رأس المال الكولونيالي أم رأس المال الشرقي؟
أنا متأكدٌ بأن الكثير منكم سمع، خلال تلك السنوات الطويلة، تهماً تقول بإن الماركسية عسيرة على التجدد؛ ولا تستطيع أن تجاري الواقع، ولا تلعب دوراً فعالاً فيه، ولها وجوداً هامشياً في أحداثه. والنتيجة الحتمية لهذه التهمة هي واحدة: بأن الماركسية نفسها لم تعد قادرة على الحياة. لكننا نريد أن نثبت بأننا أمام ورشة فكرية دائمة اليفاعة والتجدد. فليبصر هؤلاء وليحكموا، هذا إن تبقت لديهم البصيرة والحكمة، ما إذا وجدت أي حركة فكرية اخرى في البحرين، باستثناء النظرية الماركسية، قادرة على نقد عناصرها وتتجدد ضمن هذا النقد ككل؟
صحيح أن ثمة أفكار كثيرة في الساحة البحرينية اليوم؛ صحيح، أنها تغزو الصحف والكتب ومختلف الوسائل الإعلامية، لكن جميعها عاجزة أمام الواقع، جميعها لا تقوى على تفسير أي شيء. وجراء عجزها هذا، تجدونها خاضعة بشكل خاص للآيديولوجيا المسيطرة، وأي خضوع؟ إنها غير قادرة على خلق خطاب خاص لها حتى! فإنه لأمر مخجل بأن معظم هذه الأفكار ”السوسيولوجية“ لا ترتقي حتى لمستوى عالٍ من الخديعة الفكرية، والزخرفة الاصطلاحية، والتنميق، بل إنها تعلن بشكل مبتذل تماثلها بالآيديولوجيا البورجوازية السائدة. أفكار كثيرة، هراء كثير؛ لا أود أن أذكر هذه النظريات بالاسم ولكنكم تعلمون جيداً بأنها لا تستطيع منافسة النظرية الماركسية في الأمد الطويل، إذ “الماركسية كليّة القدرة لأنها كلية الصحة”. بينما الآيديولوجيا البورجوازية في البحرين هي في أزمة واضحة.
قد يسأل البعض لماذا كل هذه المقدمات؟ حسناً! سأكون صريحاً. أشعرُ، بكل صدقٍ، بأن البعض منا قد نسى صحة المادية التاريخيّة وبدأ، شيئاً فشيئاً، يُصدق تلك التهم الموجهة لنا؛ بأن البعض منا سمح للشك أن يخترقه، وبالتالي تهاون مع العلم المادي التاريخي (تحت مختلف أشكال “المراجعات”). ولا غرابة في ذلك، فلقد مررنا بهزائم عديدة، ورأينا حركات ثورية تتقهقر أمام أعيننا، وفي وسط كل ذلك تعاظم سلطان رأس المال في العالم كله؛ فإن الهزيمة – كما يقول كارل فون كلوسفتز – ترهق الأعصاب كلياً، وبالتالي تمهد الطريق لكل أنواع الخرافات. وهذا واضح في المجال السياسي بقدر ما هو واضح في المجال النظري.
لهذا السبب أعرض قراءتي الخاصة لكتاب (رأس المال الحكومي الشرقي) للراحل الأستاذ عبدالله خليفة. أنا طبعاً لستُ في الموقع المناسب لأن أتحدث عن التاريخ الطويل لهذا الباحث، والأديب، والمناضل السياسي، والشخصية الوطنية المعروفة التي نكن لها كل الاحترام؛ لقد كفى ووفى الكثير من الأصدقاء والزملاء في هذا المجال. أعرض هذا الكتاب (وهو ليس بكتاب نظري، بل تجميعاً لمقالات ودراسات) لأقيس إلى أي مدى تُشكل أطروحاته، التي تًراجع – بوعي – أسس الماركسية للأسباب التالية: أولاً، لأنه من غير المعقول أن نكون أمام كتاب يطرح – حسب كاتبه – تفسيراً جديداً للعالم المعاصر دون فحص صحّة أو عدم صحّة هذا التفسير. ثانياً، يقول المؤلف نفسه بإنه يسعى – في كتابه – إلى تجاوز اللينينية، وذلك يستدعي الفحص كذلك. ثالثاً، لأنني من خلال هذه القراءة أودّ أن أقدّم لكم النظرية الكولونيالية لأول مرة بوصفها إضافة نوعية في العلم المادي التاريخي.
