سيسجل التاريخ خذلان الشعب في يوم الثلاثاء الموافق 7 ديسمبر 2021 عندما صوَّت 23 نائباً في مجلس النواب البحريني بالموافقة على زيادة 10% لضريبة القيمة المضافة لتحقيق رغبة الحكومة تحت ذرائع زيادة الضمان الاجتماعي، (علاوة غلاء المعيشة، عودة الزيادة السنوية 3% للمتقاعدين) ورفض ذلك 15 نائباً؛ كان موقفهم يعبِّر عن الإرادة الشعبية وامتناع نائب، في الوقت الذي أجمع فيه المختصون في شؤون الاقتصاد والمال البحرينيين بأن الفائدة ستعود بالنفع للحكومة وليس للمواطنين، فبينما تحصل الحكومة على دخل من الضريبة بعد زيادة 10% يساوي 100 % سيحصل ذوو الدخل المحدود من المواطنين على 10 % من مجموع أموال الضريبة المضافة ويبقى الفائض 90 % يذهب إلى الحكومة، ما يعني ان المواطنين هم من يغطي العجز المالي للحكومة من أموالهم وبعدها يحصلون على فتات متواضع وأيضاً من أموالهم .
كان الأجدر بالحكومة والنواب الثلاثة والعشرين الذين صوتوا بالموافقة على هذه الزيادة أن يتصدون لتقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية التي تكشف سنوياً عن حجم الفساد المستشري في الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية وتقديم المتورطين من المسؤولين للمساءلة القانونية، والتقليل من النفقات الحكومية لكي تستطيع توفير الأموال وتقلل من العجز المالي السنوي وتوقف الارتفاع المستمر للدين العام الذي يقدر حالياً بأكثر من 13 مليار دينار دون الفوائد المالية المترتبة عليه من الجهات الدائنة، لأن الأزمة لن تحل طالما وجد الفساد وسوء الإدارة، مما يتطلب المزيد من الشفافية والمحاسبة من قبل الحكومة.
بالمقابل يمكن فرض ضريبة على أصحاب الثروات المالية والعقارية الكبيرة وهذا متبع في معظم الدول التي تعمل بنظام “اقتصاد السوق” سواء كانت دولاً رأسمالية أو التي تعرف بدول العالم الثالث، وكذلك على الشركات والبنوك الكبيرة التي تحصل على أرباح مالية كبيرة سنوياً، بدلاً أن يكون المواطن هو ضحية لسياسات اقتصادية ومالية فاشلة وانصياع لنصائح مسؤولي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهما اللذان دمرا دولاً بمافيها الأوروبية، اليونان مثالاً، التي لولا الدعم المالي من ألمانيا لها لكان وضعها كارثياً ولازالت تداعيات الأزمة المالية تلقي بظلالها عليها اقتصادياً ومعيشياً، ويتحمل الأعباء الطبقة العاملة والكادحون، إن تنفيذ السياسة النيوليبرالية لن يُحسن الوضع الاقتصادي المأزوم في بلادنا، وطالما ظلّ الفساد والفاسدون وسارقو المال العام موجودين لن تنجح كل المسكنات في العلاج القائم بدون استئصال للوباء القاتل .
أما أعضاء مجلس النواب الذين وافقوا على زيادة ضريبة القيمة المضافة، فإنهم يؤكدون على مواقفهم السابقة بدعم ومساندة الحكومة ووما تقدّمه من مقترحات ومشاريع وقوانين تطرح في المجلس، فهم في كل مرة يخدلون من انتخبهم وكأنهم ممثلو الحكومة لا الشعب، ففي المجالس السابقة منذ عام 2002 حتى هذا المجلس صدرت العديد من القرارات والقوانين المضادة لإرادة الشعب، منها قوانين معيقة للحريات العامة وللمكتسبات التي تحققت في السنة الأولى من الانفراج السياسي في عام 2001 ، إضافة إلى إقرار أعضاء مجلس النواب تقاعد النواب وإستقطاع 1% من رواتب المواطنين في مجلس 2006، ففى مجلس 2010 وبعد إجراء الانتخاب التكميلية في 2011 صدرت العديد من القوانين المسيئة للتجربة النيابية في البحرين وفي مجلس 2014 تمّ تقليص صلاحيات مجلس النواب، وبالأخص في موضوع الاستجواب برفع عدد النواب الذي يحقّ لهم التقدم بطلبه من 5 نواب إلى 27 نائباً، ليشكل سابقة خطيرة تعيق أعضاء المجلس من ممارسة صلاحياتهم الرقابية والتشريعية، بالإضافة إلى عقد جلسة خاصة للموافقة على قانون التقاعد الجديد في عام 2018، بالرغم من فضّ انعقاد جلسات مجلس النواب في مايو 2018، لأن الحكومة أرادت تمرير ذلك القانون بالرغم من الرفض الشعبي له.
