تناول المحامي والمناضل الراحل محمد يوسف السيد في كتابه “يوميّات من انتفاضة مارس 1965 – معايشة شخصيّة”، التي كان أحد المشاركين النشطاء فيها في مدينة المحرق، ذكرياته مع المناضل حسن علي محمد في تلك الانتفاضة، حيث كان الرفيق الراحل حسن، واسمه الحزبي يومها هو “جابر”، المسؤول التنظيمي عن محمد السيد وحلقة الوصل بينه والتنظيم، وكانا يلتقيان سراً، ليبلغه التعليمات الصادرة إليه من قيادة جبهة التحرير الوطني، وقد اخترنا من الكتاب المشار إليه، الفقرات التالية التي تظهر بعض جوانب مسار الانتفاضة، خاصة في مدينة المحرق، ودور المناضلين الراحلين: حسن علي محمد ومحمد السيد.
التقدمي
بعد صلاة العشاء وقد ندرت حركة المارة، قررتُ الذهاب إلى بيت الرفيق (جابر)، سرت وأنا في اشد الحذر، حيث مررت بأزقة وطرقات ملتوية حتى لا يتبعني أحد، وكان بيت (جابر) يقع في آخر فريق (القصاصيب) المشهور بأزقته الضيقة وأول فريق (الزيانية)، وكان (جابر) لديه تعليمات شخصيّة من قيادة جبهة التحرير الوطني بعدم الخروج والمشاركة في المظاهرات بشكل ظاهر أو مباشر، إنما يستطيع أن يسير مع الماشين على طرف الشارع (قرب الساس)، وكان وقتها هو حلقة الوصل بيني وبين القيادة.
طرقتُ الباب الذي كان (يشاهد) الجنوب وأنا أتلفت يمنةً ويسرة، لم يكن أحد في الطريق، وإذا بامرأة نحيفة تلبس ثوب (امجبعة) فيه، وتحته (دراعة) لم أتحقق من ألوانها بسبب الظلام، سألتها عن (جابر)، وكانت تعرفني بحكم ترددي على (جابر) في السابق، ابتعدتْ عن الباب قليلاً وقالت لي: اتفضل، وأشارت إلى حجرة في آخر حوش رملي، ينبعث من بابها ضوء مصباح كهربائي خافت سبق وأن قابلت وتحدثت مع (جابر) فيها.
كان واقفاً ينتظرني، ألقيتُ عليه التحية والسلام وجلسنا على (دوشكَ) نظيف غطاءه مطرز بخيوط زُرق تشكّل وردات متناثرة على طول الغطاء ملقي على طول ظهر الحجرة التي لم يكن فيها إلا سرير حديدي وفرش بسيط وارضها مغطاة ب (طربال نيلون) مُشجّر، وفي الزاوية البعيدة طاولة خشب صغيرة عليها بعض الأوراق وكُتب، وإلى جانبها كرسي خشب ينطوي من النوع العادي.
جلستُ على (الدوشكَ) وخرج (جابر) ورجع، وهو يحمل في يديه (صينية معدن) ألمنيوم مستديرة وبها إبريق شاي وكوبين، جلس بقربي وأخذ يسألني وهو يصب شاياً بالحليب محلى.
- ها – وش الأخبار؟
فأخبرته تفاصيل ما حصل من مظاهرات وشعارات – قاطعني وقال:
- نفس الشيء حصل في المنامة وسترة وسنابس والحدّ وباقي مدن وقرى البحرين.
كان يتحدث بشيء من حماس. قال: إن ثورة شعبية اشتعلت في البحرين كلها، وحرف الحديث وأخذ يخبرني بالتعليمات التي عنده، وقال:
- يجب مواصلة المظاهرات ونحن مسؤولون عن المحرق – وغداً يجب فرض الإضراب العام.
قلت: جميع الذين قابلتهم بعد المظاهرات يقولون نفس الشيء.
قال: يتوجب عليك الذهاب غداً السبت باكراً إلى مواقف سيارات الشركة (سالم خطر) التي تقف في الساحة أمام مركز شرطة المحرق ومنع المترددين من الصعود إلى السيارات وفرض الإضراب بالقوة.
قلت: ما رأي الآخرين وخصوصاً القوميين العرب ؟
قال: الجميع قرر نفس الشيء. يجب أن تستمر المظاهرات. إننا في إنتفاضة شعبية حقيقية.
وطلب مني أن أمرّ عليه، أزوره في الغد لأخبره بما حصل ويخبرني بالتعليمات المطلوبة التالية “بس كن على حذر عند قدومك إليَ”.
خرج قبلي من الحجرة…ثم طلب مني الخروج، فوجدت أخته تطلّ من باب الحوش تتلفتْ يميناً ويساراً…ثم قالت: (مَحدْ في السكة).
خرجتُ بسرعة واتجهت بعيداً إلى الشرق عبر أزقة ملتوية، وبعد أن تأكدت أن لا أحد يتبعني، غيّرتُ طريقي إلى الشمال في إتجاه البيت. وصلت وكان الوالد يستمع إلى إذاعة البحرين. سلمتُ عليه.. كانت البرامج كالعادة لا خبر ولا صدى لما حصل من مظاهرات..لا في إذاعة البحرين ولا في غيرها.
قال الوالد: الدنيا (عفسة) والله يستر .
قلت له: الجميع مقررين (امعزمين) على الإضراب غداً.
قال: تحمل بنفسك..ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة.
قلت: لا تكون في بال ..الله يكون في العون..وذهبت لأنام.