لا يمكن للإمبريالية بفكرها الأيديولوجي والعقائدي أن تكون رسولاً للسلام أو داعية إليه، فهي تمارس دورها المقرر سلفاً بفرض الهيمنة والسيطرة وبالقوة العسكرية أو فرض الحصار الاقتصادي والمالي على الشعوب والبلدان التي لا يروق لها نهجها في السياسة والاقتصاد، كما أنها لا يمكن أن تسمح لقوى أخرى بالتفوق عليها، وهنا أتحدثُ عن الإمبريالية الأمريكية المعاصرة كقوة عظمى في القرن الواحد والعشرين هي التي تمارس كل الأعمال العدوانية والأنشطة الخبيثة وتضحي بالحلفاء من أجل مصالحها، مبدؤها واضح وصريح؛ مصالح أمريكا أولاً وإنْ تعارضت مع مصالح الأصدقاء والحلفاء فذلك لايهمها. فتِّش عن الحروب والأزمات سوف تجد الولايات المتحدة الأمريكية موجودة فيها أو هي من أشعلها، كما أن أغلبية المنظمات الإرهابية حول العالم هي التي أوجدتها.
يمكن العودة إلى تصريحات القادة والمسؤولين الأمريكيين خلال العشرين السنة الماضية، فلم تعد هناك أسرار يخفونها، وهم يتحدثون عن تأسيس “القاعدة” بزعامة أسامة بن لادن لمواجهة السوفييت في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، وتجميع “المجاهدين العرب الأفغان” هناك، وبعد انتهاء الحرب الأولى وخروج السوفييت من أفغانستان في عام 1988/1989عادوا إلى بلدانهم “للجهاد” وخلق الفوضى والتخريب.
وبعد إسقاط نظام صدام والإحتلال الأمريكي للعراق في إبريل من عام 2003، أسَّست العديد من المنظمات الإرهابية كان أبرزها “داعش” التي احتلَّت العديد من المدن العراقية في عام 2014 وأقامت عليها ما يسمى ب”دولة الخلافة الإسلامية” التي امتدَّت إلى مدن سورية قرابة ثلاث سنوات لعام 2017 ، وبعد أن حررت القوات العراقية والحشد الشعبي في العراق والجيش السوري وحلفائه والقوات الكردية في سوريا تلك الأراضي، أسَّست واشنطن قواعد عسكرية لها في العديد من المناطق السورية وبسطت سيطرتها على آبار النفط السوري وسرقته، مخالفة لكل القوانين والمعاهدات الدولية، وهكذا دمّرت العراق وسوريا وأضعفت قدرات جيشيهما القتالية وبنيتهما التحتية وأسَّست نظام المحاصصة الطائفية والعرقية في العراق، ولازال الشعب العراقي يدفع الثمن غالياً.
كذبة كبيرة روجت لها الإمبريالية بقيام النمودج الكوري للنظام السياسي في العراق على غرار كوريا الجنوبية، بعد سنوات من الدكتاتورية والاستبداد على يد نظام صدام، وإذا بها تنشر الفوضى والتخريب والقتل والإرهاب، فضلاً عن الفساد وسرقة المال العام والتدخلات الخارجية لمعظم دول الأقليم والتي لم تعد خافية على أحد، على حساب مصالح الشعب العراقي واستقراره الأمني والاقتصادي والاجتماعي، وتفرض حصاراً على سوريا تحت “قانون قيصر”.
تريد واشنطن دولاً وجيوشاً ضعيفة في البلدان العربية لصالح التفوق العسكري للحليف الإستراتيجي، الكيان الصهيوني، فهي من يقف وراء كل حروب المنطقة، بهدف إضعاف البلدان العربية واستنزاف خيراتها وجعلها غارقة في ديونها المالية ومشاكلها الداخلية وفرض شروط ذراعيها الماليين: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الكارثية على بلداننا.
ولازالت تواصل حصار كوبا منذ ستين عاماً، وتعيق التّحوّلات نحو بناء الاشتراكية في فنزويلا وبعض دول أمريكا اللاتينية التي تحكمها أحزاب يسارية، وفرض وصاياها على أغلبية الدول الأوروبية، واليوم تسيطر على العديد من بلدان العالم ليس فقط من خلال حروبها العدوانية العسكرية أو أجهزتها الاستخبارتية والمنظمات الإرهابية التابعة لها حول العالم، ولكن من خلال السيطرة واحتكار التكنولوجيا وتطورها التقني والفني في السنوات الأخيرة في عالم المعرفة، وعبر ما يعرف اليوم بالذكاء الاصطناعي، الذي تسخره لفرض أجندتها على بلدان العالم، بعد أن سيطرت على وسائل ال”سوشيل ميديا” بكل أنواعها وفروعها ومحاربة المنافسين لها في هذا المجال، وخاصة الصين وروسيا.
وفي كلمات فإن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم كافة وسائل الهيمنة، بما فيها القوة العسكرية، من أجل اخضاع العالم لنفوذها، والسعي لعرقلة نشوء عالم متعدد الأقطاب، لا تعود هي وحدها الآمرة والناهية فيه.