نتحدث عن “البروباجندا”، والأسباب لا تخفى على ذوي الألباب، وكلها يمكن إدراجها تحت عنوان
” التلاعب بوعي الناس”!. قيل بأنها تعنى التلاعب بالعقول، وحيلة فى السيطرة على الشعوب، كما قيل بأنها صناعة الفكر المضلل والتكتيك المدروس للضغط الاجتماعي وغسل العقول، وقيل بأنها تعنى الرسالة المعدّة والموجهة سلفاً للتأثير بشكل متعمد على أفكار وأفعال الجمهور فرادى أو جماعات، والترويج لمنجزات وهميّة لا وجود لها على ارض الواقع.
قيل فيها وعنها الكثير، وكل ماقيل فى شأنها لا يخرج عن إطار الدعاية وكيل المديح والخداع الإعلامى ونشر المعلومات بطريقة أحادية المنظور، ويتطور الأمر إلى بيانات واستطلاعات رأي مفبركة، مخادعة، معروفة نتائجها مسبقاً، خاصة بالنسبة لأمور يراد لها أن تكون مصبوغة بالقبول والرضا الشعبيين، والهدف فى كل الحالات صياغة الرأي العام على المقاس المطلوب.
هي هدف استراتيجي عند البعض يستغلونه للترويج عبر آلات دعائية للترويج لإنجازات عظيمة، ومشاريع قوميّة، وانتصارات ضخمة، وانطلاقات جديدة، والمستقبل المشرق، وكل ما لا وجود له على ارض الواقع، يشيّدون اركان البروباغاندا بكل السبل، من نتائجها القبول بالرداءة، الترويج والتصفيق لها، والترفيع من مقامها، والدفع بلا هوادة ولا كلل بكل صنوف وأنواع الرداءة، وإفساح المجال لصنّاعها ليكونوا فى الطليعة، واطلاق المزيد من اللاعبين فى الساحة لينتشروا فى العديد من المواقع وتربع مواقع الشهرة فى كل مجال وميدان فى سبيل تزييف الوعي وتشويه العقل وتقبل الخداع والتضليل.
يكفى أن نمعن النظر هذه الأيام فى الكثير مما يبث فى أعداد لايستهان بها من المواقع الإليكترونية، والكثير مما يكتب وينشر ويذاع ويبث، والكثير ممن باتوا يسبحون فى الآراء والتحليلات وتحوّلوا فى غمضة عين إلى قادة رأي وفكر، يثرثرون فى كل شأن، فى السياسة، فى الوطنيّة، فى الدين، فى الاقتصاد، فى الفكر والثقافة، فى كل شأن ومجال وميدان، ويدلون بدلوهم فى قضايا الساعة، يصرخون ويزايدون ويستخفون بقيم الموضوعية وقبول الرأي الآخر، ومنهم من يخوّن ويشّوه ويُشهّر، أو يفبرك ويمارس التضليل والإسفاف فضلاً عن البذاءات، يزيفون وعي الناس باسم الوطنية، أو الدين، او المذهب، ويواكبون ما يستجد فى ملف الرداءة وتغييب وعي الناس، و كم هو بالغ السوء حين تمارس الرداءة ويروّج لها بذريعة حبّ الوطن، والدفاع عنه، كأنهم يريدون أن يكسبوا الرداءة مزيداً من الشعبيّة والشرعيّة وإطالة عمرها لتكون فى مصلحة الجميع.
قيل بأن بان البروباجندا مضادة للموضوعية فى تقديم المعلومات وتزييف الحقائق وتضليل المتلقى، وهناك من خلص إلى أنها تعنى فن التلاعب بالعقول والشعوب، وقيل بأنها كمصطلح ظهر إبان حرب الثلاثين عاماً التى شهدتها أوروبا فى القرن السابع عشر والتى عرفت بحرب الفلاحين والتى حدثت نتيجة الانشقاق التاريخى فى الكنيسة الكاثوليكية بتمرد “مارتن لوثر كينج” على الكنيسة، وتشكلت على اثر ذاك لجنة كنسية للدعاية لمواجهة أفكار هذا الذى تجرأ على الكنيسة، ومنذ تلك اللحظة والبروباجندا وثيقة الصلة والارتباط بالدكتاتوريات على مرّ التاريخ ، دكتاتوريات مارست الاستبداد وصادرت الحريات وزيّفت الوعي، ومارست صخب التسطيح، وانتهكت الحقوق ودفعت بثورات العديد من الشعوب نحو حلقات من التيه من المنبع الى المصب.
