فهد حسين: النص السردي البحريني خرج من حدوده الجغرافية وساهم في التعريف بأدب المنطقة عربياً

0
222

في حوار مع التقدمي حول كتابه “تاريخ السرد وفنونه في البحرين”

بمناسبة صدور كتابه الجديد: “تاريخ السرد وفنونه في البحرين  (1941 – 2018)”، عن أسرة الأدباء والكتاب في البحرين، التقت “التقدمي” الناقد البحريني د. فهد حسين، وأجرت معه هذا الحوار الذي يسلط الضوء على موضوع الكتاب، وموقعه بين الدراسات التي تناولت السرد في البحرين، ومراحل تطوّر النص السردي في البحرين، ومكانة هذا النص في الخريطة الإبداعية في المنطقة وعلى المستوى العربي.

  • أين نضع الكتاب في سياق الدراسات التي تناولت موضوع السرد في البحرين وتاريخه، وفيما يتميز الكتاب عن سواه من الدراسات ذات الصلة بالموضوع؟

قبل كل شيء أقدم شكري وتقدير لنشرة التقدمي والقائمين عليها لاهتمامهم بالكتاب من جهة، والحراك الثقافي والأدبي في البحرين من جهة أخرى، أما عن السؤال، هذا الكتاب (تاريخ السرد وفنونه في البحرين من 1941 حتى 2018، هو الكتاب الوحيد الذي حاول أن يقف على السرد البحريني ولم يشرك معه أي حقل أدبي أو دولة غير البحرين، وفي الوقت نفسه كانت هناك كتب صدرت قبل هذا الكتاب، ولكن ليس مخصصة للسرد، وإنما للأدب البحريني، مثل: كتاب (دراسات في أدب البحرين) وهو من إصدارات معهد البحوث والدراسات العربية، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم – الألكسو، وأشرفت عليه الدكتورة سهير القلماوي، والدكتور محمد خلف الله محمد، وكتاب (القصة القصيرة في الكويت والبحرين) لإبراهيم غلوم، وكتاب عبدالله خليفة الذي تناول الراوي في تجربة محمد عبدالملك القصصية، وفعلت الشيء ذاته أنيسة السعدون في كتابها عن القصة عند محمد عبدالملك، والأيديولوجية في الرواية البحرينية، ،كما كتب في الثمانينيات أحمد محمد عطية كتابًا بعنوان (كلمات من جزائر اللؤلؤ) تناول في المشهد الادبي عامة، وليس السرد، أما كتابي هذا فقد حصر مادته في السرد (قصة قصيرة، رواية، قصة قصيرة جدًا، النص بوصفه سردًا) مع فترة زمنية كبيرة تمتد قرابة (80) عامًا. 

أما التميّز فلا أستطيع بيانه حتى لا يقال أنني أمدح كتابي، ولكن أشير إلى نقاط اعتقد من خلالها يتضح وضع الكتاب بين الكتب التي تناولت السرد، مثل: الفترة الزمنية قياسًا لعدد كتاب البحرين، وتاريخ الكتابة السردية، وكذلك تقييد الكتاب بالسرد دون الفنون الأخرى، وبُعده عن الدراسة الأكاديمية التي ربما تتصف بالصرامة في الأحكام، فضلاً عن الاهتمام بنص الكتّاب الجدد، وهناك جانب آخر، يتمثل في تقسيم الكتاب إلى قسمين، قسم تناول النص السردي من خلال ثلاثة فصول، وقسم آخر تناول الملاحق التي أعتبرها مهمة جدًا، وهي المعنية بسير العديد من الكتاب، وإصداراتهم، ومن يقرأ الكتاب ويقارن مع الكتب التي سبقته سيجد ما يميز هذا الكتاب عن الكتب الأخرى. 

