للقوى اليسارية على مستوى العالم دور تاريخي في قيادة النضال الأممي للطبقة العاملة وسائر الشغيلة، ولا تزال هذه القوى هي المعول عليها في تجديد وتطوير نضال الحركة العمالية نحو الاتجاه الصحيح ضد سياسات الاحتكارات الإمبريالية القائمة على الاستغلال البشع.
كان لنا في البحرين مثال على ذلك إبان النضال الوطني ضد سياسات هيمنة الاستعمار البريطاني من قبل كافة مكونات شعبنا البحريني، حيث أصبح تأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية ضرورة ملحة، وكان لهذا الفصيل اليساري أن يوحد بجدارة قوى الشعب في النضال في إطار العمل الوطني المنظم، واستمر ذلك لعقود من الزمن، بالرغم من التضحيات الكبيرة في صفوف قيادات وكوادر هذا التنظيم الماركسي العريق.
وإذا رجعنا لذاكرة التاريخ مع بداية ظهور الأنشطة الثورية مع بدايات تأسيس الحركة العمالية والنقابية في اوروبا، حيث كان ماركس ورفيقه انجلز قد بذلا الجهد الكبير لخلق الأرضية لقيام المنظمات العمالية والنقابية من أجل انتزاع الحقوق العمالية المفقودة في اوروبا في تلك المرحلة.
ففي عام 1884 كُلف ماركس بقيادة رابطة العمال في كولونيا، وهي إحدى المقاطعات في ألمانيا في تلك المرحلة، وفيها تأسست الرابطة العمالية التي كانت تعد الأكبر حجما لتنظيم عمالي بحيث كان لها الأثر الكبير في دعم النضال العمالي السري، ويومها ماركس وانجلز ملاحقين من قبل الأجهزة الامنية في غالبية الدول الأوروبية الصناعية، لأن تلك المدن كانت مسرحأً لنضال وانشطة القائدين العظيمين.
ونحن ننظر في وضعنا الراهن سنعود لما جاء في برنامج العمل الذي أقره السمينار النقابي اليساري الأول في البلدان العربية والذي انعقد في العراق في مدينة أربيل في الفترة من 24 – 26 من تشرين الأول عام 2013، الذي خرج فيه المؤتمرون بقرارات مهمة كان من المفروض أن تتم متابعتها وترجمتها من قبل القوى اليسارية المشاركة فيه من أجل البناء عليها، بالرغم من كل الظروف والتطورات والمعوقات على الساحة العربية جراء الصراعات بين قوى اليمين المتطرف واليسار، وتأثير الحروب على العراق وسوريا وليبيا واليمن، وهيمنة القوى الطائفية الإقليمية على القرار السياسي في بعض البلدان العربية.
بات من الأهمية أن تتوجه القوى اليسارية بثقافة الوعي الذي يفضي لمعرفة الحقيقة في صفوف الجماهير من خلال برامج وأفكار وإعلام النهج اليساري في البلدان العربية خصوصا النزول للعمل في صفوف الطبقة العاملة وسائر الشغيلة اليدوية والفكرية، وهذا يتطلب أن تتحرر القوى اليسارية العربية بجميع قواها من الصدمة التي احدثها الإنهيار المفاجئ للاتحاد السوفييتي والتي كان لها الأثر السلبي على مجمل أنشطة اليسار في العالم.
إن دور اليسار اليوم آخذ في التزايد، خصوصاً في امريكا اللاتينية، ما يساعد على مساعي تجديد أنشطة اليسار العربي ضد سياسات الامبريالية والصهيونية والقوى الاقليمية الطائفية والرجعية العربية التي تعمل على بث روح الفوضى الخلاقة من خلال دعم قوى متطرفة دينياً واجتماعياُ، لتكون ذريعة لتدخلات للقوى الأجنبية والهيمنة على القرار السياسي العربي، وقتل الروح الوطنية من خلال إشعال النعرات والكراهية الطائفية، وإدامة افقار شعوب الدول العربية الغنية بالثروات، وتدمير البنى التحتية وزيادة الحرمان والفقر وتدني المستوى المعيشي والصحي والثقافي والاجتماعي وزيادة نسبة البطالة وضرب حرية العمل النقابي والسياسي وحرية الإعلام.