يلاحظ أن تقرير ديوان الرقابة الماليّة والإدارية مرّ هذا العام بصمت، قياساً لما كان يحيط بالتقارير السابقة من اهتمام ووقفات، إن في الصحافة أو في وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى لدى مؤسسات المجتمع المدني والفعاليات السّياسيّة والمجتمعيّة، فضلاً عن البرلمان، ليس لأن التقرير لم يأت بجديد، او أنه لم يحتو على بيانات كثيرة حول تجاوزات ماليّة وإداريّة فاقعة، وأوجه عديدة لهدر المال العام، وتكرار فظ لنفس الأخطاء والتجاوزات في الوزارات والإدارات والهيئات ذاتها، ومن قبل نفس القائمين عليها، التي رصدتها التقارير السابقة منذ تأسيس ديوان الرقابة، وانتظام صدور تقاريره سنوياً.
ولسنا في حاجة لتكرار ما عبرنا عنه كل عام من تقدير لأهميّة تشكيل هذا الديوان، فذلك شكّل خطوة مهمة في اتجاه تأمين بعض متطلبات الرّقابة على طريقة صرف المال العام، وأيضاً لن نكرر ما سبق قوله عن المهنيّة التي يصدر بها التقرير كل سنة، بصرف النظر عن تحفظات معينة تطال النطاق المشمول بالرقابة التي يقوم بها الديوان لترصد في تقريره.
لسنا في حاجة لتكرار ذلك لأنه يظل صحيحاً، ولكن لا بد من إثارة النقاش حول ما يمكن وصفه باللامبالاة تجاه التقرير الجديد، رغم أهميّة ما يحتويه، لأن هذا بالذات ما جرى التحذير منه مراراً في السنوات السابقة، حول الغاية من إصدار التقرير سنوياً، فهل هي محصورة في مجرد رصد ما يمكن بلوغه من تجاوزات ومخالفات، وتدوينها في التقرير، ثم وضعه في الأدراج؟، أم أن المطلوب هو تحويله إلى أداة رقابة فعليّة على أداء الوزارات والهيئات، بُغية صون المال العام من الهدر وتجويد الأداء الإداري وتخليصه مما يعتريه من سوء أداء وأوجه فساد؟
لقد استمرأ كبار المسؤولين في الوزارات والهيئات الحكوميّة عادة أن يصدر التقرير متضمناً بعض أوجه مخالفاتهم دون أن تطالهم أية مساءلة أو تدابيرعقابيّة، كتنحية من يثبت ارتكابه لتجاوزات خطيرة منهم، أو على الأقل تحذيرهم من مغبة تكرار التجاوزات نفسها في المستقبل، فلم يعد هذا التقرير يخيفهم أو يقلقهم، خاصة بعد أن جرى الاكتفاء بنشر ملخص صغير عن مضمونه، والتخلي عن العادة الحميدة السابقة بنشره كاملاً، ليقرأ المهتمون محتوياته كلها.
إن استمرّ هذا الوضع كما هو فعلينا ألا نتفاجىء بالفتور العام الذي سيلقاه التقرير وقت صدوره كل عام، ما يفقده الغاية المرتجاة منه.