فى كتابه “كيف تعمل الدعاية – البروباجندا” يقول أستاذ الفلسفة فى جامعة يال الامريكية
جازون ستانلي: إن الهدف المركزى للبروبوجاندا هو “العمل على صياغة الرأي العام” خدمة لهدف أو اهداف معيّنة تتسم دائماً بالكثير من “التستر” وعدم الوضوح، وتصنع بشكل مدروس أنماط وقوالب وصور نمطيّة جامدة، وتفرز نوعاً من القطيعة بين الشعار والواقع، بين الهدف والمأمول، بين الصح والخطأ، والترويج لأشخاص او منجزات وهمية تدور فى فلك واحد: الانجاز العظيم، والمشروع الوطنى، والخطوة الرائدة، والعمل الفريد، والقيادة الملهمة، والسلسلة لن تنقطع، أما ادوارد بيرنايز فقد وصفها فى كتابه “البروباجندا” الصادر فى عام 1928 بأنها الحكومة غير المرئية للقيام بعملية غير أخلاقية هادفة للسيطرة وهندسة العقول وفق اتجاه معيّن.
أما الكاتب المصرى علاء الأسواني فيرى أن خطة البروباجندا تستخدم بشكل أوضح فى الدعاية السياسية التى تهدف إلى صناعة القوالب والصور النمطيّة، لذلك يكون المحتوى الإعلامى تعميمي بشكل كبير، ولهذا يميل إلى تلك الصناعة المخطط لها لأجل اختزال صورة شخص أو فئة أو جماعة أو حزب او شعب فى مجموعة قليلة من السمات المغلوطة، وعلى أساس ذلك وأمور اخرى عديدة يخلص الأسواني إلى أن البروباغندا هى إحدى عمليات الظلم والخداع الممنهج كما هو الحال فى الأنتخابات البرلمانيّة.
تلك ملاحظة تعنينا وجديرة بالتوقف، ففى الحملات الإنتخابية يختار الحزب أو الجمعية أو الفئة أو الطائفة أو المرشحون المستقلون شعارات تهدف إلى ربطها فى أذهان الناخبين، حتى ولو لم تكن برامجهم الإنتخابية تحتوى على تفاصيل لتحقيق تلك الشعارات، وغير واضح ما إذا كان بمقدورهم حقاً الأخذ بأي منها، المهم ربط هؤلاء المرشحين بشعارات محببة وقريبة إلى أذهان وهموم وتطلعات الناس وإقناع الناخبين بصلاحية هؤلاء المرشحين وقدرتهم على تحمل عبء تمثيلنا وتحويل أحلامنا الى حقيقة، يفعلون ذلك حتى وإن كان هؤلاء المرشحون “لايعرفون بوعهم من كوعهم” فى استخفاف لعقول الناس، وهو أمر لايثير الغضب فقط ، بل يثير الأسى والسخرية أيضا !
من السذاجة أن ترفع شعارات باهتة فاقدة لمعناها، خصوصاً وأن التجربة التى مررنا سواء فى الانتخابات، أو مسارات عمل فى مجالات شتى اتسمت فى الغالب بنفاق محترف عبر “البروباجندا” أو “الشو الاعلامى” الذى يتعامل مع الأكاذيب على أنها حقائق علينا أن نتقبلها ونقبل بها ونتعامل معها بأريحية باعتبارها عملاً مشروعاً، بل ومطلوباً إلى حد اعتباره واجباً، والمطلوب حقاً وفعلاً أن نحذر من “البروباجندا” ولا نسير مع القطيع، فالحقائق لا تمحوها “البروباجندا”.