تراجعاتٌ عن المكاسب المدنيّة والنّقابيّة

0
247

في هذا الشهر فبراير/ شباط تحلُّ علينا الذكرى ال 21 للتصويت على ميثاق العمل الوطني،  يُعرف بمشروع الإصلاح السياسي، وسنة الانفراج السياسي تبعت العديد من القرارات كان أهمها إلغاء قانون أمن الدولة وتدابير محكمة أمن الدولة بعد أن ظلا مسلطين على رقاب شعبنا وحركته الوطنية لمدة ربع قرن (1975/2001)، شكلَّ حدثاً هاماً بإطلاق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين وعودة المنفيين من الخارج، ولاحقاً السماح بالعمل السياسي العلني من خلال الجمعيات السياسية ( التي هي بمثابة أحزاب سياسية ) وتشكيل النقابات العمالية والعديد من منظمات المجتمع المدني، والسماح بحرية الرأي والتعبير  من خلال الصحافة المحلية للعديد من الشخصيات المعارضة وتأسيس صحف جديدة، حدثت نقلة نوعية من حقبة سوداء غابت عنها الحريات العامة والشفافية والديمقراطية، إلى عهد جديد وحقبة مغايرة للماضي، كانت التطلعات والآمال كبيرة نحو مزيدٍ  من المكاسب السياسية والديمقراطية تأخذ البلاد لتحولات ديمقراطية حقيقية تؤكد على صواب الطريق الجديد لبناء دولة العدالة الاجتماعية والديمقراطية.

خلال الواحد والعشرين سنة الماضية حدثت أحداث كثيرة منها صدور دستور مملكة البحرين في فبراير 2002 والجدلٌ  الواسعٌ الذي ثار حوله في صفوف القوى السياسية في البلاد، وبالأخص بعد الدعوة للانتخابات النيابية في أكتوبر من عام 2002 ، وبرزت ثنائية المشاركة والمقاطعة، فهناك من شارك وهناك من قاطع من القوى السياسية، بالرغم من عودة الحياة النيابية بعد ربع قرن من الغياب منذ حل المجلس الوطني في 26 أغسطس 1975 يعود بنا الزمن حول المشاركة والمقاطعة للقوى السياسية لعام 1973 عندما جرت أول انتخابات نيابية في تاريخ البحرين في مرحلة الاستقلال الوطني بعد أن أصبحت البحرين دولة مستقلة في أغسطس من عام 1971.

الأهم في الموضوع هو ما جرى بعد أحداث 2011 التي لازالت آثارها السلبية مؤثرة ومؤلمة في مجمل مناحي الحياة في البلاد، الانقسام المجتمعي وبروز الطائفية والتعصب المذهبي والتمييز بشكل لا مثيل له، أضف إليه التراجعات عن المكاسب التي تحققت في بداية الانفراج السياسي في فبراير من عام 2001، على شتى الأصعدة، تفاقم الأوضاع  المعيشية في ظل انخفاض أسعار النفط  مما أدَّى إلى رفع الدعم الحكومي عن العديد من السلع والمحرقات وغيرها، بروز ظاهرة الضرائب ومؤخراً زيادة القيمة المضافة إلى 10%، أزمة الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، القديمة الجديدة، وما تعانيه صناديق التقاعد من إفلاسات وسرقات، والضحية هم المتقاعدون وخسارة أموالهم بأسباب لا يتحملونها، تزايد الخريجين الجامعيين سنة عن سنة واتساع رقعة البطالة في البلاد .

 قضية المعتقلين والسجناء السياسيين لازالت، هي الأخرى، مستمرة، بالرغم من وجود العقوبات البديلة التي هي خطوة إيجابية ولكنها بطيئة، ويجب الإسراع في تنفيذها لكيلا تتفاقم القضية وتتحول إلى مساجلات حقوقية تؤدي إلى تداخلات خارجية تضع الدولة في وضع حرج، ما يؤكد أهمية حل هذا الملف بأبعاده الحقوقية والإنسانية.

