يُقصد بشيطنة الآخر، اتهام المختلف في الدين أو العرق أو الفكر بالإجرام والشر، والنظر إليه بدونية وازدراء واستعلاء أخلاقي وثقافي وحضاري. شيطنة الآخر لا تصدر فقط من الأنظمة الحاكمة التي تملك القوة بمختلف أشكالها، بل تصدر أيضاً من سلطة الدين والمجتمع بمؤسساتهِ المختلفة.
قبل أيام قليلة تم منع امرأة مسلمة تلبس الحجاب من ممارسة عملها داخل مجمع تجاري في دولة لبنان، بذريعة أن وجودها بالحجاب يتنافى مع قوانين المؤسسة. المنطق الذي تستند عليه هذه المؤسسة، ينص على عدم إبراز أي شعار ديني أو حزبي أو سياسي لأي فئة. غير أن من الواضح تطبيقه على هذه المرأة يتناقض مع مبادئ الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بحرية الدين والرأي والمعتقد. إن منع هذه السيدة اللبنانية من مزاولة عملها وقطع رزقها للباسها، لهو شكل من أشكال شيطنة الآخر والإضرار به.
أما في البحرين فتواجه جمعية دينية ثقافية حملة شعواء على وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، والسبب اختلافها مع الرأي الديني الشيعي السائد. يغلب على هذه الحملة كيل الاتهامات، بانحرافهم عن العقيدة وتحريف كلام الله ونصرتهم للباطل وبعدهم عن الحق. فالاتهامات هنا لا تنتقد الأفكار الأساسية لهذه الجماعة، من قبيل رفعهم لشعار “تمكين الأمة” عبر إثراء العقل العربي والمسلم، وإحياء تراث الأمة المغيب، وغربلة التراث العربي، وتصفية ثقافة الأمة من معوقات نهضتها.
بعيداً عما تطرحه جمعية التجديد – التي لا أنتمي إليها- عندما اشتد الهجوم عليها بصورة قمعية وخطرة على شخوصها، تدخل الحقوقي نبيل رجب بكتابة عدة تغريدات في “تويتر” تؤكد على ضرورة التزام الجميع بمبدأ حرية الرأي والتعبير واحترام الآخر، وعدم استخدام لغة السخرية والكراهية والعنف تجاه الآخر المختلف. غير أن الرد على نبيل رجب كان بالاستخفاف من تغريداته واتهامه بمحاباة وتأييد هذه الجماعة.
مآلات شيطنة الآخر، عادةً ما تؤدي إلى تكوين العقل القمعي الجمعي، وتقود العامة للاعتداء على الآخر المشيطَن دون أن يكون بينه وبين الآخر علاقة غير ما سمعه من خطاب تحشيدي ضده، كما فعل قاتل فرج فودة مثلاً حين سألوه هل قرأت فرج فودة؟ قال لا ولكنه كافر.
أخطر أشكال شيطنة الآخر حين تمارسه سلطة الدولة تجاه معارضيها ومن تختلف معهم، فتهم كالإرهاب والخيانة للوطن وشق الصف تكون جاهزة على الدوام. والأخطر من ذلك عندما تعمل الدول الكبرى على شيطنة الدول الصغرى لتحقيق مصالحها الجشعة، فتفرض عليها المضايقات السياسية لعزلها، والعقوبات الاقتصادية لتجويعها، وربما ضربها عسكرياً لإذلالها وإخضاعها.
ما نحتاجه أولاً، هو الاعتراف بالآخر المختلف معنا في الدين أو العرق أو الرأي والفكر، ما دام هذا الآخر لا يتجاوز الشرعة الدولية لحقوق الإنسان أو يعبث بأمن الناس وسلامتهم. وثانياً نحتاج إلى أن تسود دائماً بين الأفراد والمجتمعات والدول لغة الحوار والتسامح، بدلاً من لغة الاستبداد والكراهية التي تؤدي حتماً إلى الصراعات وسفك الدماء وقتل الأرواح لبني الإنسان.