يدور كتاب (رأس المال الحكومي الشرقي) على فكرة مركزية واحدة: أن “الشرق” – على العكس من “الغرب” – لم يشهد عملية تراكمية طويلة للثورات البورجوازية، ولا رأس المال، ولا التقاليد الديموقراطية، مما أعطى الدولة الدور الأهم في كل هذا. بالتالي ما هي النتيجة؟ رأسماليات “مشوّهة” تحكمها مصالح الحكومات بدلاً من رأسماليات “طبيعية” تقوم على الميكنزمات الطبيعية للتنافس الرأسمالي. بإختصار، لكي يفهم عبدالله خليفة الفرق ما بين “شرقه” و”غربه” يدعونا إلى أن نتفحص الفروقات الخارجية ما بينهما: الجغرافيّة، والتاريخيّة، والثقافيّة، والسياسيّة، إلخ.
إن رأس المال الحكومي الشرقي هو، حسب عبدالله خليفة، وحدة نقيضين: الطرف الرأسمالي وجهاز الدولة الشرقي الشمولي. يعترف عبدالله خليفة بدخول بلدانه الشرقيّة في مرحلة التصنيع وتراكم رأس المال وبأنها شهدت تطويراً ملحوظاً للقوى الإنتاجية. ولكنه يشتكي من استمرارية “العقلية” الحكومية القديمة (يسميها: عقليات الهيمنة على الملكيات العامة) التي تعرقل القوى هذه. جميل جداً، لما كان الباحث لم يستطع أن يجد جواباً في الاقتصاد السياسي قفز فوراً إلى مجالات اخرى فمزج ما بين كاوتسكي وفيبر. وهنا سيكون عليّ أن اسأل: هل هذه هي الطريقة العلمية للتحليل؟ لا أظن بأن أي واحد منا، إذا كان قارئاً ودارساً لماركس وانغلز ولينين، سيتفق بأن هذه هي الطريقة العلمية.
لما كان رأس المال الحكومي الشرقي هو وحدة نقيضين، فإنه لا يُمكن أن يكون التناقض الرئيس في مجتمعاتنا ما بين الطبقة العاملة والبورجوازية، بل ما بين الرأسمالية الحكومية والحرة. فحسب رأيه، يقع التناقض الرئيس في الغرب ما بين العمل المجرد والملموس، ما بين العمل المأجور ورأس المال، ما بين القيمة التبادلية والاستعمالية، إلخ..، بينما التناقض الرئيس الشرقي هو ما بين الرأسمالية الحكومية والحرة. هذه الاستنتاجات هي ضعيفة نظرياً وضعيفة فلسفياً، فلا نجد فيها أي أثر للتفكير الديالكتيكي. فكيف خلط عبدالله خليفة ما بين التحليل التجريدي، “المثال العام للرأسمالية” حسب تعبير ماركس، وما بين التحليل الملموس، وبأية الطرق وصل إلى هذا الاستنتاج، لا أدري حقاً. مثلاً، حين يفترض ماركس التناقض ما بين العمل المجرد والملموس، والقيمة الإستعمالية والتبادلية، وظهور القيمة كشكل، فإنه يفترض وجود رأسمالية محضة في مجتمع افتراضي؛ رأسمالية محصورة بطبقتين فقط، وذلك لضرورات نظريّة فقط، إذ إنه واعٍ بأن هذا الشكل المحض لا يظهر بشكل ملموس في أي مكان في العالم. هذه بديهيات العلم المادي التاريخي. حقيقة أن الباحث أقحم “الرأسماليات الحكومية” في المثال التجريدي العام للرأسمالية بشكل يدل على ضعف نظري، لا على تجديد أصلي في الماركسية.
