بنيّة الدولة السوفيتية  1 – 2 [مقتطفات]

0
67

جون ريد

ترجمة وإعداد: هشام عقيل

[كان جون ريد صحفياً أمريكياً، وُلد في أوريغون عام 1887 وتوفي في جمهورية روسيا السوفيتية عام 1920. شارك ريد الثورة الروسية في 1917 وكان أحد مؤيدي البلاشفة. ألف أهم كُتبه التي تشهد على وقائع ثورة أكتوبر (عشرة أيام هزت العالم). نرفق هنا مقتطفات من مقالته (بنيّة الدولة السوفيتية) التي نشرها في مجلة (The Liberator) في 1918، والتي أصبحت تابعة للحزب الشيوعي الأمريكي فيما بعد. أحد الأسباب التي تدفعنا لترجمة بعض الوقائع التي كتب عنها ريد حول بنية الدولة السوفيتية هو ضرورة التفرقة بين الاشتراكية العلمية التي تدعو إلى إلغاء المُلكية الخاصة، والدولة، والطبقات، والتي تدعو إلى استبدال البرلمان البورجوازي بالمجالس الشعبية (كما هو واضح في طبيعة الاشتراكية السوفيتية)، وبين الاشتراكية الإصلاحية التي تؤمن بدولة ”الشعب كله“، ونظام العدالة والمساواة، ومعها الكثير من الهراء اليوتوبي والأوهام التي يقع فيها بعض الذين يسمون أنفسهم ”اشتراكيين“.]

الدولة السوفيتية

يُنتخب النواب من كُل أنحاء روسيا للمؤتمر السوفيتي الروسي-الشامل مرتين كل عام على الأقل. نظرياً، يُنتخب هؤلاء النواب عبر إنتخابات شعبية مباشرة: فمن المحافظات، نائب واحد لكل 125 ألف من الناخبين. أما من المدن، نائب واحد لكل 25 ألف. لكن عملياً، يُنتخبون عادة من قِبل المحافظات وسوفييتات [مجالس] المدن. من الممكن أن تعقد جلسة استثنائية للمؤتمر في أي وقت، إن جرى الإتفاق عليها من قبل اللجنة التنفيذية المركزية الروسية – الشاملة أو إن طالبت بها السوفيتات في حال مثلت ثلث الشعب العامل في روسيا.

يلتقي هذا الجسم السياسي، الذي يتضمن ما يقارب ألفي نائب، في العاصمة كسوفيت شامل؛ وهناك يتمّ العمل على قرارات تخص السياسات القومية. ينتخب هذا الجسم لجنة تنفيذية مركزية، كاللجنة التنفيذية المركزية التابعة لسوفيت بيتروغراد، وهذا بدوره يدعو النواب من كُل اللجان المركزية التابعة لكل المنظمات الديموقراطية.

هذه اللجنة المركزية التنفيذية الجامعة هي أشبه ببرلمان الجمهورية الروسية. وتتضمن ما يقارب 350 شخص. وتعد السلطة العليا في المؤتمرات الروسية؛ ولكن لا يُمكنها أن تعمل خارج الحدود الموضوعة لها من قِبل المؤتمر السابق، وعليها أن تنفذ بشكل صارم كُل مسؤولياتها حتى المؤتمر القادم.

على سبيل المثال، يُمكن للجنة التنفيذية المركزية أن تأمر، وهذا ما حصل في الواقع، بأن يتم التوقيع على معاهدة سلام مع ألمانيا. ولكن لا يُمكنها أن تلزم روسيا بهذه المعاهدة إلا بعدما يصدق عليها المؤتمر الروسي-الشامل، إذ إنه الوحيد الذي له السلطة للقيام بذلك.

تنتخب اللجنة المركزية التنفيذية من اعضائها 11 قوميساراً [مفوضاً] ليكونوا رؤساء لجان مسؤولة في مختلف الجهات الحكومية؛ بدلاً من الوزراء، كما كان عليه الوضع في السابق. يُمكن إقالة هؤلاء القوميسارات في أي وقت، إذ إنهم يرجعون إلى اللجنة التنفيذية المركزية. ينتخب القوميسارات رئيساً؛ ومنذ أن تأسست الحكومة السوفيتية كان هذا الرئيس هو نيقولاي لينين. لنفترض بأن قيادة لينين لم تكن مُرضية، يُمكن إقالة لينين  في أي وقت عبر مندوبي أو نواب الشعب الروسي، أو في بضعة اسابيع مباشرة عبر الشعب الروسي نفسه.

إن الوظيفة الرئيسية للسوفيتات هي الدفاع عن، وتقوية، الثورة. إنها تعبر عن الإرادة السياسية للجماهير، لا في المؤتمرات الروسية-الشاملة وحسب، ايّ الأمة كلها، بل في محافظاتها الخاصة، ايّ في الأماكن التي تطغي فيها سلطتها. يرجع وجود اللامركزية هذه إلى حقيقة أن السوفيتات المحلية هي التي تؤسس الحكومة المركزية لا العكس. لكن رغم الاستقلالية المحلية، تعتبر قرارات اللجنة التنفيذية المركزية، ومعها أوامر القوميسارات، شاملة على البلد كله. وذلك لأن في ظل الجمهورية السوفيتية لا توجد أي مصالح فردية أو جزئية منفصلة؛ وبالتالي، قضية الثورة هي سيان في كُل مكان.

الرقابة العمالية

تتحكم الدولة بالصناعة (ايّ، العمل والإنتاج) عبر هيئة تسمى بمجلس الرقابة العمالية. هذا الجسم المركزي، ومقره في العاصمة، يتكون من نواب تم إنتخابهم من قِبل المجالس المحلية للرقابة العمالية، وهي بدورها مكونة من لجان المصانع، ومسؤولي النقابة الاحترافية، والمهندسين التقنيين والخبراء. تدير لجنة تنفيذية مركزية معينة شؤون كُل محافظة، المكونة من العمال، ولكن الغالبية تتكون من عمال من مقاطعات اخرى، وذلك كي لا تكون قراراتها منحازة بفعل مصالح جزئية مختلفة.

… ويتبع مجلس الرقابة العمالية ما يسمى بغرفة التأمينات. فالعمال مؤمنون ضد العطالة، والمرض، والشيخوخة، والموت. كُل الاشتراكات مدفوعة من قِبل صاحب العمل نفسه؛ سواء أكان صاحب عمل فردي أو الدولة نفسها. أما التعويضات التي تسدد للعامل فهي دائماً المبلغ الكامل لأجره. ( يتبع في العدد القادم).