وضع لبنان كما رأيته

0
53

عندما وطأت قدمي مطار بيروت، بدت غمامة على عيني، رغم سعادتي للقاء حبيبتي وزوجتي، إلا أن سلبية الوضع في بيروت قد استشرت، من انقطاع الكهرباء، وشح الوقود، فيما الدولار والاسعار في ارتفاع، أما الرواتب ففي ركود، والأحزاب السياسية في صراع دائم، ولا وجود لحكومة فعلية منذ زمن.

نعم هذا هو لبنان بعد مئة عام تقريباً من حكم الطوائف المتنامي الذي بلغ درجة من الديكتاتورية، بحيث بات يعيش في انفصام تام عن نصوص الدستور والقوانين والمواثيق، لبنان بات “منهبة” منظمة، فالإنقسام هو القاعدة، فيما لبنان “الوحدة الوطنية” نادر الحديث عنه، المسيحيون في طرف والمسلمون في طرف مضاد، السنة في موقع والشيعة في موقع مضاد، والأخرون لا يحسب لهم حساب، حساب الطائفية هو الامتحان، العلمانيون صوت فقط،.

 ظنّ لبنان أن ميثاق الجامعة العربية يعصمه عن المحاور، ولكنه فشل فشلاً كارثياً. فشل اللبنانيون في بناء الدولة، فشل المسيحيون في تأمين ملجأ آمن يمارسون فيه حياتهم بحرية، فشل المسلمون السنة في الانتساب إلى لبنان وحده، هم قادمون من تراث عربي- إسلامي، ظلوا لبنانين قليلاً، ومسلمون وعرباً كثيراً، ما كان الشيعة مدعوين لتكوين كيان، الحقوا به عنوة بعد طحن ثوراتهم في جبل عامل… فشلوا جميعاً في إقامة نسيج وطني، وبتراجع دور الأحزاب العلمانية، فقد لبنان كل أمل بالتحسين قبل أي أمل بالتغيير، غالبية الأحزاب العلمانية أغرتها السياسة من داخل النظام، النظام ابتلعها ثم … لم يبق لها سمعة حسنة إلا ماضيها، حاضر هذه الأحزاب عاطل عن العمل.

اثناء هذه الزيارة قرأت الواقع في لبنان بمنظوري ومن خلال مشاهداتي اليومية وانتظاري ساعات في محطات البنزين وبين تصريفي للدولار في السوق السوداء وبين فتح واغلاق مولد الكهرباء وتوقيت فتح كهرباء الدولة الذي يستمر سويعات فقط من فتحه، للصعود بسرعة بالمصعد لبيت عمي بالطابق الخامس الذي يعمل بالموتور  ويبلغ سعر اشتراكه الشهري مليونين وثمان مائة ليرة لبنانية اي ما يعادل 100 دولار امريكي لسعة 15 امبير لعائلة لا تملك راتباً شهرياً يعادل هذا الاشتراك الشهري، وأيضاً يتم اراحته لساعتين في اليوم، وهذا إن توفر المازوت وصاحب المولد الكهربائي استنهض مشاعره الإنسانية.

الوضع في لبنان يحتاج التفكير بعمق من الشعب وليس من أمراء الحرب والطوائف. الحل في يد المواطن اللبناني الشريف الذي يخاف على بلاده من شمالها إلى جنوبها وليس المواطن الذي يدافع عن طائفته.  الحل من داخل هذه الأرض وبالاستثمار في المواطن وليس من خلال دعم اقليمي أو دولي، جميعهم يريدون مصلحتهم وجميعهم يريدون وضع إبرة مخدرة مؤقته لتخدير الجرح العميق أو الألم الذي سببته العملية الجراحية غير الناجحة – اتفاقية الطائف – حيث بدأ لبنان اليوم بالاستيقاظ من هذا التخدير الذي تم حقنه به قبل 39 سنة في عملية فاشلة أدت إلى ما يعيشه الشعب اللبناني في الوقت الراهن.

“تمّ إذلالنا، لماذا هذا الغضب من الدول الشقيقة علينا، لماذا لا تأتي فرنسا تستعمرنا مره ثانية، السوريون هم السبب، عون، بري، السيد، جنبلاط، الحريري، جعجع، وكتائب كل هذه مصطلحات أسمعها يومياً، ولا أجد من يقول نحن من أوصلنا هذه العصبة للكراسي، ولهذه الزعامة الوهمية.

قد يكون الشعب اللبناني عاش وكبر مع هذه الزعامة وهذه الأزمات وجُبل لأن يُحكم بالوكالة، وان يعيش تحت ظل اللاعب الأبرز اقليمياً. وقد جاء الوقت الذي تنازل عنه أكبر داعميه في المنطقة، بسبب تغير المصالح الإقليمية.

لا أمل يتطلع إليه الجيل الجديد، فهو يحلم بالسفر والهجرة، لبنان رصيف لا وطن، شباب لا يراوده حلم، لا تغريهم فكرة، لا يعتزون بإنجازاتهم، وباتوا بضاعة بشرية للتصدير. الحاكمون، ولا أسوأ ولا أفجر منهم فاسدون ويتباهون بالفساد. لا شيء يخجلهم.