  • قسّمت مراحل تطور السرد القصصي زمنيًا إلى ثلاث مراحل، والسرد الروائي إلى أربع مراحل، ما المشتركات بين تلك المراحل وما الفروقات؟ 

فعلاً هناك اختلاف في التقسيم بين القصة القصيرة والرواية، حيث قسم القصة عبر مراحل بروزها وتكوينها واشتغال الكاتب بها لمرحلة معينة ثم بدأت الخفوت واضحًا، بمعنى اهتممت بنشأة القصة وكيف تأسست من خلال الصحافة فقط ولم يكن عند الذين بدأوا كتابة القصة مجموعات قصصية فيما بعد، وإنما اكتفوا بنشرها في الصحافة المحلية أو الخليجية، ولكن عملية التأثير بالكتابات العربية أسهم في نمو هذا الفن بنضج ليتشكل ملامحه، ويصبح نصًا بحرينيًا من خلال قضاياه، وموضوعاته، لكن بعد الطفرة الملحوظة في الكتابة الروائية، وظهور القصة القصيرة جدًا في سياقات انتشار العالم الافتراضي انحسرت كتابة القصة في البحرين بشكل ملحوظ، لكن التقسيم في الرواية اتجهت فيه من خلال المراحل التاريخية، فإذا اعتبرنا قصة فؤاد عبيد (ذكريات على الرمال) رواية فهذا يعني أن الستينيات هي الفترة الزمنية الألى لنشأة الرواية في البحرين، ولكن لم تظهر رواية بعدها الا في السبعينيات ونشرت في جريدة الأضواء، وربما أيضا هي قصص طويلة، إذ نشر كل من خلف أحمد خلف، ومحمود المردي عملين على حلقات، لكن الرواية في إطارها الفني برزت برواية محمد عبدالملك (الجذوة) في عام (80) وتبعه بعض كتاب القصة، مثل: أمين صالح وعبدالله خليفة وفوزية رشيد، وهذه المرحلة من المراحل المهمة في السرد البحريني لما فيه من مجازفة في الكتابة الروائية، وكيفية التفكير في طرح الموضوعات التي لم تستطع القصة احتضانها، وكما حددت المرحلة الثالثة بالتسعينيات وظهور بعض الكتاب في المجالين القصة والرواية، أما المرحلة الرابعة في رواية الألفية الثالثة التي ظهر السباق وكتاب لم يعرفهم المشهد الثقافي ولا الأدبي، ولكنهم استطاعوا أن يدخلوا هذا العالم الإبداعي، وهنا لا أقف عند المستويات لأنها مختلفة ومتباينة، كما أنني وجدت فوارق كثيرة بين هذه الأجيال في الكتابة الروائية سوف أطرحها في كتاب آخر يطرح سؤالاً يدور بين أوساط بعض النقاد العرب، وهو: هل نحن بحاجة إلى نظرية نقدية عربية؟

  • أفردت حيزًا للمكان والزمان في تقنيات الرواية في البحرين، هل ممكن تسليط بعض الضوء على هذه المسألة؟

كثير من الكتاب وبالأخص بعض الجدد الذين ظهورا في الساحة لا يفرقون بين توظيف المكونات السردية، وأهميتها وتحويلها إلى تقنيات سردية، فالقصة أو الرواية كما نعرف جميعًا لن تتخلى عن المكان والزمان والشخصيات واللغة، فهي مكونات رئيسة في العمل السردي، ويستطيع كل الكتّاب وضعها في نصوصهم، أما كيفية توظيفها، فيعتمد على ما يملكه الكاتب السردي من إمكانات وتخيل، فهذه  المكونات التي لابد من وجودها في هذه النصوص، يكون حضورها حتميًا وإن تباين توظيفها بين الكتاب، فهي موجودة في شكلها التقليدي العادي الذي لا يثير تفكير القارئ، ولا تشحذه لطرح تساؤلاته، ولكن المبدع والواعي بأهمية الكتابة والنص السردي، ولديه الموهبة والمتخيل يستطيع أن يحوْل هذه المكونات إلى تقنيات عبر الوصف ونسج الأحداث في عالم ممزوج بين الواقع الذي يراه الكاتب، والمتخيل الذي يكشف قدرته على هذا التوظيف والتحول، من هنا أنا أؤكد على ضرورة الانتباه الى هذه المكونات، مما جعلني أقف عندها مسلطًا الضوء عليها، وموضحًا عبر النصوص الروائية تحديدًا أهميتها، وقيمة النص الفنية والجمالية.

