يتحدث التاريخ عن دور الحركة النقابية على مستوى العالم بالإرتباط بقوة مع نضالات الطبقة العاملة في إطار الصراع المستمر مع القوى المستغلة للعمال، حيث أن الحركة النقابية تعتبر القاعدة الأساسية للحركة العمالية في المصانع، خصوصا مع بداية الثورة الصناعية في الدول الأوروبية بحيث أن العمال هم من يديروا آلات الانتاج وتوزيعه.
كما أنّ الحركة النقابية هي التي تؤسس القواعد لأشكال العمل المنظم في صفوف العمال في كل من مجالي العمل والإنتاج، في مواجهة كل الاحتمالات، ومنها حدوث المخاطر التي يتعرض لها العمال.
ويختلف مفهوم دور النقابة حسب الإنتماء الفكري والسياسي، فالحركة النقابية نشأت وتطورت في اوروبا لأسباب موضوعية وذاتية ملحة فرضتها الظروف مع بداية المراحل الثورية لنضال الطبقة العاملة في سبيل التحرر من صنوف الاستغلال، ومن أجل طرح المطالب ونيل الحقوق والوقوف ضد غطرسة الطبقة الراسمالية وأعوانها، مع نشوء المصانع الكبيرة وحاجتها للقوى العاملة بالألاف من أجل دفع عجلة استمرارية الإنتاج، ما أدى إلى تنامي أعداد العمال وزجهم في العمل في ظروف صعبة للغاية، حيث طول ساعات العمل والتي بلغت آنذاك من 12 الى 16 ساعة .
كان العمل بدون قوانين أو أطر لحماية العمال مع كثرة الحوادث المميتة والأمراض لعدم وجود الرعاية الصحية، وغياب أسس وضوابط السلامة المهنية مع تشغيل العمالة الرخيصة من النساء والأطفال الذين كانوا الأكثر عرضة للاستغلال مع تدني الأجور.
وساهم ظهور أفكار جديدة كالفكر الماركسي في بلوغ الوعي الحقيقي التدريجي في صفوف الشغيلة، وحثّ العمال على ضرورة الوحدة في النضال، وبتنامى هذا الوعي ازداد رفض العمال لأساليب الاضطهاد، كما ساهم هذا الوعي في دفع عجلة النضال الموحد الأممي والمنظم بدلاً من التحرك العفوي والفردي.
تطوّر الأمر إلى قيام النقابات التي أسست في البداية في انكلترا في عام 1864، وفي فرنسا عام 1884، حتى عمّت النقابات العديد من دول أوروبا، فتطوّرت الحركة النقابية وكذلك أساليب النضال النقابي الجماعي مع تطور أنشطة حركة الطبقة العاملة على مستوى العالم، وأصبحت النقابات كالمدارس التي تخرج العمال وتدفعهم في طريق النضال المستمر.
وعليه فإن التنظيمات النقابية على مستوى العالم تعتبر الشريك الأساسي في إطار العمل الموحد بين الحركتين العمالية والنقابية، وهذا هو الأهم في سبيل خوض النضال الأممي للعمال من أجل حياة أفضل لسائر الشغيلة في الجانب المعيشي والاجتماعي والتقاعد ورفع مستوى الأجور ليتساوى مع غلاء المعيشة المستمر.
ومن المهم أن تكون الحركة النقابية بعيدة عن الرضوخ لمسألة الابتزاز والتحايل والتلاعب لسلب المكتسبات والحقوق العمالية، وهذه مسألة مرتبطة بضرورة نمو وتطوّر المفاهيم النقابية كأداة لزيادة وتيرة النضال اليومي للعمال من خلال الوعي الوطني والسياسي والاجتماعي، وهذا يحتاج إلى سياسات نقابية مستقلة بعيداً عن هيمنة القوى الشعبوية والتوجهات العنصرية والطائفية والرجعية التي تخدم مصالح الطبقات المستغلة