النداء الأخير (2 – 2)

0
27

(2) من وجهة التناقض الرئيس، فإنه بعد أفول حركة التحرر الوطني في الحقبة الأولى لمرحلة تعميم الإنتاج الرأسمالي-الكولونيالي (أو التبعية في مرحلة عولمة رأس المال) وتمرحل الدولة الكولونيالية من قومية لتكون سلطوية، يتمحور التناقض الرئيس حول الديموقراطية التشاركية، ايّ ما بين السلطوية) والمشاركة الشعبية[1]. تتأطر حقول الصراع الطبقي، الحقل الاقتصادي والسياسي والآيديولوجي، بالتناقض الرئيس هذا.

نقولُ بإيجاز بأن الطبقة المسيطرة في البحرين هي البورجوازية الكولونيالية (بكافة أقسامها، وبالتالي تتضمن رأس المال الاحتكاري وغير الاحتكاري)، والقسم المهيمن منها هو بورجوازية الدولة، بينما الطبقة المستغَلة الرئيسة هي الطبقة البروليتارية (المواطنة والوافدة)، ايّ العمال المأجورين في الإنتاج الصناعي المادي بكل أشكاله، والزراعة، والخدمات التي تساهم مباشرة في الإنتاج المادي (مثل الشحن والنقل والتصليح). أما الطبقات المستغَلة الثانوية هي البورجوازية الصغيرة المتجددة (الموظفين) والبورجوازية الصغيرة التقليدية (أصحاب العمل الصغار، والمشاريع الصغيرة، والحرفيين، والصيادين، والمزارعين الصغار إلخ). إن الطبقة القائدة لأي حركة ممكنة هي الطبقة البروليتارية، بينما الطبقة الرئيسية هي الأقسام المتوسطة والمتدنية من البورجوازية الصغيرة المتجددة.

إذن، لا بد أن تكون الاستراتيجية السياسية استراتيجية مناهضة لرأس المال الاحتكاري، ولكي تكون كذلك عليها: (1) توحيد العمال البروليتاريين (المواطنة والوافدة، وهذا يعني فوراً بأن الشوفينية، والذكورية، والطائفية، والعنصرية هي أمور يجب محاربتها بكل الطرق ممكنة). (2) توحيد العمال والموظفين تحت شعار واحد ضد رأس المال الاحتكاري. (3) لا يُمكن إقامة التحالف ما بين العمال، والموظفين، والبورجوازية الصغيرة التقليدية إلا عبر الجمعيات السياسية الأخرى التي بعضها غير مسموح لها المشاركة في الحياة السياسية العامة، مما يستدعي المطالبة بشكل أساسي لعودة الحياة السياسية هذه. (4) إن البرلمان في البحرين هو نقطة ضعف البورجوازية بقدر ما هو نقطة قوتها.

(2) الاستراتيجية التكتيكية. إنها تتضمن المفاهيم العملية لتنفيذ الاستراتيجية السياسية، ايّ أنها دائماً خاضعة للاستراتيجية السياسية. تعتمد استراتيجيات الهجوم، أو الدفاع، أو التقوية، كلها على الظرف العملي اليومي الملموس وبالتالي لا يُمكن أن نخلط ما بينها وبين الاستراتيجية السياسية التي هي في موقع ثابت نسبياً. إنها دائماً تُركز على تنفيذ الأخيرة مع دراسة مستمرة لحالة توازن القوى الطبقية نفسها. إنها ايضاً تتضمن الأشكال الملموسة لتنفيذ الاستراتيجية هذه، وترويج للبرنامج السياسي نفسه، وهي متغيرة: المشاركة في البرلمان مثلاً، أو مقاطعة البرلمان، أو طرق تمكين الهيئات القاعدية، الإضرابات، تحويل الشعار إلى نداء إلخ. إنها ايضاً تُحدد طبيعة الأزمات الاقتصادية والسياسية (أزمة الهيمنة الطبقية، أزمة السيطرة الطبقية، أزمة سياسية عامة، أزمة اقتصادية عامة إلخ).

ثانية، سنقول بإيجاز: الاستراتيجية الدفاعية تقوم على مبدأ الحفاظ على الذات (تغليب الدفاع على الهجوم)، ايّ أنها دائماً تفترض بأن الطرف الآخر هو في وضعية الهجوم؛ استراتيجية التقوية تقوم على مبدأ توسعة قواعد وقنوات العمل الممكنة (التوازن ما بين الدفاع والهجوم)؛ الاستراتيجية الهجومية تقوم على مبدأ تجريد الطرف الآخر من مواقعه (تغليب الهجوم على الدفاع)، ايّ عبر تصفيّة كل العوائق لتحقيق غاية من غايات الاستراتيجيا السياسية.