  • أين نضع المشهد السردي البحريني في إطار المشهد السردي الخليجي اليوم؟ 

منذ بداية الكتابة الإبداعية البحرينية في الأربعينات، وما قبلها وما بعدها، وتحديدًا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كانت الكتابات القصصية البحرينية تنشر في صحافة البحرين والمنطقة، واستطاع النص البحريني الخروج من حدوده الجغرافية، ويسهم مع نصوص المنطقة في التعريف لدى القارئ العربي، وإن كان النص آنذاك متأثرًا بالنص العربي المكتوب في مصر وبلاد الشام، لكن جيل السبعينيات برزت كتاباتهم وهي حاملة الهم العربي والقضية الفلسطينية، بمعنى أن لدى كتاب الجيل المؤسس فكرًا ووعيًا بدور المبدع، ودور الكتابة، ودور توجهات أيديولوجية التي كان وقتها تصقل المهارات وتنمي الوعي، لهذا وجدنا توجه العديد من النصوص الأدبية عامة، والسردية بخاصة نحو القضايا العربية والقومية، ومناهضة الاستعمار، كل هذا لا شك أسهم في عملية انتشار النص البحريني خليجيًا وعربيًا، وأعتقد استمر الحال حتى يومنا هذا، فهناك كما أعلم بعض أساتذة الجامعات يقدمون بحوثهم للترقية الأكاديمية في النص البحريني، مما يعني أنه وجود وله حضوره الإبداعي، لكن هذا لا يعني أن هناك نصوص وصلت إلى دول المنطقة، وهي لا تزال تحبو، وفي العتبات الأولى من عملية الكتابة الإبداعية؛ لأن هناك من الذين يكتبون، وبخاصة الرواية وهم من الكتاب الجدد، تشغلهم فكرة الانتشار والشهرة والإشارة إليه بالبنان، فهؤلاء لا يكتبون بوعي تجاه الكتابة أو القضايا أو هموم المواطن الخليجي أو العربي أو ما تعاني منه الإنسانية، وإنما كيف يكون معروفًا وكل الأنظار تتوجه إليه وهو يقف عند دار نشر بمعرض للكتاب، أو يمر مرورًا بين أروقة المعرض.

وهناك معضلة في عملية الانتشار عند الكتاب، وتحديدًا أصحاب الفكر والثقافة الواسعة، والإدراك العميق لأهمية الكتابة الإبداعية عامة، والسردية بخاصة، فهناك كانت يكتب وهو يفكر في سياق التفكير الجمعي، وضمن وعي حقيقي لدور الكتابة في المجتمع، وها أعماله تنتشر بين المثقفين والكتاب الجادين، أو في المؤسسات الثقافية والتعليمية، ولكن حين تكون الكتابة موجهة للعموم من القراء فهذا أمر مختلف تمامًا، بمعنى أن هذه الكتابات كتبت للسوق التي باتت رائجة هذه السنوات، ومنتظرة مثل هذه الكتابات، فالقارئ لا يريد إرهاق ذهنه وتفكيره بين فقرة وأخرى، ويطرح تساؤلاته واستفساراته، إنما يريد الاستمتاع العام والتسلية التي تضفي عليه نوعًا من البهجة والسرور، ودغدغة المشاعر الحسية. وبين هذا النوع وذاك يتم الانتشار، وهو ما حصل للنص السردي البحريني، وتحديدًا الروائي الذي حقق نجاحًا ملحوظًا، وبخاصة بعد ظهور العديد من دور النشر التي تستقبل الكتابات والنصوص منطلقة من الربح، وكلما دعمت هذه الشاب أو تلك الشابة واحتضنتهما بنشر نصوصهما استطاعت أن تحقق الكثير من المكاسب المادية.