بات من البـديهي اليوم على الجهات المعنية بالثقافة لاسيما الرسمية، تطوير آليات عملها من الناحية التنظيمية والعملانية والفاعلية كي تكون قادرة على مواجهة مختلف تحديات الواقـع، ضمن هذه التحديات تسارع وتيرة التطـور وطـرح الأفكار الحديثة والتي تنتهجـها دول مجلس التعاون .
ولنا في إمارة الشارقة خير مثال على المستوى الثقافي والحضاري الذي وصلت إليه بقيادة الدكتور سلطان القاسمي، نجح هذا القائـد والمفكر والأديب في جعل الشارقة الرئـة الثقافية التي تتنفس منها دولة الامارات العربية المتحدة ، بل والخليج بلا مبالغـة ، كل هذا كان نتيجـة المبادرات الخلاقة التي أطلقها سموه .
لسنا في وارد المقارنة ما الذي يوجد في الشارقة والذي يغيب عنا أو لم نصل إليه بعد، المعنى الذي نرمي إليه يندرج في صوابية التخطيط الحضاري الممنهج إبتغاء النهوض بالإنسان أولا قبل الحجـر. هيئة الثقافة مطالبة اليوم بوضع خطط طويلة الأمـد في أكثر من اتجاه إبتغاء خلق حراك تطوري حقيقي يتجاوز الحالة الاحتفالية إلى تنفيذ الفعل على الأرض .
مهم هنا الاستثمار في قـدرات الكاتب والفنان والمثقف البحريني، فمملكة البحرين بحاجة إلى صالات مسرحية، على أقل تقدير صالة مسرحية لكل محافظـة، مكتبة عامـة لكل مدينة، مـركز ثقافي شامل هنا وهناك. مقترحات كهذه ستخلق حراكاً ثقافياً يعمل على تنشيـط الفعل الثقافي وبذات الوقت يكون رافعـة حضارية تستثمر في قدرات وإمكانيات العنصر البشري المحلي وهو ما ينبغي التركيز عليه في الأعوام القادمة، إعطاء الأولوية للعنصر المحلي، لا أقصد هنا من حديثي أن نحيد عن تلاقحنا الحضاري مع بقيّة ثقافات العالم من حولنا، ولكن مهم جداً أن وضع الخطط التنموية والثقافية تولي العنصر البحريني وتتوجه له بوصلتها في مجمل استراتيجياتها لا أن تركنه على الهامش ويصبح “تكملة عـدد ” في الأعراس والمهرجانات الثقافية كما يحصل من سنوات ولحد الآن!
نحن في حاجة لأفكار ثقافية جديدة تركز على إبراز الطاقات المحلية الثقافية وتمكينها لتتصدر المشهد بالشكل الذي يليق بعطائها. فالوطن حينما يكرم ابنائه وبناته في أي مجال إنما يكرم ذاتــه كمحصلة نهائية ترفع من الروح المعنوية وترفع الهمم، كم من أديب وفنان ومثقف رحل عن دنيانا ولم ينل حقـه من التقديـر، اكتفينا برثائـه وإسباغ الألقاب المجانية عليـه لكن في التوقيت الضائع؟!
تطوير الثقافة يتطلب تحديث بنيتها التحتية وخططها البرامجية والوصول إلى أكبر شريحة مجتمعية ممكنة، ما المانع من توقيع مذكرات تفاهم ديبلوماسية تركز على الاستفادة من تجارب الدول العربية الشقيقة في التطوير الثقافي ؟ ما المانع من تأسيس معهد عالي للفنون المسرحية للارتقاء بفن المسرح والدراما في مملكة البحرين؟
لماذا لا نؤسس نواة مهرجان أدبي يبرز إبداعية الشاعر البحريني للعالم على غـرار شاعر المليون في دولة الامارات العربية المتحدة؟ لماذا لا يكون هناك يوم في كل عام نخصصـه تقديراً وتكريماً للكاتب البحريني ؟ بحيث يعطى الأولوية في الاحتفاء به وبمنجزه واعتباره سفيرا ثقافياً لوطنه فوق العادة يحمل جواز سفرٍ خاص به يليق بمكانته المائزة تماماً كما هو ساري المفعول في السلك الديبلوماسي؟
ثمة الكثير من الأفكار والخطط يمكن الحديث بشأنها والتوسع في طرحها لكن من المهم قبل أي شيء أن تكون هناك إرادة صادقة من الجهات المعنية بالثقافة فعليها تقع المسؤولية، ولنكن منصفين هنا أن تطوير الثقافة في مملكة البحرين هو في حقيقة الأمر عبء حضاري وتحدي لابد من أن ينهض بأحماله ومشقاته ومسؤولياته كل الجهات الثقافية الفاعلة على الساحة المحلية، وزارة شؤون الشباب والرياضة، وزارة الإعلام، هيئة الثقافة، أسرة الأدباء والكتاب، المسارح والجمعيات الأهلية ..إلخ من جهات تضع الثقافة في صلب أهدافها وتوجهاتها.
ومواجهة متطلبات مرحلة التطوير التي نتحدث عنها تحتاج منا إلى عقد مؤتمر وطني تدعى إليه الجهات التي ذكرناها آنفا إبتغاء التباحث وطرح أوراق عمل ممنهجـة والنقاش المتبادل، كل هذا بلا شك سيتمخض عنه في نهاية المطاف الوصول إلى استراتيجيـة وطنية شاملة مع توصيات خطـة طريقٍ واضحة المعالم، تساعد المشرع القانوني المحلي والحكومة على قراءة الوضع الثقافي في مملكة البحرين قراءة واقعية وموضوعيـة تساهم في ترشيد الانفاق الثقافي والتحكم في الهدر المالي إن وجد، كذلك الاستثمار البشري وتحسين منتجنا الثقافي الذي نقدمه للعالم وغير ذلك الكثير من المنافع التي ستتحقق فقط إذا ما قررنا وضع خطواتنا الأولى على الطـريق، سيكون هذا أكثر جدوى من الاستعانة بدكاكين الاستشارة الغربية التي تبيع استشاراتها لنا وتستنزف ملايين الدنانير بدون تحقيق النجاح المأمول في قراءة ما تحتاجـه ساحتنا المحلية فعـليــاً.