ما الغرابة في أن يتفاعل الناس مع القرارات أو القوانين المتعلقة بزيادة الضرائب والرسوم، وأن تكون محلا للجدل والنقاش والاختلاف بشأنها؟! أليست الضرائب شأناً عاماً يهمّ الجميع، وعلى تماس مباشر بمعيشتهم؟! أليس التفاعل مع هذه القضايا بالتعبير السلمي عن الراي بالنشر او الكتابة في إطار القانون، يعد ممارسة مشروعة لحقهم الدستوري؟!
فلماذا يحاول البعض وصفه بأنه خروج على الدولة أو عصيان لسلطتها، وكأن هذا البعض وجدها فرصة سانحة يجب انتهازها ليكون له دور في المشهد الاعلامي على حساب الناس، بإثارة الضوضاء حول ممارسة هذا الحق المشروع وتصويره بصورة بعيدة عن الواقع ومخالفة للحقيقة، مستندا في ذلك إلى تفسيراته الخاصة للنصوص الدينية، وبما لا يخدم مصالح البلاد والعباد، متخذا من المزايدة على ايمان الآخرين، والتشكيك في ولاءهم للوطن، وسيلة لوضعهم في دائرة المشكوك في أمرهم، محاولا ممارسة الوصاية على الناس بما يتنافر مع الإرث الحضاري لمجتمعنا الذي يتسم بالحيوية والوعي السياسي والثقافة.
ما زال هذا البعض مستمراً في إعادة إنتاج مصطلحات وخطابات دينية، بعيدا عن مراميها، وعن روح العصر، وبما يتعارض مع نظام الحكم في الدولة، الذي يستند إلى منظومة قانونية، يأتي في صدارتها الدستور وهو القانون الاساسي في الدولة، الذي قرر في المادة الأولى منه، أن نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعاً، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور”، وفضلاً عن كون الشعب هو مصدر جميع السلطات فإن الدستور قد كفل الحقوق الأساسية والحريات العامة والشخصية.
ولضمان ألا تتعرض الحقوق والحريات المنصوص عليها للانتقاص قررت المادة (31) من الدستور أن: “لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة أو تحديدها إلا بقانون أو بناء عليه وأنه لا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق او الحرية”. وهذا يبين حرص المشرع الدستوري على ألا يتم النيل من الحقوق والحريات وتقييدها، أو الإفتاء بما يجوز ولا يجوز إلا استنادا للقانون، فالدستور قد وضع قيداً على السلطة المختصة بالتشريع وهي بصدد اصدار القوانين التي تنظم الحقوق أو الحريات، وهو ان لا يؤدي تنظيمها وتقنينها إلى إفراغ هذه الحريات أو الحقوق من غاياتها ومن جوهرها، أي الأساس الذي تقوم عليه، وهذا يعني ضمنياً توفير الضمانات لممارستها وترتيب آثار قانونية على عدم مراعاتها أو الاعتداء عليها.
ومن أهم الضمانات برأينا توفير الحماية والحصانة من المساءلة القانونية لمن يستخدم هذه الحقوق والحريات، و توفير الحماية القضائية في حالات الاعتداء عليها، فتلك من الضمانات الأساسية التي يجب مراعاتها اثناء تنظيم الحقوق والحريات، فلا يستقيم أن يمنح الدستور حقاً ثم يتعرض من يمارسه للعقاب بموجب تشريع صدر لتنظيم هذا الحق، أو يقوم البعض بوصف من يمارسه بمخالفة شرع الله.
إذن فإن النص الدستوري واضح، وهو أن نظام الحكم ديمقراطي وأن السيادة للشعب وأن الشعب هو مصدر السلطات جميعاً، وأن الحقوق والحريات يتم تنظيمها وتحديدها بواسطة القوانين وليس بالفتاوى. وعلى الرغم من ذلك يخرج علينا البعض بمصطلح “طاعة ولاة الأمر” شاهراً سيفه في وجه البسطاء من الناس، حيث قام باستحضاره وسلخه من سياقه التاريخي والمعنوي وغاياته، محاولاً إسقاطه على قضايا الحاضر التي يوجد لها نظام قانوني ينظمها، كقضية الحق في التعبير عن الرأي ومناقشة المسائل العامة، في محاولة منه لتصوير هذا الحق وكأنه خروج على الدولة وتمرد على “ولاة الأمر” وكأننا في أيام الدولة العباسية.