أما النظرية الكولونيالية فإنها تفرق علمياً ما بين أنماط إنتاجية تقترن سينكرونياً ودايكرونياً. في حالة نمط الإنتاج الرأسمالي، ثمة فصيلتان لهذا النمط: أحدهما يقترن سينكرونياً (البلدان المتروبولية) وثانيهما يقترن دايكرونياً (البلدان الكولونيالية). الاقتران السينكروني يعني، ببساطة شديدة، بأن عناصر نمط الإنتاج تقترن ضمن منطق البنية الاجتماعية القائمة؛ بأن هذه العناصر تحدث تحولاً ضمن منطق البنية الاجتماعية القائمة. أما الاقتران الدايكروني فإنه يعني بأن عناصر نمط الإنتاج تقترن خارج منطق البنية الاجتماعية القائمة (هذا ينطبق كذلك على حالات موت الأنماط الإنتاجية، مثلما حدث مع نمط الإنتاج العبودي الغربي، إلخ).
في تحليلي لنمط الإنتاج الكولونيالي، بمعناه التجريدي، استبعدتُ كل العوامل الخارجية: التاريخ، الجغرافيا، دور الدولة، الأشكال الملموسة لتمرحل البنية الاجتماعية، تعايش هذا النمط بأنماط إنتاجية غير-رأسمالية، والأهم من ذلك استبعدت أي مكان للنظام الإمبريالي العالمي في التحليل. يُمكنكم القول بإنني افترضت وجود نمط الإنتاج الكولونيالي في جزيرة معزولة عن العالم غير خاضعة لأي تأثيرات خارجية، وتقوم فقط على طبقتين، ولا توجد أي عوارض “مرضيّة” فيها. هذه الطريقة العلمية للتحليل، لكي نحلل نمط الإنتاج بشكله الخالص من دون أي شوائب؛ وذلك لإستنباط قوانينه. حتى أنني لا استعمل كلمة “كولونيالي”، في العبارة التي ورثتها واحتفظت بها من مهدي عامل، بشكل مرادف (على الأقل، ليس بشكل مباشر) لكلمة “تبعي”؛ بل بمثل المعنى الذي اعطاه لينين لعبارة “المستعمرة الاقتصادية”.
ومن هذا المنطلق افترضتُ بأن التحديدات – الداخلية لنمط الإنتاج الكولونيالي تعتمد على العلاقة الديالكتيكية ما بين ثلاث أشكال من الوظائف هي في الحقيقة واحدة: الوظيفة الكولونيالية، والوظيفة الكولونيالية – التبعية، والوظيفة التبعية. بالوظيفة الكولونيالية أشير إلى العلاقة الداخلية لنمط الإنتاج الكولونيالي، ايّ للعملية – الإنتاجية الكولونيالية، كما لو كان مكتف – ذاتياً (بمثل معنى الجزيرة المعزولة). ففي هذه العلاقة نجد بأن عملية-الإنتاج الكولونيالية، بما إنها نتاج الإقتران الدايكروني، تتميز بالترابط-الثنائي: الترابط المباشر وغير-المباشر. أما بالوظيفة الكولونيالية- التبعية فأنني أشير إلى تحدد الوظيفة الكولونيالية بتمرحل الأبنية الاجتماعية الكولونيالية (والتمرحل الكولونيالي هو دائماً تبعي)، وبتطور الترابط المباشر ليمثل التوجه الكومبرادوري، وبتطور الترابط غير المباشر ليمثل التوجه المحلي؛ وبكون كلاهما توجهين ضمن رأس المال الكولونيالي. وبالوظيفة التبعية فإنني أشير إلى ظهور الوظيفة الكولونيالية – التبعية بشكل ملموس في مجتمع معيّن (شكل ملموس تاريخي، وسياسي، واقتصادي، وتمرحلي، إلخ)؛ إذن التبعية هي نتيجة لطبيعة نمط الإنتاج الكولونيالي، ولا يُمكن أن نقول بأن الأخير هو نتيجة للأولى.
