البطالة مشكلة قائمة تكبر ككرة الثلج

0
27

إعلان الحكومة مؤخراً عن خطة التعافي الاقتصادي لم يأت من فراغ، بل انه جاء باعتباره استجابة للتعاطي مع الوضع الاقتصادي في البحرين في ظل تحسن مؤشرات التعافي العام من جائحة “كورونا” وما أحدثته من تراجعات على مدى قرابة العامين.  

التعاطي السريع من قبل الحكومة مع  الأوضاع الاقتصادية  من شأنه أن يعطي ثقة أكبر  للمستثمرين ولرجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية وجميع العاملين فيها، بما يضفي حالة من الاستقرار تدفع بدورها لزيادة مؤشرات النمو والانتعاش الاقتصادي، وهي خطوات تلتها سلسلة من الأخبار الجيّدة على صعيد الإعلان عن العديد من المشاريع التي توقفت بسبب الجائحة.

أمر جيّد  بل ومطلوب أن توجد لدينا هذه الديناميكية للتعاطي مع مختلف التّحدّيات التي نواجهها، فبمثل ما تعاملت البحرين بذات الديناميكية لمحاصرة انتشار الجائحة، حتي استطعنا كدولة ومجتمع ان نتبوأ موقعاً متميزاً في طليعة الدول العالمية التي نجحت فيها جهود التغلب على الوباء وبتكاتف الحكومة والبرلمان ومعهما المجتمع، فإننا نستطيع  أن نؤسس ومن خلال هذه الروح، لشراكة مجتمعية حقيقيّة وفاعلة للتّغلب على العديد من المصاعب والتّحديات التي نعايشها، تلك التحديات التي لا يخلو منها  أي مجتمع كان في جميع ارجاء المعمورة.

 ولو نظرنا إلى تلك التّحديات ومقاربتها لإمكاناتنا الاقتصادية ولحجم مواردنا المادية والبشرية تحديدا، فإننا نستطيع أن نقول وكلنا ثقة إنها  تحديّات بالإمكان تحقيق نجاحات متميزة فيها إن نحن نجحنا في تحديد أولوياتنا أولاً، ومن ثم سخرنا تلك الطاقات الكامنة والمعطلة أحيانا بفعل عوامل عديدة، والتي من بينها بكل تأكيد  ضرورة معالجة قضايا الفساد والحفاظ علي موارد الدولة وتسخيرها بشكل فعّال لدعم عملية التنمية، خاصة وأن رؤية البحرين الاقتصادية التي دشنت في الربع الأخير من العام2008   قد تمحورت على ضرورة تحقيق الاستدامة والعدالة والتّنافسية كمؤشرات وأهداف لمدى نجاح تحقيق تلك الرؤية.

 وإذ نتحدث عن رؤية البحرين الاقتصادية وخطط الحكومة للتعافي الاقتصادي، وفي ظلّ ما يجري من حوارات في مجتمعنا حول كيفيّة تحقيق أهداف تلك الرؤية في ظل الوقت المتبقي لدينا لبلوغ  تلك الأهداف بعد اقل من تسع سنوات من الآن، لابد لنا من التذكر هنا أن الإصغاء جيداً لما يدور من حوارات حول العديد من القضايا لابد ان يتم التعاطي معه بشكل مغاير واكثر إيجابية مما هو قائم حالياً.

 وطبيعي أننا لا نود في هذه العجالة أن نتحدث عن مختلف القضايا، وهي كثيرة بطبيعة الحال، لكننا سنكتفي هنا للحديث عن جوهر ومغزى تحقيق اهداف الرؤية لبلوغ التنافسية والعدالة والاستدامة، وهي اهداف تستدعي التركيز علي عوامل القوة  والضعف لدينا، والتي يأتي في مقدمتها وضع الطاقات البحرينية في مواقعها المناسبة كطاقات وموارد بشرية هائلة، لا زلنا نعتقد انها لم تعط ما تستحق من أولوية واهتمام، على الرغم من كثرة الحديث الذي يتم في الإعلام الرسمي حولها، لكنه حديث غير مفعل بشكل جيد على ارض الواقع، بالإضافة إلى أن هذه القضيّة لم تأخذ حقها من الأهتمام  الرسمي على الرغم من وجود مشاريع قائمة بالفعل يفترض انها قد قطعت أشواطاً مهمّة منذ سنوات، إلا أن ذلك لم يحصل بكل اسف.

 فمشاريع تنظيم سوق العمل التي وضعت منذ العام 2006 وما تلاها وما سبقها من مشاريع في ذات السياق  لم تستطع بعد أن تجعل من قضية البطالة في صفوف أبناء الوطن قضيّة ثانويّة، فهي لا زالت قضية ذات أولوية لدى مجتمعنا الصغير، بل أنها تأتي على رأس أولوياتنا الوطنيّة التي لازلنا نبحث لها عن حلول.

إن إيجاد حلول لهذه المعضلة المتفاقمة لم يعد خياراً فقط، بل ضرورة قصوى لا بد من التعاطي معها بكل جديّة ومسؤوليّة، وبدلا من الهروب باستمرار إلى الأمام والإكتفاء برفع الشعارات التي لا تقدّمنا بل تؤخرنا كثيراً عن بلوغ الحلول المأمولة، علينا الإقرار أولاً أن ما تقدمه الجهات الرسميّة ممثلة في سوق العمل ووزارة العمل وديوان الخدمة المدنيّة من أرقام ونسب، هي ليست فقط محل جدل مجتمعي لم يتوقف، بل إنها بعدم مصداقيتها وواقعيتها  تفاقم معضلة البطالة وتزيدها سوءاً وتؤخر مواعيد التوصل إلى حلول  بشأنها، مما يجعلها برميل بارود لا نريده أبداً أن ينفجر في وجوه الجميع لا سمح الله، لأن كلفته الاقتصادية والاجتماعية ستكون مكلفة حينها.

 لذلك تجدنا نصرّ باستمرار على أن تؤخذ قضية البطالة في صفوف البحرينيين على محمل الجد، وبكل مسؤولية، وأن لا تترك  كعامل مساومة أو سجال مستمر بين مجلس النواب والمجتمع من جهة وبين الحكومة من جهة أخرى، فالجميع منا معني بإيجاد الحلول والتوافقات تجاه هذه القضية، الحكومة والتجار والقطاع الخاص والبرلمان ومؤسسات المجتمع والإتحادات العماليّة جميعهم معنيون بهذه المسألة تحسباً لمآلاتها الاقتصاديّة والمعيشيّة والأمنيّة والمجتمعيّة، وهي قضيّة ليست أبداً عصيّة على الحل، بل بإمكاننا بشيء من الجديّة وتحمل مسؤولياتنا التاريخيّة تجاهها أن ننجح في تعافي مجتمعنا السريع من انعكاساتها السلبيّة التي باتت تلوح في الأفق.. فقط نحتاج أن نعترف، أولاً، بأنها مشكلة قائمة وخطيرة باتت تكبر ككرة الثلج وعلينا إيقاف تدحرجها المخيف!