيت لنفسي هذه الإهانة وقررت أن أتحداه، سأذهب إلى هناك وأكتشف كل شيء، أنا رجل ! يومها كان عرس ابنة مسؤول البلدية، كريمته “ليلى” تُزف إلى شاب من خارج قريتنا.
مدفوعاً بحماس تلك الطفولة البريئة، هرولت في الطرق الترابية، حيث وصلت إلى بيت العروس، يعجّ بالنساء والزغاريد والألوان والبخور لكن كيف أدخل؟ أمّ جمعة دميمة الوجه، ضخمة الجثة كانت تترصد الأطفال الذكور عند مدخل الباب الخشبي الكبير وتطردهم كما فعلت بي، فكيف أدخل؟. “عبود” سيجد الفرصة ويسخر مني ثانية و.. لا، لن أستسلم بسهولة هكذا دونما قتال.
لا بد من زاويةٍ ما في البيت أستطيع بلوغها وأدخل ..أريد رؤية العروس، وماذا تفعل النساء مثل هذا اليوم خلف السور؟ خلف البيت ها هنا مكان مناسب ولكن السورعالٍ لا تقدر عليه سوى القطط. وجدت نافذة صغيرة يتسرب منها غناء النسوة والفرح، يمكن بلوغ النافذة لكونها منخفضة نسبيا وبالقرب منها قدور العرس “يبقبــق” فيها الأرز وأخرى تفوح منها روائح اللحم، شهيّة الطعم أثارت جوعي لكني أريد رؤية العروس.
انتظرت الطباخة حتى انشغلت مع مساعدتها وهما تدخنان “الكدو”*. هنا فرصتي، لا بأس فأنـا أستطيع بلوغ النافذة وتحمل بعض الحرارة، حيثُ المسافة ما بين النار المشتعلة أسفل القدر والجدار ثلاثة اقدام فقط، أنا رجل قادر على التحمل وهكذا فعلت بشجاعة كما كنت أظن.
ياه ه ه ه، ما كل هذا! هذه أختي سلوى ترقص وهناك جارتنا أم غسان تضبط إيقاع علبة الصفيح وهذه تصفق وتلك تطلق الزغاريد، لكن أين العروس؟ فجأة التفتت نحوى أمي وشهقت، ارتبكت، كنت فرحاً وخائفاً وأريد الهرب، قفزت وثابتاً على الأرض صارت قدماي، لكن ما بال حرارة الجمر شوت قدمي اليمنى ؟! ليتني لم أورط نفسي في هذا التحدي الغبي، لذتُ بألمي بعيداً عن بيت العروس، أقاسي حرارة النار وأفكر في لسع خيزرانة أمي، فهي نارٌ أخرى تنتظرني !
*الكدو”: أداة فخارية لها ساق من الخيزران يعلوها رأس خزفي يُحشى بالتبغ و يوضع فوقه الجمر، حيث تدخنه النساء في قرى البحرين .