إن فكرة رأس المال الحكومي الشرقي غير علميّة، وغير صحيحة، ولا وجود لها. ليس ثمة تناقض خارجي تمّ تضمينه ما بين الدولة والرأسمالية الحرة، بل إن رأس المال الكولونيالي يختزن توجهين متناقضين، وهذه الحقيقة موجودة بدءاً من المستوى التجريدي الذي نفترض فيه بأن نمط الإنتاج الكولونيالي موجود في جزيرة معزولة عن العالم بغض النظر عن التأثيرات الخارجية، ايّ وفق نمط الاقتران نفسه. في تحليلي للتناقض-الداخلي في الرأسمال الكولونيالي وإنعكاسه على نماذج إعادة الإنتاج المتوسعة، وجدتُ بأن التراكم الكولونيالي لا بد أن يتميز بعلاقة نسبية داخلية. حين نحلل التراكم الكولونيالي ككل سنجد بأن ثمة تناسباً-عكسياً ما بين التوجهين، وحالما نعين للتوجهين معدلاً غير متكافئ للتراكم (وذلك لأننا نفترض بأن التراكم يدور حول توجه واحد بالتحديد؛ وهذا ما أسميه بالحركة المحورية) فإننا سنكون أمام علاقة نسبية ما بين معدلي التراكم الكولونيالي، وينعكس ذلك مباشرة على النسبة ما بين إنتاج الوسائل الإنتاجية وإستهلاكها. اطلقُ على هذه النسبة تسمية التراكم-النسبي، لا بمعنى بأن التراكم الكولونيالي هو نسبي، بل بأن التراكم الكولونيالي يختزن هذه النسبة.
وهكذا استخرجتُ الحقائق التالية: 1) لا يتقدم رأس المال الكولونيالي إلا إذا قامت حركته المحورية على توجه واحد بالتحديد، في تحقيقه لوظيفته، إذ أن هذه الوظيفة هي التي يتمحور عليها معدل الربح. 2) كلما يتقدم رأس المال الكولونيالي كلما يخلف – بالضرورة – مقادراً أعظم للتراكم-النسبي. 3) هذا المقدار من التراكم-النسبي لا يُمكن أن يستثمر في تنمية وسائل الإنتاجية، فلا بد أن يُستثمر في قطاعات اخرى (وفي نموذج التراكم، يستثمر التراكم-النسبي في رأس المال الثابت للقطاع الثاني). 4) إن القانون العام لتطور نمط الإنتاج الكولونيالي ينص بأنه كلما هبط معدل الربح كلما تضخم معدل التراكم-النسبي (ايّ التراكم-النسبي قسمة القيمة الزائدة). 5) يتضخم التركيب العضوي الكولونيالي بفعل تضخم التراكم-النسبي، والعكس بالعكس. 6) وفقاً لهذه الحقائق، لا بد أن نقول بأن القوى الإنتاجية الكولونيالية تتطور بشكل محدود-بنيوياً كأثر لطبيعة العلاقات الإنتاجية نفسها. 7) إذن نكتشف بأن نمط الإنتاج الكولونيالي محدود بنيوياً (أو لنقل: لأسباب داخلية) قبل أن نحلله في علاقته التبعية في النظام الرأسمالي العالمي، إذ إنه محدود بنيوياً بطبيعته بغض النظر عن كل التأثيرات الخارجية الأخرى.
