الضريبة تخلق الإبداع .. حدثُونا بما يقنع

0
33

سمعنا .. قرأنا .. ولم نفهم نحن الذين أدمنا على متابعة أمور محيرة وغير مفهومة !

 الحديث تحديداً عن ضريبة القيمة المُضافة التى فرضت علينا مضاعفة منذ بداية العام، فرضت دون إصغاء الى أنين المواطنين المقهورين الطيبين، فى الصدارة منهم ذوى الدخل المهدود، والذين جميعهم ينتظرون على أحرّ من الجمر فتح الطرق المؤدية الى تحسين أوضاعهم والنهوض بواقعهم، كما ينتظرون البدايات النموذجية المقنعة المؤدية إلى معالجات فعلية لملف البطالة، وملف تنظيف الفساد، مطلوب ذلك بكل أمانة واخلاص بالأفعال لا بالأقوال والأرقام الهوائية والشعارات والتطمينات التى تتكدس على كل الجبهات يوماً بعد يوم!

 لن نذهب بعيداً، فنحن هنا نركز تحديداً على “الإيجابيات المبهرة” التى بشّرنا بها بعض النواب والشوريين، هؤلاء الذين كادوا أن يشعرونا أو أشعرونا وانتهى الأمر بأنهم من طينة اخرى غير طينتنا، كونهم يَرَوْن بأن التهويل والهواجس والمخاوف وكل الزوبعة المثارة حول التداعيات المحتملة لتطبيق هذه الضريبة لا مبرر لها، ومبالغ فيها، وأن على البحرينى ألا يعكر مزاجه وأن يطمئن إلى غده، وان لايخشى شيئاً، وأن المطلوب منه فقط أن يدعم ويساند ويتجاوب من أجل العبور إلى بر الأمان، كما عليه أيضاً ألا يكون أنانياً وان يدرك المسؤولية، وعليه “أن يزيد من جرعات المواطنة وان ينظر فى موضوع الضريبة بمنظور ايجابى”، أليس هذا ماصرح به احدهم، وكله منشور وموثق ويمكن الرجوع اليه فى اي وقت!

  لا أتحدث هنا عن الشعارات ولا التطمينات ولا الفذلكات، ولا تحليلات من هم يُعدّون اقتصاديين وكتاباً وخبراء وأصحاب أعمال ونواب وشوريين وكل من أدلي بدلوه فى شأن الضريبة واقتحم مجال التحليل والتشخيص، كل واحد منهم ظهر وكأنه يقول لنا وبمنتهى الوضوح لا تكترثوا لكل من حذّر وهدد وتوّعد من مغبّة هذه الضريبة، بل وظهر احدهم وكأنه يقول لنا لا تكونوا سذجاً بتصديق هؤلاء الذين لا يَرَوْن فى الضريبة إلا سلبيات، ودعانا – فى عادة شائعة فى هذا البلد تجاه كثير من الأمور – إلى عدم التهوين أبداً من وقع “الإنجاز” الذى ستحققه هذه الضريبة، وأنه يتوجب على المواطنين المغلوبين على أمرهم ان يتكيفوا مع همومهم ويصبرون على أوجاعهم ان يقتنعوا بان فرض الضريبة ستكون لصالحهم، وأنها ستحسن من “رفاهيتهم”، وعليهم ايضاً أن يقتنعوا بأن كل اللغط المثار حول الضريبة والذى لم يتوقف عن التوالد لا يقوم على أساس، وأنّ كل التعليقات المنتقدة والرافضة لهذه الضريبة غير دقيقة، وغير مقنعة  ومرتبكة ومربكة، وحتى غير منطقية، ولا تنظر لموضوع الضريبة وتداعياتها المحتملة بموضوعية، او من زواياها المختلفة، وأن اصحاب هذا الرأي يغذون روح الإحباط والتذمر، احذروا!

