النصوص الإسلامية في مناهج التعليم

0
42

يجري حديث في بعض البلدان العربية حول قرارات بحذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من مادتي اللغة العربية والتاريخ، واقتصارها على مادة الدين فقط، واتخاذ قرارات بتدريس مادة جديدة تتضمن القيم المشتركة بين الدين الإسلامي، والمسيحية واليهودية، تركز هذه المادة على تدريس مبادئ التسامح والعيش المشترك في مختلف مراحل التعليم الأساسي.

طبيعي أن الرأي العام انقسم بين مؤيد ومعارض لهذا التوجه. المؤيدون رأوا فيه جانباً إيجابياً، لأنه سيحدُّ من إعطاء المعلمين غير المؤهلين مساحة لتفسير النصوص الإسلامية بتفسيرات متطرفة. أما المعارضون، فقد وجدوا فيه تقويضاً للنصوص الإسلامية في المناهج التعليمية ومحاربتها بصورة علنية.

في الواقع عندما نحلل نقدياً هذا التوجه بحذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من مادتي اللغة العربية والتاريخ، بعيداً عن أهواء وقناعات المؤيدين والمعارضين، سنرى في عمقهِ قراراً يختزن ما هو موضوعي وما هو غير موضوعي. بمعنى آخر إن في جوهر القرار جانبين، الأول مصيب، والآخرخاطىْ.

إضافة مادة (القيم المشتركة) والعمل على التقريب بين المذاهب والأديان المختلفة من خلال التركيز  على قيم الأخلاق والمواطنة في تدريسها للطلاب في المؤسسات التعليمية أمر صائب. لكن من الخطأ الحذف المطلق للنصوص الدينية الإسلامية من مناهج اللغة العربية والتاريخ، لأن القرآن والسنة النبوية لا ينفصلان عن اللغة العربية تاريخياً وعلمياً . الأجدى هو تنقيح المناهج التعليمية بصورة عامة من النصوص التي يتم تأويلها للحث على تكفير أو قتال الآخر، والتي كانت مرتبطة بسياق تاريخي له ظروفه المختلفة والمحددة.

لا يمكن غض النظر عن وجود العشرات من الفتاوى المتطرفة اتجاه مسلمين وغير مسلمين من قبل العديد من رجال الدين الذين يستندون على نصوص إسلامية تاريخية يتم إسقاطها على الحاضر، مما يؤسس لخطاب إسلامي متعصب اتجاه الآخر المختلف معه في المذهب أو الدين في إطار الدولة الواحدة. وما يعزز من تمدد هذا الخطاب غياب الدولة المدنية الديمقراطية في دولنا العربية بصورتها الحقيقية.

في الواقع ليست المشكلة الأساسية في حذف النصوص الدينية الإسلامية من بعض المناهج التعليمية، إنما في أهمية تنقيتها من بعض الشوائب التي تشير بصورة أو بأخرى إلى عداء للآخر، الأمر الذي لا يتواكب مع قيم المواطنة الواحدة والمتساوية. لا شك أن تاريخنا العربي الإسلامي زاخرٌ بقيم المحبة والتسامح ونصوصه مليئة بذلك، لكن علينا كمجتمعات عربية وإسلامية وخصوصاً رجال الدين والحركات الإسلامية مسؤولية إبرازها بصورة مميزة ورفيعة، تتناسب مع مفردات الخطاب الإنساني الحديث.

إذاً على الدول العربية التركيز على جوهر المشكلة الذي يتمثل في تكوين عقد اجتماعي وخطاب وطني جامع لكل المواطنين من مسلمين ومسيحيين وغيرهم، ومن دينيين وعلمانيين، والعمل على غربلة التراث، وليس المناهج التعليمية فقط من النصوص والفتاوى التي تحث صراحة على الكراهية أو العداء للمختلف عقائدياً وفكرياً.