لم يكن مطلوباً، طبعاً، من عبدالله خليفة أن يكتشف كل هذا (إذ لكل شيء زمانه) ولكن حقيقة أنه يرجع تاريخياً إلى استمرارية العقليات الاستبدادية (التي سبقت نمط الإنتاج الرأسمالي) في “العالم الشرقي” الحالي هو بحد ذاته تصريح ينفي كل ما تقوم عليه الماركسية. هكذا، لا يُمكن للواحد منا أن يجد أثر الفكر الديالكتيكي في كل هذه الأطروحات. هذا واضح مثلاً حين يحاول إضفاء الديالكتيكية بقوله إن “نقيض الملكيّة الحكوميّة هو الملكيّة الخاصة للوسائل الإنتاجيّة”؛ إذ في ذلك فشل واضح لا في فهم الرأسمالية وحسب، بل في فهم المعنى العلمي لعبارة “الملكية الخاصة”. إن الحدود المعرفية لكتاب (رأس المال الحكومي الشرقي) لا تتجاوز (مقدمة مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي) أو في أفضل الأحوال المجلد الأول من (رأس المال)، إذ بالتحديد في (المجلد الثاني) نجد بأن ماركس يحدد بوضوح بأن الملكيّة الخاصة الرأسماليّة ايضاً تتضمن الملكيًة الحكوميّة لرأس المال. في تصور عبدالله خليفة عبارة “الملكيّة الخاصة” تعني “ملكية رأس المال الخاص” ولكنه بهذا الفهم يعجز عن فهم الفرق ما بين الملكية “الفردية” و”الجماعية” و”الاجتماعية” للوسائل الإنتاجية، ونجده يطابق ما بين الملكيّة الفردية والاجتماعيّة رأسمالياً. لكن المقصود بعبارة “الملكية الخاصة” هو الطبيعة الاجتماعيّة لهذه الملكية، أيّ ملكية الطبقة الاجتماعية الرأسمالية بأكملها، بغض النظر عن الشكل الملموس لها، سواء أكانت تتمثل ببورجوازية الدولة، أم بفرد رأسمالي، أم بشركات مساهمة، إلخ. هذه الحقائق هي ألف باء النظرية الاقتصادية الماركسية، مثلما أنه ألف باء النظرية الماركسية بأن نقيض الملكية الخاصة هي الملكية المشتركة للوسائل الإنتاجية، بدلاً من ملكية “الدولة”.
لا عجب بأن تجاوز مبادئ المادية التاريخية بهذا الشكل أدى إلى تحليل خاطئ على المستوى المحلي البحريني كذلك.
سيكون علي أن أدلي باعتراف ما: إن رؤياي أكثر تشاؤماً من رؤى عبدالله خليفة. وبكلمات غرامشي الشهيرة، أنا متشائم بالعقل ولكنني متفائل بإرادة الجماهير، بينما الراحل كان متفائلاً بالعقل لكنه متشائماً بالإرادة. حين اقرأ له، أجدهُ متمنياً للرأسماليات الحكومية أن تتحول إلى رأسماليات حرّة، إذ إن ذلك شأنه أن يقود تطوراً اجتماعياً هائلاً للعالم كله. وبعدها يأتي التطور الاشتراكي الذي يستغرق، حسب إصراره (إذ يكرر هذه العبارة عشرات المرات في الكتاب كله)، قروناً ليحصل. كما يقول لنا بإن “الغرب” سيقود القوى الإنتاجية العالمية إلى مستوى غير مسبوق تصبح خلاله الاشتراكية أمراً حتمياً وتلقائياً. إنها صورة جميلة، سأعترف بذلك؛ ولكن ما لنا بالصور؟ لا شيء يحصل في العالم بالتمنيات الجميلة. فوق هذا كله، نجد بأن الأثر الكارثي لهكذا تصور على تحليله للبحرين بالتحديد. إذ ينقل تمنياته هذه على هيئة ”نصائح“ للبورجوازيات في بلدان الخليج والبحرين، أنه يطالب الحكومات بالتشديد على الأمن والأمان، إذ يخاف عليها من الفتن والتحريض كما يقول، للحفاظ على ثرواتها العالية. ثم يبدأ بالعتب عليها بأنها رأسماليات لا تقوم إلا على المواد الخام بفعل هيمنة “العقلية الاستراتيجية القديمة” على الإدارة الاقتصادية، وهو في ذلك كله يخاف أن نعود إلى الماضي الصحراوي إذ إن ذلك سيعني هدر “الثروات”. ثم يتوجه بالنصح للعمال البحرينيين جميعهم، أنه يطلب منهم أن يتبعوا منهج “تشديد النضال والحفاظ على الأمن” (هذا اقتباس مباشر، أنا لا امزح) والاكتفاء بالبرلمان الذي عليهم أن ينتظروه لأن يكون ديموقراطياً بشكل كامل يوماً ما؛ بشكل تلقائي دون أي ضغط. كما إنه يطرح وصفة غريبة لتطبيع يناهض الاحتلال الإسرائيلي، وصفة تقول بعقد “تحالفات واسعة عربية – إسرائيلية -عالمية من أجل وضع الصقور الإسرائيليين في زاوية ضيقة”.
أدعوكم أن تفكروا معي: هل هذه الاستنتاجات ماركسية على الإطلاق؟