البطالة في البحرين – التّحدّيات والحلول*

0
461

لابد، في البداية، من الإشادة بالجهود المبذولة من العديد من الجهات والتي كان لها الفضل في تخطي البحرين للمراحل الحرجة لتبعات جائحة Covid – 19   والآن ونحن في بداية انحسار الجائحة وعلى أمل أن ترجع الأمور إلى طبيعتها، علينا أن نستفيد من دروسها بما فيها أهمية الاعتماد على العنصر البحريني، وخاصة في قطاع العمل حيث أثبتت الكوادر البحرينية قدرتها وتميزها في تحمل المسؤوليات .

وعن  خطوات استعياب عدد لابأس به من المواطنين وخاصة في القطاع الطبي سأتناول الآتي:

  1. 1-    – أسباب تزايد معدل البطالة في الخمس السنوات الأخيرة لتصل إلي ٥٪؜ في ظل جائحة كورونا.
  2. المعالجات والحلول ما بين إصلاح الاقتصاد وإصلاح التعليم وإصلاح سوق العمل .

 *أولاً: بخصوص نسبة البطالة الـ 5% وزيادتها في ظل جائحة كورونا، فإن وزير العمل في ردّه على سؤال برلماني للنائب يوسف الذوادي قال: إن عدد التسريحات خلال الجائحة بلغ 212 بحريني فقط، فارتفعت النسبة من 4.7% ما قبل الجائحة الى 5% في ابريل 2021.

وأعتقد أن المهم أن نتحدث عن مدى مطابقة النسبة الأصلية 4.7 او حتى الـ 5% للواقع.

فبالرجوع إلى بدايات مشروع إصلاح سوق العمل، وإلى ما تضمنه تقرير شركة مكنزي عن مسوحاتها الميدانية لسوق العمل في البحرين  في بداية 2002 والذي كتب عنه الكثير ودارات حوله المناقشات والتحليلات في بداية المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، وعلى نتائج هذا التقرير جاء مشروع  إصلاح سوق العمل، حيث أظهر أن عدد العاطلين من المواطنين ما بين 16 ألفاً و20 ألفاً. وبنسبة تتراوح ما بين 13 أو 16 في المئة من العدد الكلي للقوى العاملة البحرينية في ذلك الوقت وكانت ما بين 123 ألفاً و127 ألفاً. كما أشارت دراسة ماكينزي في توقعها للعشر السنوات القادمة أن يرتفع عدد العاطلين المواطنين إلى 70 ألفاً ما يعني أن نسبة البطالة ستبلغ 35 في المئة من القوى العاملة البحرينية.

ولمعالجة هذه المشكلة يتعين على الاقتصاد البحريني إيجاد 100 ألف وظيفة في الفترة ما بين 2003 و2013 أي بمعدل 10 آلاف وظيفة سنوياً ليشغلها البحرينيون. وإذا كانت البحرين تحتاج إلى 10 آلاف وظيفة في السنوات من 2003  و2013 فإنها بالتأكيد تحتاج إلى اكثر من ذلك في الوقت الحالي وذلك بسبب الزيادة في عدد المواليد والنموا السكاني.

السؤال إلى إي مدى تحقق ما أوصت به دراسة مكنزي من توفير 10 آلاف وظيفة شغرها بحرينيون أو هل قاربنا من هذا العدد ؟؟

لنستعرض بعض الإحصائيات من بعض المصادر الرسمية ومنها موقع هيئة التأمين الاجتماعي حيث تشير إلى أعداد المستجدين في العمل وسنأخذ الخمس سنوات الأخيرة  لنستقرئ واقع التشغيل ونستنبط منه إستنتاجاتنا..

وفق إحصائيات هيئة التأمين الاجتماعي يتبين  ان مجموع من تمّ تشغيلهم خلال هذه السنوات 35456  بمعدل سنوي 7091 في السنة. كما تشير أن معدل أعمار هؤلاء المستجدين عند بداية دخولهم للعمل تتراوح بين 26 و27 سنة، وهذا يدل على أنهم أمضوا من سنوات التعطل ما يتراوح بين 4 و6 سنوات، هذا بالنسبة لمن تحصّل على عمل، وهناك (كما يعرف الجميع) من بقى متعطلاً لسنوات تفوق ذلك.

النتيجة أعلاه تدعمها عدة مصادر، ومنها:

1- إحصائيات الحكومة الإلكترونية: تشير في عام 2016 أن نسبة من هم بين عمر الـ 15 و19 عام (9.2%)  من مجمل البحرينين البالغين 665 ألف نسمة،  وبذلك فعددهم يساوي 61180 بمعدل 12236 وهم المفترض فيهم ان يكونون في سن بدء دخول سوق العمل.

2- إحصائيات وزارة التربية حيث تشير أنه في عام 2016 أن مجموع طلبة المرحلة الثانوية في ذلك العام في المدارس الحكومية والخاصة هو 45889 طالب بمعدل 15300 طالب سنوياً  وهنا نشير إلى أن الفارق بين إحصائيات الحكومة الإلكترونية ووزارة التربية قد يعود لعدد الطلبة غير البحرينيين خاصة في المدارس الخاصة.

