الأوساط التقدميّة تودع السنديانة الأردنيّة سلوى زيادين

0
69

كنت في زيارة للعاصمة الأردنيّة، عمّان، لحضور إجتماع الشبكة النسوية العربية (رؤى) حين جاء خبر وفاة المناضلة الأردنية سلوى زيادين (أم خليل) وذلك في 24 أكتوبر 2021 عن عمر ناهز المئة عام، حيث نعتها منسقة الشبكة الأستاذة نادية شمروخ مستذكرة تاريخها السياسي والنضالي وصوتها العالي في الدفاع عن قضايا المرأة، فسيرة سلوى زيادين ليست اعتيادية، فهي أول امرأة أردنية تنضم لحزب سياسي، وهي من أبرز قادة الحركة النسائيّة الأردنيّة والحزب الشيوعي الأردني.

ولدت سلوى زغيب في دمشق لأسرة لبنانية عام 1921، بدأت دراستها هناك وثم انتقلت إلى بيروت بعد حصولها على منحة لتفوقها، تعرفت صدفة على الناشط الشيوعي الأردني يعقوب زيادين أثناء دراسته في الجامعة الأمريكية ببيروت، حيث عاشا بعد زواجهما عام  1950 في القدس الشرقية بسبب عمل يعقوب كطبيب هناك.

تعرضت سلوى للسجن أول مرة في حياتها عام 1952، عندما شاركت في مظاهرة بعمّان دعماً للشعب العراقي، والمرة الثانية كانت بعد اعتقال زوجها بعد الانتخابات النيابية عام 1954، فتمّ نفيها مع أولادها الإثنين إلى قرية السماكية في الكرك، حيث عاشت هناك ظروفاً صعبة.

لم يدم خروج يعقوب من السجن طويلاً، رغم فوزه بانتخابات عام  1956 ممثلاً عن القدس، فاعتقل مرة أخرى عام 1957، واضطرت سلوى للهرب مع أولادها إلى عمّان وبعدها إلى دمشق، وانتقلت بعدها للعيش في برلين الشرقية بعد قبولها عملاً مع الاتحاد النسائي  الديمقراطي العالمي، وكان الوضع هناك أيضاً صعباً بعد انقسام ألمانيا لشطرين في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إذ تذكر سلوى مرة وقوفها بالبرد القارس لمدة ثلاث ساعات للحصول على دجاجة لإطعام عائلتها. عادت العائلة إلى الأردن بعد قضاء زوجها ثماني سنوات متواصلة في سجن الجفر بنهاية عام 1965، ولم تشارك سلوى زوجها حياتهما العائلية فحسب، وإنما شاركته أيضاً، وعلى مدى خمسة وستين عاماً  (توفي يعقوب عام  2015) نضاله والمبادئ التي آمن بها وضحى من أجلها.

قبل وفاتها بشهرين وفي أمسية 27 أغسطس 2021 إحتفت جمعية معهد تضامن النساء الأردنية، بمئوية سلوى زيادين كشاهدة وذاكرة لتاريخ الأردن السياسي والاجتماعي،  عقدتها الجمعية في إطار مشروعها “بيت الخبرة لكبيرات وكبار السن”.

 ارتأيت أن أعتمد في تغطيتي لتاريخها النضالي على هذا الإحتفاء، لأنه يغطي مختلف محطاتها النضالية على لسان قامات قيادية أردنية نسائية كنّ جزءاً من تاريخ ومسيرة الأستاذة زيادين وهن: من أدارت الأمسية الرئيسة التنفيذية للجمعية أسمى خضر  ورئيسة اتحاد المرأة الأردنية الأستاذة آمنة الزعبي والأمينة العامة لحزب الشعب الديمقراطي الأردني الأستاذة عبلة أبو علبة.

وقالت خضر إن زيادين من الرائدات اللواتي عرفن ان قضية المرأة لا تنفصل عن قضايا المجتمع، فقادت النضال مع زميلاتها إملي بشارات وقيادات من مؤسسات اتحاد المرأة الأردنية وعملن معا لاكتساب النساء حقهن الانتخابي وهن زمرة النساء اللواتي زرن رئيس الوزراء الأب سمير الرفاعي وطالبنه بإقرار حق المرأة بالمساواة والانتخاب والترشح.

