أحمد سند

0
146

إنسان تشفه محبّة الناس ويتصف بجلال الوفاء للمعدمين والمضطهدين، يتحلى بأرق المعاني الإنسانية، روح كريمة شفافة نبيلة، تتفجر كالشلال ضحكاته المزلزلة، يلقاك بنكتة ويودعك بأخرى، ينسيك الهمّ بجمالية أخلاقه ونبل روحه وروعة شمائله، روح نقية، لا يتعب من تقديم المساعدة، يحسّ الذين يعرفونه أو يتعرفون عليه أنه قريب منهم، وسرعان ما تتحول العلاقة معه إلى صداقة، كريم ومحب للآخرين، أما تلك العفوية التي تميز تصرفاته فإنها تكسر الحواجز النفسيّة بسرعة بينه وبين الآخرين، لا يحبّ الادعاء، يعرف كيف يكون مرحاً، خفيف الظل، من خلال النكت التي يحفظها، يفعل ذلك دون تصنع أو مبالغة، وهذا ما كان يجعله مختلفًا عن الآخرين، وكل واحد من الذين تعرفوا عليه أحسّ إنه يعرفه منذ وقت طويل.

 خبر الحياة وعاش مع العمال ومن أجلهم فأخذ نصيبه من الطرد من العمل، اقتلعته لقمة العيش سريعاً ليواجه الحياة ببطولة حيث كانت بصيرته الطبقية مستنيرة فقادته إلى رحاب الفكر التقدمي ليدافع بشراسة عن العمال ومطالبهم في العيش الكريم، في صفوف الطليعة الواعية فراح يضع حصيلته الفكرية وموهبته النادرة باقتدار دفاعًا عن المضطهدين والكادحين.

 له نفس هادئة ومحببة، بسيط لأبعد الحدود، ينتزع قوته اليومي مما تحصله من وظائف عديدة أبدع فيها شأنه شأن العديد من العمال البسطاء، نذر نفسه للبقاء دوماً في مقدمة الصفوف المدافعة عن الحياة الكريمة للإنسان في الحرية والديمقراطية فكان نذير ذروة إخلاص لتلك المبادئ التي آمن بها، وكانت ذهنيته تنبض بوعي عمالي ناضج، فكان نجماً يضئ في عتمة النقابات العمالية الأخيرة التي شكلتها أياد طائفية عندما حلّ الطاعون الطائفي وانتشرت أوبئته في أنـحاء البلاد، فكان يتشكّل في مواقفه في صميم تيار التقدّم البعيد عن الطائفية المقيتة محارباً شرساً لها ولأدعياؤها فقد أشعل الشموع في قلب الظلام.

تبهرك  بساطة هذا الانسان ونبله وأريحيته وخلقه، ملامحه المميزة تكسبه طيبة، تلك البساطة والطيبة الطاغية تستشف منها كبرياء وأنفة وشرف، مؤمن بقضية الطبقة العاملة لأبعد الحدود لا يترك شاردة ولا واردة عن العمال إلا ويتتبعها، يستشيط تلهفاً لمعرفة ما يدور في كل نقابة ليعطيك رأيه المتواضع في الأحداث.

لم أصادف قط شخصاً بمواصافت أحمد سند. يدخل قلبك دون تكلف ويجعلك أسير خفته وبشاشة روحه وبساطة سريرته. كل ذلك في غفلة من الزمن لتفاجىء بروحه تحلق في روحك دون استئذان. إنه أحمد الذي لا تخطؤه نفس أو عين. رجل راسخ في وطنيته متوثب دوماً وأبداً لنصرة قضية الإنسان الكادح على وجه الأرض وظل الأمل لا يفارقه بأن ليل النقابات المثقل بالتمزقات لن يطول وإن اللحمة العمالية آتية لاريب فيها، وإن طال الزمن، فالطائفيون لا يستطيعون بناء نقابات.

كيّس المعشر تلازمه إبتسامة تشف بدفء عذوبة إنسانية، دون تكلف يلقاك مرحباً بوجهه الصبوح، ينصت بأدب جم ويطرح رأيه بتساؤل واستفسار عن كل ما يجول بخاطره ويعرض وجهة نظره والدفاع عنها بسمو ونبل وتواضع في احترام وجهة النظر المخالفة وقد ارتفع بشموخ عن الصغائر وكل ما يدعو للتطاحن والفرقة.

له دفء نادر يشع حضوراً انسانياً عبر تلقائية بساطته وتواضعه. هو ذا “بو بدر” أحمد سند، تفتقد وجوده بين الجموع  في أية ندوة أو ورشة عمل  للمنبر التقدمي فقد كان سباقاً في الحضور والتفاعل والنقاش وبالخصوص إذا ما كانت قضية العمال حاضرة. إنسان مدهش تتناهبه هواجس إنسانية تنمّ عن نقاء ووضوح وبساطة وحنية، وهو محط وعي نزاهة فكرية وطهارة إنسانية، فطبيعته المرحة وتوثب حيويته أكسبته خفة لا تضاهى ورقة لا تجارى وميزات لا تجدها إلا عنده، فقد شق طريقه  من صهريج الحياة اللافح ووهج حرارة المطالب العمالية بوضع حد  لساعات العمل وبيوم للاحتفال بعيد العمال العالمي وتنظيم العمال في نقابات تدافع عنهم فانتشى فرحاً يوم إقرار عيداً للعمال فكان في مقدمة الصفوف مزهواً، فلم تخل مسيرة من وجوده فظل على هذا المنوال دون أن يتعب أو يستكين في المطالبة بجرعات أخرى من الحقوق للعمال والكادحين.

تحية إكبار وإجلال لهذا المناضل المبهر من أجل العدالة الاجتماعية وسيادة حقوق الانسان دون أن تلين له قناة أو تخمد له همّة  تحت سوط الاحباطات  العديدة كما فعل البعض. كل شيء فيه عذب فتفاعله الإنساني يتجلى في إنسانية الانسان عندما يهب نفسه رهناً للطبقة العاملة فهل هنالك أعذب من ذلك ؟

معدن “بو بدر” من نسيج نادر فكلما مرّت السنون وتكالبت عليه المآسي والأزمنة الرديئة تجاوزها بإرادة قوية صلبة، فما الازمة الصحية التي يمر بها إلا وأن تكون عابرة بإذن الله وسيعبرها طالما بقى بهذه الإرادة الفولاذية كما عبر غيرها. دفقات  موجات الإصرار على المضي قدماً في الحياة جدير بها بو بدر ونحن متأكدون من ذلك، واثقون كل الثقة، وإني ألمس وميض الإصرار يتفجر بين جوانـحه رغم هذه الوعكة الصحية فلك منا المحبة والتقدير والوفاء.

نتمنى لأحمد سند العودة السريعة موفوراً بالصحة والعافية والعمر المديد، فقد انتزعت يا أبا بدر إعجاب ومحبّة الكل، وفي القلوب لك مكانة لا تنضب فأنت قلب العمال النابض وأمل الكادحين وسندهم، أنت الذي رفعت رايات أحلامهم خفّاقةً عالية فأعطيت لحياتهم معنى بنكران ذات من أجل أن يعمّ النور وتستقيم العدالة والإنصاف.