3- قدّم الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين العام الماضي وفي مؤتمر صحفي تقريراً يفيد فيه أن لديه ملفا سلمه الى وزارة العمل به أكثر من 15 ألف عاطل أو باحث عن العمل (لم يسلمه للنواب)، وإذا ما عرفنا أن مجموع العاملين في القطاع الحكومي والقطاع الخاص من العاملين البحرينين لا يتجاوزون الـ 145 ألف فبذلك نسبة البطالة تتعدى الـ 10%.

وبذلك نستنتج أن هناك تراكما في أعداد العاطلين سنوياً، وإذا ما رجعنا إلى الحاجة إلى توفير فرص عمل، والتي قدرتها دراسة مكنزي بـ 10 الآف، فإن 3 الآف شخص لا يتحصلون على عمل سنوياً،  وبتراكم هذه الاعداد هناك ما يربو على الـ 15 الف في السنوات الخمس الأخيرة.

الحلول والمعالجات:

نشير هنا إلى أنّ سياسات أصلاح سوق العمل التي كان مؤملاً منها توفير فرص عمل لائقة للمواطن البحريني وجعله الخيار المفضل لم تنجح في تحقيق أهدافها بحكم الدراسة التي قامت عليها وهي دراسة مكنزي، فسياسات سوق العمل لم تساهم في معالجة موضوع البطالة، ولم تجعل البحريني هو الخيار المفضل.

وهذا ينطبق على السياسات الاقتصادية المعتمدة في توجيه الاقتصاد، حيث لا يوجد استثمار حقيقي يخلق فرص عمل كما حصل في بداية نهضة البحرين بعيد الاستقلال من تشييد مصانع وصناعات تحويلية محلية وخليجية ومشاريع استقطبت العدد الأكبر من أبناء وبنات البحرين، فسياسات الاستثمار المفتوح وبدون ضوابط، وخصخصة القطاع العام، وتجزئة الشركات الحكوميّة، وإسناد أعمالها أو الاعتماد على شركات القطاع الخاص في توفير اليد العاملة (outsourcing)، والتي بدورها تبحث عن العمالة الرخيصة، لا تساهم في حل هذا الموضوع.

وكذلك هو الحال مع السياسات التعليمية، وأبرز مثال على ذلك: البرامج الأكاديمية للجامعات الحكومية والأهلية والمنح والبعثات ومدى إتساقها بمتطلبات سوق العمل.

في تقرير لجنة البحرنة ومن الاجابات الرسمية هناك ما يزيد على 500 خريج قانون عاطل عن العمل ولكم ان تتخيلوا الأهداف من الاستمرار في تدريس هذا التخصص في الجامعة الحكومية والجامعات الخاصة.  

ألم يطلع وزير التربية والوزراء المعنيون على هذا التقرير الذي قدم إلى الحكومة وما احتواه من معلومات هى في الاصل لديهم؟، فيما لازالت وزارة التربية تبتعث أو تعطي منحاً لهذا التخصص الذي أشار له تقرير لجنة البحرنة، وهناك غيره من التخصصات التي يعاني عدد كبير من خريجيه من البطالة.

ختاماً، إن ظاهرة البطالة وما لها من تبعات على المجتمع  اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً وسياسياً وعلى جميع صعد الحياة الكثيرة، وتكرار الحديث المستمر عنها بين المواطنين وهم يعايشون ألم وحيرة البطالة التي تعشش بين صفوف عشرات الالآف منهم، وبين نخب المجتمع ومؤسساته، بدون فعل حاسم وتوجه جاد لمعالجتها تبدأ أولاً بخطة وجهود ومتابعة جادة من الجهاز التنفيذي، وتفعيل الأدوات البرلمانية من خلال السلطة التشريعية، بإدخال تعديلات تشريعية (قانون العمل) ومراقبة تنفيذ هذه التشريعات، والالتزام بها في السياسات التشغيلية في القطاعين.

 وفوق كل ذلك نحن في حاجة ماسة الى قرار  سياسي يمكن البحريني من حقه في العمل وتجاوز كل العقبات، وهذا ما حصل حين تم توجيه وزارة الصحة في استيعاب جميع الممرضين العاطلين عن العمل، والذين سبق وان اجتمعنا بهم بداية عام 2019 وكان عددهم يقارب الـ400 ممرض عاطل، بعضهم خريج عام 2015، إضافة إلى ما نلاحظه الآن، وأشرنا إليه في الاجتماع الأخير مع وزيرة الصحة الذي عقدناه بمعيّة بعض النواب وكنا نتحدث عن خريجي يناير 2021 والذين عملت الوزارة وفق ما علمنا به على استيعابهم.

وهذا ما نتطلع إليه بخصوص جميع الكوادر الطبية الأخرى في وزارة الصحة وكذلك الوزارات الأخرى التي يشغل فيها الآلاف من الأجانب الوظائف، في حين هناك عشرات الآلاف من المواطنين على قوائم الباحثين عن العمل وبمؤهلات تعليمية لاغبار عليها.

* ورقة قدمت في الحلقة الحوارية: البطالة في البحرين – التحديات والحلول في مقر  تجمع الوحدة الوطنية بتاريخ 7 سبتمبر 2021