مثال التجربة البرلمانية وتمرير قانون زيادة ضريبة القيمة المضافة: صوت البرلمان، بشكل مضاد لإرادة الشعب، تأييداً لزيادة ضريبة القيمة المضافة 10%. ومن ضمن الذين صوتوا رفضاً لهذا القانون عضوين في كتلة تقدم بينما امتنع الثالث. هذه خطوة جيدة وسيقدرها الشعب. لكن هل يكفي التصويت ضد هذا القانون؟ لا يقدس الاشتراكيون البرلمانات مهما كانت ديموقراطية، إذ إنهم يسعون إلى استبدالها بالمجالس الشعبية (أو ما يُعرف باسم الكوميونات أو السوفيتات). لكن لما كان التقدمي فاقداً لبرنامج اشتراكي، ولما كان برنامجه السياسي مُصمم لتكون استراتيجيته التكتيكية دفاعية على الدوام، تجده لم يخطر على باله أن يعمق التناقض البرلماني هذا ولم يخطر على باله أن يلجأ إلى الشعب (أيّ، لتعميق التناقضات).

إن قضية الضريبة المضافة هي المحورية، حقيقة أنه تم تجاوز هذه القضية كمجرد مسألة ”تصويت ديموقراطي“ هو خطأ تكتيكي وسياسي خطير سندفع ثمنه الباهض في السنوات القادمة؛ هذه حقيقة لن يستطيع أي أحد أن يجادلني عليها، ما لم كان بورجوازياً متخفياً تحت عباءة متمركسة.

هذا مثال، ويبين بوضوح الأخطاء التكتيكية الناتجة مباشرة عن طبيعة البرنامج السياسي. في مثل الوقت، على العكس من المتطرفين، والطفوليين، ومراهقي السياسة، الذين دائماً في انتظار الوقت المناسب للهجوم ولا يؤمنون بشيء سواه، الذين تراهم يسخرون من كُل عاقل يدعو إلى الدفاع، لا بد من الاعتراف بأن كُل شيء يعتمد على الظروف الموضوعية التي تُمكن هذا التكتيك وتستبعد التكتيك الآخر. إن الذين لا يؤمنون بالتراجع، في الوقت الذي يلزم التراجع، خاسرون حتماً. هذا ايضاً يعتمد على صحة وصلابة البرنامج السياسي.

(3) البرنامج السياسي. يطرح البرنامج السياسي المطالب النهائية والهدف النهائي للتنظيم نفسه، ايّ الخلاصة النظرية العلمية المادية للتاريخ. كما أنه يطرح الشكل العام الذي يؤدي إلى هذا الهدف النهائي. اقترحتُ في مقالتي (يسارنا بحاجة إلى ثورة ثقافية) بأن يعبر كل مطلب في البرنامج السياسي عن مطلب مصغر ونهائي في مثل الوقت، وهكذا لا يتضمن أي مطالب إصلاحية بحد ذاتها دون أن تؤدي إلى استنتاج نهائي بضرورة تجاوز الرأسمالية. كما قلت بإن كُل مطلب اقتصادي عليه أن يكون سياسياً في مثل الوقت. إن واجب البرنامج السياسي تحديد طبيعة نمط الإنتاج الطاغي في البنية الاجتماعية، كما عليه أن يحدد بوضوح طبيعة نمط الإنتاج الذي يهدف إليه. هكذا، يُحدد البرنامج السياسي الشكل الحقيقي للصراع الطبقي في المجتمع والأطراف المشاركة فيه. وهذا طبعاً كُله مفقود في البرنامج الحالي.

المؤتمر العام ل”التقدمي” قادم، وها نحن ذا أمام طريقين. بلا شك، من الممكن أن أكون قد بالغت في تقدير اشتراكية رفاقنا. لعلها لم تعد تثير اهتمامهم، ولعلهم بحاجة إلى وعي اشتراكي أولاً؛ فالبرنامج الاشتراكي هو الذي يحدث وعياً اشتراكياً عند الجماهير، ولكن البرنامج الاشتراكي هو نتيجة الوعي الاشتراكي لأعضاء أي تنظيم. المؤتمر العام قادم ونتائجه ستبين بوضوح كُل هذه التساؤلات، ولكن نحن أمام حقيقة واحدة في كل الأحوال: إما يبقى التنظيم بورجوازياً صغيراً (ولا بأس بذلك، إن كان صادراً عن قناعة لكن عليه أن يعترف بذلك) وإما أن يكون تنظيماً اشتراكياً حقيقياً. هذا هو فعلاً النداء الأخير. النرد سيرمى وسننتظر.  


[1] دعنا لا ننسى بأن التناقض الرئيس هذا دائماً متحدد من قِبل التناقض الأساسي، وهو يكمن دائماً (بشكل ثابت) في التناقض ما بين البورجوازية الكولونيالية والبروليتاريا.