المُعلقات وأشكال العنف ضد المرأة في إطار القانون

0
36

أولاً: أهداف حملة معلقات ينتظرن الانصاف

 والحملة المضادة لها

جاءت أهداف حملة معلقات ينتظرن الإنصاف واضحة وصريحة سواء من خلال منصات التواصل الاجتماعي أو خلال لقاء مركز تفوق الاستشاري للتنمية مع عدد من المعلقات في 25 سبتمبر الماضي، إذ تمّ التأكيد على أن الهدف منها هو تسليط الضوء على معاناة النساء ولإثارة الوعي العام في المجتمع البحريني بقضية المعلقات وإيجاد حل لهذا الوضع الذي تعيشه النساء المعلقات في القضاء الجعفري على وجه خاص، وقد كنا في الحملة نستمع لحالات تعيش وماتزال تعاني من عدم حصولها على الطلاق أبرزها كمثال:

تلك التي تزوجت من قربيها وكانت جميع الأمور في بداية الأمر جيدة ولا توجد مشاكل، حتى طلب منها في يوم ما أن تقوم بأخذ قرض 10 آلاف دينار، ولم يكن لديها أي مشكلة أن تأخذ القرض لأن الاتفاق كان أن يقوم بدفع المبلغ معها مناصفة، وتقول: “مرّت 7 أشهر ولم يدفع شيئاً وعندما قمت بسؤاله قلب الأمر عليّ بأنني أقوم بمعايرته، وأن هذا لم يكن اتفاقنا وبدأت المشاكل، حتى عندما حملت قال لي أنت مسؤولة عن نفسك وطفلك، فقام بضربي وبعدها رفعت دعوى خلع وطلب مبلغ 30 ألف دينار، ومنذ سنوات وأنا معلقة حتى هذا اليوم، وأقوم بدفع الأقساط).

هذه الحالة وغيرها التي تم عرضها يوم انطلاق الحملة تؤكد أن من أسباب التعليق، أي عدم حصول الزوجة على التطليق رغم وجود المبرر الشرعي له هو نص المادة (95 البند 2) من قانون الأسرة في الفقه الجعفري الذي يشترط موافقة الزوج على الخلع الذي تلجأ له الزوجة إذا استحالت العشرة بين الزوجين، وتعنت الرجل في استخدام حقه في تطليق المرأة أو إذا أصبح من الصعب عليها أثبات الضرر الذي أصابها من استمرار الحياة الزوجية، بل أن هذا الفقه يشترط في الخلع تحقق الكراهة من الزوجة خاصة، وإذا كانت هذه الكراهة كلها من الزوجة فإن الزوج يحقّ له ان يطلب من البدل ما يزيد على المهر.

وأكدنا على ضرورة تعديل هذه المادة على نحو يلغي ضرورة موافقة الزوج على الخلع وأن يكون البدل في حدود المهر لا يزيد عليه أو على أقل تقدير أن ينص كما نصّ الفقه السني في ذات المادة البند (1)، بأن يكون أنهاء العلاقة الزوجية بالخلع بالتراضي بين الزوجين، وفي حالة تعنت الزوج برفضه المخالعة، حكم القاضي بالمخالعة وأن يكون البدل مناسباً في حدود المهر لا يزيد عليه. بل كنا نصل إلى ابعد من هذا أن ينص القانون على عدم اشتراط موافقة الزوج على الخلع.

وقد سببنا هذا التعديل على أن بعض الأزواج يحمله سوء الخلق أو الخبث أحيانا على معاشرة زوجة لا تحبه، بل تكرهه ولا يريد أن يوقع عليها الطلاق، بل يريد أن (يعلقها) حسب المفردة المتعارف عليها في مجتمعنا البحريني، وقد تعجز الزوجة في دعوى الطلاق للضرر من إثبات ذلك الضرر وهو ما يحدث في الغالب فكان لابد من النص على حقها في طلب التطليق بالخلع دون اشتراط موافقته وأن يكون البدل في حدود المهر.

فهل فيما طرحناه أية إساءة إلى القضاء الجعفري كما صرح بعض رجال الدين، لقد كنا في الحملة نستعرض بعض الحالات ونناقش نصاً في القانون وهو حق كفله لنا الدستور وتكلفه لنا الشريعة الإسلامية.

ولا صحة على الإطلاق للقول بأن اليساريين واللادينيين هم وراء الحملة، فالحملة تقودها وتناصرها مؤسسات مدنيّة وترتكز على المعلقات اللاتي لا علاقة لهن بالسياسة، بل أن الحملة أصبح لها مناصرون من كافة أطياف المجتمع، ولا يصح وصفهم بأنهم بلا دين، وإذا كان اليسار البحريني ذو التاريخ العريق متواجداً في الحملة وأنا واحداً منه وأعتز بانتمائي إليه، فهو شرف عظيم لهذا اليسار الذي كان وما يزال من أبرز المدافعين عن حقوق المرأة ومساواتها بالرجل في كل ميادين الحياة.