وقف هرولة التطبيع مع الكيان الصهيوني بعد أن تمّ توقيع اتقاقيات عدة معه، وهو المرفوض شعبياً والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الصهيوني ودحره وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.

إفساح المجال لحرية الرأي والتعبير بمزيد من الحريات العامة والديمقراطية وتطوير القوانين والتشريعات وبالأخص منها ما يتصل بالتشربع  والرقابة بدل من إصدار قوانين معيقة للعمل السياسي والتحوّل الديمقراطي وإعادة النظر في القوانين والقرارات التي صدرت عن مجلس النواب التي تكبل حركة أعضاء مجلس النواب وتجعل منه مجلساً لا يستطيع أن يقوم بدوره التشريعي والرقابي المناط به ويترك انطباعاً لدى المواطنين بأنه مجلس دون جدوى من وجوده وهناك من يردد هذا، لأن قوته تنبع من فعاليته الرقابية على أداء السلطة التنفيذية والتصدي للفساد وسوء الإدارة، فهل الاستحقاق الدستوري لعام 2022 سوف يكون مختلفاً؟

العزل السياسي لأعضاء الجمعيات السياسية  للمشاركة في مجالس الإدارات للأندية ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني، لهذا نرى الضعف في أدائها وقلة في أنشطتها وفعالياتها بعيداً عن وباء كوفيد 19 كورونا وماخلفه من إشكاليات في المجتمع من خلال التوقف عن ممارسة أو تنظيم الأنشطة لفترة طويلة امتدَّت لأشهر، فهل يُلغى قرار عدم السماح لأعضاء الجمعيات السياسية بالمشاركة في مجالس إدارات الأندية الرياضية والثقافية والجمعيات الأهلية والمهنية، لتعود الحيوية والأنشطة من جديد بشكل فعال ونشط لجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.

بعد مسيرة نضالية حافلة بالعطاء والتضحية من قبل الرواد الأوائل النقابيين  من أجل السماح بتشكيل النقابات العمالية والمهنية وإعطاء إجازة رسمية في الأول من مايو، عيد العمال العالمي، تحقق لهم في عام 2003 بإصدار قانون يسمح بتشكيل النقابات العمالية وإجازة رسمية في عيد العمال العالمي، لكن العمل النقابي يعاني اليوم من ضعف وتمزق في وحدة العمال، ما يذكرنا بالهتاف: (الوحدة والوحدة يا عمال) ذلك الشعار الأثير والتاريخي الذي كان يصدح في المسيرات والتظاهرات العمالية ويرفعوه النقابيون والعمال ويصل إلى عنان السماء بأصوات وحناجر العمال بصدق ووفاء للطبقة العاملة وتضحياتها.

أصبح الوباء الطائفي ينخر في الجسد النقابي والعمالي، فلا وحدة عمالية ولا دفاع عن حقوق ومطالب العمال، والكل من الطارئين على العمل النقابي يلهث من أجل الوصول لعضوية مجلس إدارات الاتحادات النقابية ليحقق طموحه الشخصي ويتفرغ لمصالحه والسفر والسياحة في ربوع العالم من خلال المشاركات الخارجية، بالرغم من التضييق والتهديد والوعيد الذي يتعرض له النشطاء النقابيون وأعضاء النقابات من قبل أكثر من مجلس إدارة لشركات عدة بالفصل وعدم الترقية أو الحصول على الزيادة السنوية إذا استمر عضواً في النقابة، لم نسمع بالدفاع أو التضامن مع النقابات والعمال الذين يمارس ضدهم التضييق والتهديد، والوزارة المعينة بأمور النقابات والعمال لا تفعل لهم شيئاً يُذكر، وربما تتواطأُ مع هذه الشركة أو تلك ضد النقابيين ومجالس إدارات النقابات.