استبشر الناس بمجلس 2018 حيث أغلبية أعضائه نواب جدد وشباب، بأن يحدث تغيّراً ويدخل إصلاحات على بعض القوانين وإذا به لا يختلف عن المجالس السابقة، وهذا يعود لعدة أسباب بينها أن النائب المنتخب لا يمارس صلاحياته التشريعية والرقابية ولا يقوم بواجباته الدستورية وفق القسم الدستوري الذي أدَّاه في أول جلسة انعقاد للمجلس الجديد، أصبح النائب “مربوطاً” بالجهة التي أوصلته إلى المجلس ينفذ مايطلب منه، يحضر هذه الجلسة ويغيب عن تلك، ولا يهمه الناخبين في دائرته، نوعية أخرى من النواب تفكر في ما بعد انتهاء فترة المجلس الحالي بأن يصبحوا أعضاءاً في مجلس الشورى أو يسند لهم منصباً حكومياً رفيعاً، يبحثون عن مصالحهم، ولا يهمهم الناخبين أو تطوير التجربة النيابية، وكأنهم ليسوا ممثلين للشعب يتطلب منهم الوقوف والدفاع عن حقوقه ومصالحه ومطالبه، بدل الدفاع عن الحكومة وأجندتها.
اليوم تبرز أصوات في المجتمع تقول ماجدوى وجود مجلس للنواب في البلاد إذا كان الشعب لا يستفيد منه، وأصبحت تكاليفه المالية أكثر من فوائده، والتجربة النيابية منذ عودتها في عام 2002 لم تتطور وتتجذر وأصبحت الصلاحيات الدستورية معيقة ومقيّدة لعمل النواب لاسيما النواب الذين يدافعون عن حقوق الشعب، بالرغم من هذا التذمر والاستياء من أداء أعضاء مجلس النواب، يبقى مجلس النواب ساحة للعمل البرلماني وكشف القوانين والصلاحيات المقيدة وهذا يتطلب الصبر والنفس الطويل والإرادة الوطنية المخلصة للتغيير، وإيصال شخصيات وطنية تمتلك الكفاءات والتخصصات إلى قبة مجلس النواب همها هموم المواطن وحقوقه والحفاظ على المكاسب الوطنية التي تحققت في عام 2001، فيجب أن لا يكون المجلس لمن ليس لديه مهنة أو وظيفة يحصل عليها من خلال عضويته فيه، من أجل الوجاهة الاجتماعية، يجب أن يكون معبراً عن آمال وتطلعات البحرينيين في التغيير والإصلاح والديمقراطية ونيل الحقوق.
المهمة صعبة ولكن على المواطن حسن الاختيار في الانتخابات القادمة من المترشحين الجدد والقدامى للمجلس وأن تراقب المجالس الشعبية في الدوائر أداء النواب في داخل المجلس ومدى التزامهم بالوعود التي قطعوها على أنفسهم بتنفيذها، أن يكون هناك حراك شعبي لتفعيل دور نائب الدائرة ومراقبة أدائه. تبدو المهمة صعبة في ظل الركود السياسي وتراخي وتقاعس نشاط العديد من منمنظمات المجتمع المدني، والتضييق على النشطاء في العمل التطوعي بإصدار القوانين والقرارات المعيقة للعمل والأنشط، ولكن ليس الحل في اللجوء للأسهل، باتباع الدعوة التي يطلقها مابين الفينة والأخرى الأشخاص الذين أصابهم اليأس والإحباط من أداء مجلس النواب، إما بمقاطعة الإنتخابات للمقاطعة، أو بالدعوة لوقف التجربة النيابية والاستفادة من الأموال المرصودة لأعضاء مجلسي النواب والشورى في تغطية جزء يسير من عجز الميزانية العامة.
هذه آراء تتداول في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، وإنْ كان من حق أي مواطن بعد الأداء السيِّئ لبعض أعضاء مجلس النواب، أن يعبر عن رأيه بالقول أو الكتابة، ولكن استمرارية التجربة النيابية مهم كيلا يكون هنال فراغ دستوري، بعدها تصدر القوانين على شكل مراسيم ولا محاسبة لأداء الحكومة ووزرائها، حيث ستفعل ماتشاء، فلا محاسبة ولا مراقبة والفساد سوف يزيد ويكثر الفاسدون ويستمرون في سرقة المال العام، فيما التجربة النيابية تتطور من خلال وجودها لا إلغائها، والتراكمات تؤدي إلى تغيرات نوعية، وبيد الناخبين إحداث التغيير والإصلاح السياسيَين باختيارهم أصحاب التخصصات والكفاءات الذين لديهم القدرة في إبداء الرأي والشجاعة والجرأة في طرح الآراء واتخاد المواقف الصائبة.