التجربة الأثيوبية في التحوّل القطاعي الأحفوري

0
76

لم تعد أثيوبيا في ظل حكم الرئيس الحالي آبي أحمد الذي تسلم منصب رئاستها عام 2018، ذلك الفيل الأفريقي الساهد، وإنما صارت تُعلن عن نفسها على كل الأصعدة، بما في ذلك محاولة السيطرة على مياه النيل بالقوة، دون اعتبار لمصالح جارتيها العربيتين مصر والسودان، دولتي مصب نهر النيل منذ الأزل؛ مستفيدا (آبي أحمد) في ذلك من دعم (كان علنيا مفضوحا قبل أن يصبح مكتوما مراوغا)، الدول الغربية له كنموذج مناسب للقائد العالم ثالثي “القوي”؛ وذلك برسم منحه جائزة نوبل للسلام من قبل اللجنة النرويجية لجائزة نوبل، بعد عام واحد فقط (في عام 2019)، من توليه السلطة، نظير جهوده، كما قالت في تبرير قرارها، في تسوية النزاع الحدودي بين بلاده وارتيريا الذي استمر 20 عاما.

فقد قررت الحكومة هناك، وفقا لمفوض لجنة البيئة والغابات وتغير المناخ الأثيوبي، القيام بعملية تحوير رئيسية في التركيب القطاعي لاقتصادها، وذلك بتغليب قطاع انتاج اللحوم البيضاء على قطاع انتاج اللحوم الحمراء، وذلك من أجل تقليل انبعاثات غازات الميثان الصادرة عن تجشؤ الميثان أثناء عملية هضمها لطعامها من الحشائش والتبن، والذي يشكل 48% من اجمالي انبعاثاتها الوطنية، وزيادة مرونتها المناخية التكيُّفية بحلول عام 2030، بحسب الخطة المحسنة (Improved plan) التي رفعتها اثيوبيا مؤخرا لسكرتارية اتفاقية المناخ في الأمم المتحدة. وهذا يعني أن اثيوبيا ستضحي بثروتها الحيوانية من الأبقار التي تعد الأضخم في القارة السمراء، وتعويضها بزيادة حصة قطاع انتاج الدواجن والأسماك والمجترات الصغيرة مثل الأغنام والماعز. وبموجب خطة “مساهمتها الوطنية المحددة”، فإن اثيوبيا تهدف بحلول عام 2030، إلى زيادة كمية الدجاج التجاري المباع من 33000 طنا إلى ما يقرب من 81000 طنا، وإنتاج ما يقرب من خمسة أضعاف الأغنام، وست مرات أكثر من الماعز؛ واستبدال الماشية والثيران المستخدمة كحيوانات عاملة، بالجرارات، وتحسين صحة وإنتاجية الماشية لإنتاج المزيد من الألبان واللحوم لكل حيوان. بحيث تؤدي هذه الإجراءات إلى خفض الانبعاثات بنسبة 7.6% مقارنة بالعمل المعتاد بحلول عام 2030. على أساس أن اثيوبيا تساهم بنسبة 0.04% فقط من الانبعاثات العالمية، ولديها 1.5% من سكان العالم.

بعد الثروة الحيوانية، فإن القطاع الثاني الذي تستهدفه خطة اثيوبيا لخفض انبعاثاتها، هو قطاع استخدام الأراضي والحراجة (Land-use and forestry)، وذلك من خلال العمل الى استعادة 5 ملايين هكتارا من الغابات وإعادة تشجير 3 ملايين هكتار من الأراضي بحلول عام 2030، على أمل تحويل القطاع من مصدر للانبعاثات إلى حوض طمر للكربون (Carbon sink)، ما سيقلل انبعاثات القطاع بنسبة 171% مقارنة بالتوقعات المعتادة للعمل لعام 2030.

لكن علينا أن نعي بأن هذا مجرد التزام على الورق، شأنه شأن معظم الالتزامات التي رفعتها الدول الأطراف في الاتفاقية. فهو أولا مشروط بتحقيق هدف تغيير الثقافة السائدة التي رسخها الاعتماد التاريخي على اقتصاد تربية الأبقار، ما يتطلب استقطاب المجتمعات المحلية وتأمين البنية التحتية المناسبة للسوق للمزارعين، والحوافز للمشاريع الصغيرة. فالريفيون لن يتركوا اقتصادهم الطبيعي لصالح خيار آخر ما لم يكن مضمونا. وثانيا هو مشروط بحصول اثيوبيا على التمويل من مرافق التمويل المناخية. حيث أوضحت في وثائق مساهمتها الوطنية المحددة، بأنها ستخفض انبعاثاتها بنحو 69% عن المعتاد في السنوات التسع المقبلة، بشرط أن يأتي 80%من التمويل البالغ 316 مليار دولار من مصادر دولية. فتعهدها بخفض الانبعاثات بحلول عام 2030، لا يزيد عن 14%. فأثيوبيا تسعي للحصول على تمويل من مرافق التمويل المناخية لإعادة هيكلة اقتصادها بعيدا عن انتاج الأبقار، من أجل تعظيم حصة قطاعها الزراعي وتحفيز نموه لخلق مواطن شغل جديدة لأعداد السكان الذين يتزايدون بشكل يهدد أمنها القومي. بالمقابل، فإن هذه الخطة، وإن كانت ستخفض حصة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي بمقدار النصف تقريبا بين عامي 2011 و2030، الا أنها ستحفز نمو ووزن قطاعات ليست أقل نفثا للانبعاثات مثل الإنشاء والصناعة والخدمات، وذلك توازيا مع التوسع الحضري والصناعي. وكما هو متوقع، فإن اثيوبيا آبي أحمد وخطته المناخية، تحظى هي الأخرى بتفهم ومؤازرة لوبي المناخ الأوروبي. فقد برر الاعلام المناخي السائد، حاجتها لتمويل مشاريع خفض انبعاثاتها وتحويل اقتصادها بعيدا عن ماشية الأبقار. كما إنه لم يتحفظ على تقديم سنة الأساس التي اعتمدتها الحكومة الاثيوبية لحساب انبعاثاتها (2010)، فهي متأخرة 20 سنة عن سنة الأساس الحقيقية التي حددها بروتوكول كيوتو (1990)، والتي راوغتها الدول المتقدمة بدورها لتقليل عبء خفض انبعاثاتها.

ومع ذلك، تستأهل خطة التحول القطاعي الأثيوبية، النظر اليها من جانب الدول المنتجة لمصادر الطاقة الاحفورية، لاسيما النفط، باعتبارها نموذجا لما يجب التحسب له والعمل به اضطرارا، اليوم قبل الغد. خصوصا الهدف المعلن منها، وهو دفع 100% من الأسر غير المتصلة بالشبكة الكهربائية، لاستخدام الكهرباء المتجددة لأغراض الإضاءة بحلول عام 2030، ارتفاعا من 40% حاليا.