رحم الله الرفيق يوسف العجاجي أبا ياسر وسعد ولولوة، فقد غادرنا سريعاً. بعد أيام قليلة من اكتشاف مرضه وقد رجع البحرين للعلاج في مستشفى حمد، تواصل مع أصدقاء وكلف آخرين لإخبارهم عن مرضه والتحدث إليهم وكأنه يقول لهم: وداعاً.
تعرفتُ على يوسف في المدرسة الثانوية بالمنامة في منتصف الخمسينات. كانت البحرين والمنطقة ترزح تحت الهيمنة البريطانية، وكانت حركة التحرر الوطني العربية وبقيادة جمال عبد الناصر تخوض معركتها من أجل الاستقلال والحرية.
أتذكر ذلك اليوم الذي زارني فيه يوسف “عجيل”، وهذا هو اسمه الحركي، في مدينتي الحد ليعرض عليّ شرف الانضمام لجبهة التحرير الوطني. والرفيق يوسف من عائلة ثريّة ولكنه في بواكير انضمامه للجبهة تلمس معاناة أفراد الطبقة العاملة، وحاول أن يحاكيهم في ملابسهم وطعامهم، ومكّنه ذلك من تحمّل السكن في الفنادق الرخيصة في لبنان وسوريا وتناول طعامه وشرابه في المطاعم الشعبيّة.
استمرت علاقتي مع يوسف ورفيقنا أحمد الذوادي سنوات في البحرين، وهما كقائدين للجبهة عملا على تعزيز دورها ورفدها بالمزيد من الأعضاء لمناهضة الاستعمار البريطاني، وكذلك تطوير العلاقات مع جبهة التحرر الوطني في السعودية، ومع ثورة عمان بقيادة طالب وغالب التي كان مركزها في الدمام.
من عادة الرفيق يوسف عدم الظهور، إلا أنه في انتفاضة مارس المجيدة شارك الرفيق سيف بن علي (أحمد الذوادي) في الذهاب للمساجد يوم الجمعة بإلقاء الخطب وحثّ الشعب على دعم الانتفاضة.
بعد انتفاضة مارس أعلنت الجبهة خطاً متصلباً تجاه أجهزة المخابرات البريطانية حيث أمّنت السلاح ووجهت ضربة موجعة لتلك الأجهزة بتصفية وشل بوب وأحمد محسن. وبعدها مباشرة طُلب من الرفيقين أحمد ويوسف مغادرة البحرين فتوجها إلى السعودية.
كنت أعمل هناك ومعي عدد من الرفاق والأنصار، وقد احتضننا عبد الله ابريق وإبراهيم الفلاح وخلف زين العابدين وانضم يوسف إلينا، وتوطدت علاقاتنا بجبهة التحرر الوطني في السعودية، حيث كنا على علاقة مع أمين عام الجبهة مصطفى وهبة، وأتذكر أن السلطات السعودية اعتقلته، وبعد أيام اقترح عليّ يوسف أن نذهب إلى بيت مصطفى، وأن أقف على الباب للمراقبة، وهو يقفز من الجدار للداخل لكن حارس الأمن كان بالمرصاد في الداخل لذلك غادرنا المكان بسرعة.
عندما شنت إسرائيل عدوانها على مصر عام 1967، كنت أعمل في السفانيّة بالسعودية، انتشرت الإضرابات في البلدان العربية، دعا أحد المسؤولين في شركة ارامكو إلى الإضراب عبر الراديو، تركت السفانيّة وذهبت إلى الدمام لألتقي بيوسف، وانضمّ الينا خلف زين العابدين وشاركنا في المظاهرات لكن “أخويا بن جلوي” تمكنوا من اعتقال خلف ووضعوه في السيارة ثم انشغلوا، فذهبنا إلى السيارة وخلّصنا خلف من الاعتقال.
بعد حملة الاعتقالات في البحرين والسعودية التي تعرض لها التنظيم، وبعد خروجي من السجن ذهبت إلى بيروت وكان يوسف هناك، وكان المتحدث باسم الجبهة الرفيق سيف بن علي “ابو قيس” موجوداً في القاهرة، ولم تسمح الظروف بمجيئه إلى لبنان، فطلب منا أنا ويوسف إقامة ندوات، وفي دعوة لنا لإقامة ندوة اتفقت مع يوسف أن نكتب الندوة، ونحضر الأسئلة والأجوبة التي يمكن توجه لنا، وهذا ما حصل ألقيت مداخلتي، وكانت الأسئلة حسب ما توقعنا. كانت ندوة ناجحة وكان من بين الحضور المرحوم عبد الرحمن الباكر.
بعد الانفراج في البحرين عام 1974، وفوز جبهة التحرير وكتلة الشعب بثمانية نواب، رجع يوسف إلى البلاد. وكلفت يومها مع الرفيق محمد السيد لوضع تصور مستقبلي لنضال الجبهة في الظروف الجديدة وتحديد يوم الاحتفال بالجبهة، وقد صدرت الوثيقة التي انتشرت بشكل واسع. كما كان عليّ ومحمد السيد متابعة عمل البرلمان ومعالجة موجة الإضرابات العماليّة، لكن ذلك لم يستمر طويلاً فقد شنت حملة اعتقالات شملتني ويوسف وأحمد الذوادي وعبد الهادي خلف وعباس عواجي والعديد من قيادات الجبهة.
بقينا فترة في سجن جده ومن ثم نقل أحمد الذوادي وعبد الهادي وعباس عواجي إلى القلعة، فيما نقلت أنا إلى سجن مركز الشرطة في الزلاق ويوسف إلى سجن مركز شرطة الرفاع، وظلّ يوسف مع رفاقه في المعتقل حتى بداية الثمانينيات.
وفي الختام أقول إن للمرحوم يوسف بصمات كبيرة على تنظيم الجبهة ونشاطها وأدبياتها. إنه رفيق طموح وقارئ نهم للكتب باللغتين العربية والإنجليزية. ويوسف بمثابة موسوعة للبحرين عندما تسأله عن الناس. رجل صريح ونديم لأصدقائه ورفاقه، وبرحيله خسرناه لكن تبقى ذكراه خالدة.