 لسنا فقهاء ولا مجتهدين في الشريعة الإسلامية، لكننا نعرف أن معظم أحكام الأسرة جاءت من مصادر اجتهادية في الشريعة الإسلامية، فلا يصحّ القول بأن أحكام الأسرة جمعيها أحكام قطعيّة ثابتة وردت في المصدرين الرئيسين القران الكريم والسنة النبوية الشريفة، وليس لأحد أن  يعدّلها أو يغيرها بمرور الزمن طبقا للمصادر الأخرى كالقياس والمصالح المرسلة والعقل، وهي المصادر التي  تتجلى فيها الحركة والمرونة في التشريع الإسلامي أي تطور التشريع مع تطور الحياة، والقول بغير ذلك معناه نفي أهم  خاصية تمتاز بها شريعة الإسلام وهي الثبات والحركة، ثبات على الأهداف والغايات وعلى الأصول والكليات، وحركة ومرونة في الأساليب والوسائل وفي الفروع والجزئيات وفي شؤون الدنيا والمجتمع . وهي ميزة حاضرة ومتوقدة في مسائل أحكام الآسرة.

ونعرف أن قاعدة شرعيّة معروفة هي (أين ما وجدت المصلحة فثمّة شرع الله) ونقول أين هي المصلحة في عدم تطليق الزوجة التي تكره زوجها واستحالة العشرة بينهما بالخلع، لأن زوجها قد تعسف في البدل الذي يفوق حدود المهر. أين هي المصلحة في استمرار علاقة زوجيّة في ظل زوج عاجز جنسياً ورفض الفحص الطبي لإثبات عجزه الجنسي. أين هي المصلحة في استمرار هذه العلاقة في زوجة أصبحت ناشزا.

ثانياً: كيف يمكن أن تستفيد المعلقات من

قانون الحماية من العنف الأسري؟

في ندوة (تعديلات قانون أحكام الاسرة) التي أقيمت عبر البث المباشر لتلال نيوز عربية في 19 أكتوبر 2021 تساءلت مديرة الندوة الدكتور هدى المحمود عن العلاقة ما بين قانون الحماية من العنف الأسري وقانون الاسرة فيما يتعلق بإثبات الضرر كسبب لتطليق الزوجة المتضررة، هل يمكن لهذه الزوجة أن تستفيد من قانون الحماية في اثباته.

وهو سؤال مهم للغاية وللإجابة عليه يمكن القول:

على الرغم من أن قانون الأسرة نصّ في المادة (98) في الفقهين السني والجعفري على حق الزوجة طلب التطليق للضرر الذي يتعذر معه دوام العشرة بين الزوجين إذا هجرها زوجها كلياً وتركها معلقة بدون عذر في الفقهين، إلا انها في الغالب وخاصة أمام القضاء الجعفري تعجز عن إثبات الضرر، وحين نتحدث عن الضرر نقصد به الضرر بنوعيه المادي الذي يلحق جسدها، والمعنوي الذي يصيب شعورها ونفسيتها وقد يكون لفظيا أو ناتجا عن فعل الضرر المادي، وقد يكون جنسيا، أو اقتصاديا.

وفي التعديلات المقترحة على قانون الاسرة اقترحنا تعديل المادة المذكورة كما يلي:

‌أ) للزوجة طلب التطليق للضرر الذي يتعذر معه دوام العشرة بين الزوجين.

ب) يعتبر ضرراً يستوجب تطليق الزوجة:

  • كل إخلال بالشروط الواردة بعقد الزّواج. وكلّ تصرّف من الزوج يلحق بالزوجة إساءة مادّية أو معنوية تجعلها غير قادره على الاستمرار في العلاقة الزوجية.
  • كل فعل من أفعال الإيذاء الجسدي أو المعنوي أو الجنسي أو الاقتصادي أو التّهديد به يقوم به الزوج تجاه الزوجة والابناء.
  • خيانة الزوج لزوجته وامتناعه عن المعاشرة الجنسية مدة ستة أشهر.
  • هجر الزوج لزوجته كلياً وتركها معلقة بدون عذر لمدة سنة.

‌ج) على القاضي بذل الجهد للإصلاح وإذا عجز عن الإصلاح وثبت الضرر حكم بالتطليق.

واضح من التعديل أنه وضع حقّ الزوجة في طلب التطليق للضرر في حالة تعرضها أو أولادها لكل فعل من أفعال الإيذاء الجسدي أو المعنوي أو الجنسي أو الاقتصادي أو التّهديد به يقوم به الزوج تجاه الزوجة والأبناء. وهي أفعال الإيذاء التي نصّ عليها قانون الحماية من العنف الأسري.

غير أنه على الرغم من هذا التعديل فإنه سيظلّ على الزوجة عبء اثبات هذا الضرر أمام القضاء الشرعي وستظل في غالب الأحيان عاجزة عن اثباته في ظل اشتراطات قانون الأسرة لقبول الشهادة كدليل لإثبات الضرر وفي ظل عدم وجود شهود.

غير أنه يمكن القول إن الزوجة إذا تعرضت أو تعرض أبناؤها لأي شكل من أشكال الايذاء التي نصّ عليها قانون الحماية من العنف الأسري، جسدي، معنوي ،جنسي، اقتصادي من الزوج يمكنها التقدّم ببلاغ لمركز الشرطة أو النيابة العامة، فهذه الأشكال تعد ضرراً يلحق بالزوجة من شريكها الحميم يستوجب تطليقها منه متى ما ثبت هذا الإيذاء أمام النيابة العامة أو المحكمة المختصة بموجب حكم نهائي ويتعين على المحكمة الشرعية اعتماده كدليل قاطع على ثبوت الضرر وتكون له حجيّة قاطعة.