  يمكن علاوة على ذلك التمعن فى هذا الذى بشرنا به أحد أعضاء مجلس الشورى، فما قاله مثال نموذجي نستخرجه من من جملة تصريحات تمّ تداولها على نطاق واسع فى مواقع “السوشال ميديا” تستحق التوقف والتأمل، فبالنص يقول “الضريبة تخلق الإبداع، والإبداع يخلق الاقتصاد، هى لا تفرض كعقاب، بل بالعكس هى تُنمينا، وتنمي قدراتنا، وتجعل منا دول متقدمة، ومتحضرة، وتعطينا رقيّاً ورفعة فى الرأي والرأي الآخر، وتحقق لنا استراتيجية قوية ” ..!! ، تصريح آخر قال فيه صاحبه إن هذه الضريبة بداية لتغيير ايجابى فى بناء الاقتصاد البحرينى !

أحسب أن هذا وذاك الكلام، وكل ما هو بمستواه أو على شاكلته نصاً وروحاً سيكون حاضراً على الدوام فى أذهاننا فى انتظار تلك العوائد التى بُشرنا بها والتى سيكون من التهور التفريط فيها أو التقليل من شأنها، فقط نتمنى من هؤلاء أن يشرحوا لنا نحن الذين لا نفهم وباستفاضة كيف سيكون حال الطبقات الكادحة الفقيرة التى بالكاد تؤمن كلف الحياة البسيطة وهى تجد نفسها أمام عبء مالى جديد، وكيف سيكون على هذه الطبقات التضحية انتظاراً لحالة الإبداع الموعودة وبقية العوائد التى بُشر بها الجميع.

 ربما علينا أيضاً وفى ذات السياق أن نذكر زيادة فى جلاء الصورة بموقف النواب أنفسهم من إقرار قانون الضريبة المُضافة فهو موقف لا ينسى، فنواب قلب الطاولة الذين يبدو أن ثمة مطامح ما تحاصرهم، هؤلاء هم الذين طالبوا ووقعوا على طلب جعل الجلسة سرية، ومعهم الذين اعترضوا علناً وصوتوا بالموافقة سراً، كأنهم كانوا يخشون أن ينكشف المستور، والمستور يكشف التباعد الذى يصل إلى حدود القطيعة بين مواقفهم المعلنة والمواقف فى الجلسات المغلقة، بين أقوالهم وأفعالهم وبشكل واضح وضوحاً يعمي الأبصار ..!

ما حدث فى الجلسة السرية التى جرى فيها إقرار الضريبة وبالأسلوب والطريقة الذى تمّ فيها تمرير الإقرار يثير أسئلة تتبع أسئلة ستظل دون اجابات مقنعة، واحسب أن الإيجابية الوحيدة من موقف النواب هو أن هؤلاء النواب سقطوا فى الامتحان الأخير وبامتياز، والنتيجة ستظهر فى الانتخابات المقبلة، وليت الناخب يتعلم الدرس ولا يرمى صوته فى سلة هكذا نواب، وكل ما علينا الآن شئنا ام أبينا أن نطمئن وأن ننتظر الإبداعات والرقي والرفعة والاقتصاد القوي التى ستخلقها الضريبة لنا، وترك بواعث القلق، فهى كما قال “الحكماء” إياهم لا مبرر لها، وفى الوقت ذاته يصرف هؤلاء وغيرهم أي حديث أو تصريح أو تلميح حول ارتباط اي نظام ضريبي بالشفافية والمساءلة والمحاسبة، ارتباط لم يتحدث عنه أحد من النواب أو الشوريين أو غيرهم من حكماء هذا الزمن، تماماً كما هو الحال بالنسبة لموضوع ضريبة الدخل على المؤسسات والشركات واصحاب المداخيل العليا، تماماً كما هو الحال بالنسبة للفساد والفاسدين، تماماً كما هو الحال مع أمور كثيرة لم يقترب منها أو يلامسها أو ينقب عنها أحد من زاوية أو أخرى، بشكل أو بآخر، ومنها مع الأسف ما يقشعر من هواها الأبدان والأسماع معاً وهى تحكي عن حالها لحالها، قضايا وملفات لم يعد خافياً أنه لم يقترب منها احد، وكأن كل المعنيين قد أداروا ظهورهم عنها، صامدين فى تجاهلهم لها صمود عنتر فى ساحة الوغى ..!