وخلاصة القول، فإننا إذ نحترم الإجتهاد وحرية العقيدة والرأي والبحث العلمي والفقهي، لسنا ملزمين بالقبول بصفة الإلزام والفرض الشرعي التي يحاول هذا البعض إضفاءها على أراءئه الشخصية، ونرى أن مصطلح طاعة ولاة الأمر بالمفهوم الذي يروج له هذا البعض يتضمن إساءة لوجدان وفكر ووعي وثقافة أهل البحرين، و لسمعة نظام الحكم فيها، كما يتضمن تحريضاً ضد ممارسة المواطنين لحقوقهم التي يكفلها الدستور وكافة المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان.
فالدستور قد خوّل السلطة التنفيذية التقدم بمشاريع للقوانين وإذا كانت هذه السلطة وفقاً لمنظورها ترى أن إصدار قانون جديد لضريبة القيمة المضافة يمثل “ضرورة للنمو الاقتصادي ودعمه” ، فهذا رأيها سواء اتفقنا معها ام لم نتفق، وهو الأمر الذي تمت مناقشته والتباحث بشأنه مع السلطة التشريعية، وهو موضوع أعلنت عنه الحكومة لعامة الناس، لذا من حق المواطنين إبداء الرأي بشأنه، والدستور في المادة (23) قد كفل في إطار القانون، حرية الرأى لكل إنسان والحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب، وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية.
لذا نرى فإن اقحام مصطلح “طاعة أولي الأمر” المختلف عليه بين مذاهب الفقه الإسلامي، مجانب للصواب ومثير للجدل والفرقة، ولسنا ضد أصحاب المنظور الديني وحقهم في أن يكون طرحهم انطلاقا من مفهومهم الديني، ولكن من حقنا أيضاً مناقشة ما يطرحونه إذا استندوا إلى أحكام يعتبرونها من مباديء الشريعة الإسلامية، في حين أنها محل خلاف بين المذاهب الفقهية، ولا تعتبر من الأحكام العامة او الأصول الأساسية الثابتة في جوهرها في كل المذاهب، فمصطلح “أولي الامر” قد ثار بشأنه جدل فقهي و هناك تفاسير متعددة ومختلفة، بشأن من هم المقصودين بولاة الأمر؟ وما هو نطاق الطاعة ومواضيعها وحدودها؟
كل هذه الأسئلة المتعلقة بهذا المصطلح، لم نكن نرغب في أن تكون هي محور حديثنا، ولكن بعد البحث والقراءة تبيّن أن المسألة أخطر من ذلك، فهي لا تتعلق فقط بالاستخدام البريء للمصطلح ومفهومه بل في كونه مصطلحاً يفتح الباب للمشاكل فقد كان سببا في بث الفتنة والفرقة بين المسلمين على مرّ العصور ولا يزال، من خلال توظيفه لخدمة أهداف سياسية أو أجندات خاصة بفرق وجماعات وتنظيمات الإسلام السياسي بعيداً عن مراميه، والاستناد إليه مراراً وتكراراً، وصولاً إلى رفض نظام الحكم وتكفير الحاكم، تعويلاً على صمت وحسن نية العامة وإيمانهم، الذي غالباً ما يمنعهم من مناقشة ما يطرحه شيوخ الدين، أو الإختلاف معهم. وهذا ما يجعل مشاركة الآخرين خلاصة ما كتب في شرح وتفسير هذا المصطلح مسألة جوهرية لتسليط الضوء على الجانب الشرعي من مسألة طاعة أولي الأمر، وهذا ما سنفرد له مقالة أخرى.