وأضافت الأستاذة خضر ” القامة زيادين من الرائدات  اللواتي مهدن الطريق الوعر أمام المرأة الأردنية، وصمدن كثيرا، وقالت “نتذكر قرية السماكية والكرك والمناضلات اللواتي كن من أوائل السجينات السياسات في الوطن العربي “مشخص وبندر المجالي” اللواتي حجزن في سجن معان بسبب مناهضة ومقاومة الحكم العثماني”. وتزيد الأستاذة خضر “النساء كنّ حاضرات بكل المفاصل الرئيسية للدولة الأردنيّة”.

وقالت الأستاذة عبلة: “رافقت سلوى بعملها عندما تأسس اتحاد المرأة الأردنية بالعام 1974،  وسبقتني الى تأسيس الحركة النسائية الأردنية المنظمة، وهذه مسالة ثمينة في حياة الشعب الأردني والحركة الوطنية في ظل ظروف عربية ووطنية شديدة الصعوبة، وحتى وهي بغربتها ساهمت بإصدار مجلة (نساء العالم) الناطقة باسم الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي (أندع)، وأسهمت مع نساء العالم ممثلة عن نساء الأردن في إصدار المجلة وفي تأسيس الحركة النسائية الديمقراطية العالمية.”

وتستذكر الأستاذة عبلة تاريخها مع السيدة زيادين ولقاءاتهما بقولها “بيت السيدة زيادين جمعنا، وكنا نتبادل الخبرات والآراء والخطوات والبرامج، وقد استضاف بيتها العديد من القيادات النضالية والرموز السياسية الأردنية ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر: المرحوم سليمان باشا النابلسي وقيادات الحزب الشيوعي الأردني، وجلها قيادات ساهمت في تأسيس النقابات العمالية ومؤسسات جماهرية دافعت عن ديمقراطية الشعب الأردني، وأضافت “القيادية زيادين تركت تراثا كبيراً، نعتز به ويجب أن يكون جزءاً من المنهاج المدرسي الأردني، يدرس للأجيال برموزه ومحطاته”.

أما الأستاذة آمنة الزعبي فتصف زيادين بأنها سنديانة شاهدة على تاريخ مهم، انخرطت وأثرت وصنعت الكثير في النضال السياسي والنسوي، وتقول “تجربتها النضالية تؤكد على أن النساء صانعات التغيير لتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص”، مضيفة: “ما نزال نستلهم الدروس والعبر من مسيرتها ومسيرة اللواتي أسسن الإتحاد، ومن هذه الدروس أن الوعي بقضية الوطن وتحرر المرأة ونيلها حقوقها مرتبط بتحرر الأوطان التي ما زالت تعاني من الإستيلاء والإقصاء للنساء بتهميشهن من المجال العام، وربط الوعي بالقضية الفلسطينية وتداعياتها وتأثيره العام على قضية المرأة.

وتستذكر الأستاذة الزعبي رحلة القيادية زيادين وصوتها العالي في الدفاع عن قضية المرأة والنساء الفلسطينيات ومعايشتها والمرحوم زوجها الواقع الفلسطيني أثناء وجودهما فترة من الزمن بالقدس. وتشير الى أن زيادين وعملها مع المجتمع والنساء ساعدها في تلمس الواقع وجعلها تمضي قدما حيث ساهمت بالعام 1974 في تأسيس إتحاد المرأة الأردنيّة وتركت وزميلاتها بصمات بتاريخ الأردن وتاريخ الحركة النسائية ونيلهن الكثير من الحقوق.

وأضافت: “ونحن نبحث في سجلات الاتحاد وجدنا أن الهيئة الإدارية – التي كانت من عضواتها- رفعت خطاباً حقوقياً قوياً في موضوع حقوق المرأة يتضمن مطالبات أكثر جرأة وصراحة مما نطالب به الآن، والمفارقة أن تلك المطالبات كانت تحظى باهتمام وتقدير المجتمع وقبول رسمي إلى حدٍ ما، وكانت هناك استجابات في إشراك النساء في الحياة السياسية”.

وتعلق الأستاذة الزعبي “معظم تلك المطالب الحقوقية كانت منسجمة مع النضال السياسي فالنضال منظومة واحدة لا يتجزأ وأوطاننا بحاجة إلى نضال بكل المستويات”.