الحرب والسلام

0
257

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، والقضاء على النازية الألمانية والفاشية الإيطالية والعسكرية اليابانية  بانتصار الحلفاء في الحرب، برز الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى في العالم لدوره البطولي والعسكري في الحرب حيث قدم لوحده أكثر من ثمانية وعشرين مليون شهيدٍ من أكثر خمسين مليون قتلى الحرب، غير ملايين الجرحى والمفقودين والدمار والخراب الذي طال العديد من المدن والمناطق السوفياتية، وبرزت إلى جانبه دول المنظومة الاشتراكية في شرق أوروبا، فانقسم  العالم إلى قطبين، قطب تقوده الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية مقابل القطب الآخر بقيادة الاتحاد السوفياتي، دول المنظومة الاشتراكية (أوروبا الشرقية) عُرفا فيما بعد بالقطبين الاشتراكي  والرأسمالي.

 وفي الصراع الدائر فيما بينهما الذي عُرف ب (الحرب الباردة)، تأسَّس حلف الناتو العسكري في عام 1949 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من دول أوروبا الغربية، وبالمقابل تأسَّس حلف وارسو في عام 1955 بقيادة الاتحاد السوفياتي وحلفائه من دول أوروبا الشرقية، منظمة معاهدة وارسو، عرفت “بمعاهدة الصداقة والتعاون والمعونة المشتركة بين الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية من أوروبا الشرقية تم توقيع المعاهدة في وارسو عاصمة بولندا لهذا عُرفت بمعاهدة أو حلف وارسو.

برز الحلفان في العالم  واستمر الصراع فيما بينهما في مناطق النفوذ حول العالم وكانت معظم الحروب بالوكالة عن هذا الحلف أو ذاك، ولم يصل الوضع إلى حرب شاملة أو حرب عالمية ثالثة التي ستكون بالتأكيد حرباً نووية مدمرة، فإذا نشبت لن تسلم منها أي دولة بسبب التداخل مابين الدول والمناطق ووجود القواعد العسكرية حول العالم وبالأخص منها الأمريكية .

استمرت الحرب الباردة حوالي 45 سنة بين النظامَين الرأسمالي والاشتراكي ولم تحدث حرب عالمية بينهما، الحدث البارز كان أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا،  حي1961، حيث حبس العالم أنفاسه وبعد حل الأزمة بين القطبين تنفس العالم الصعداء بسحب الصواريخ السوفياتية وتوقف الاعتداء على كوبا من قبل الإمبريالية الأمريكية .

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية، توحدت ألمانيا عام 1990، وكان يفترض بأن يكون الوضع العالمي مختلفاً عما كان عليه في السابق، فقد انتهت حقبة تاريخية ومنظومة سياسية وفكرية وعسكرية موحدة، ثم جاء الإعلان عن حل حلف وارسو الذي لم يعد له وجود، ورفع الزعماء الأمريكيون  والأوروبيون نخب الانتصار على الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية بدون حرب أو دماء.

 نصل إلى صلب موضوعنا ونتساءل  لماذا لم يُحل حلف الناتو  العسكري بعد حل حلف وارسو في فبراير من عام 1991؟.  الجوابَ واضحٌ وهو بقاؤه كيَدٍ طولى للإمبريالية الأمريكية لفرض إرادتها وهيمنتها على أي دولة مستقلة لا تروق للسياسة الأمريكية وهذا ماتقوم به حالياً في أكثر من بقعة من بقاع العالم، ومايجرى  في أوكرانيا وقصة غزو روسيا لها، فلم يكتفِ حلف الناتو بضمِّ  دول البلطيق الثلاث “لاتفيا، إستونيا، ليتوانيا” السوفياتية السابقة في عضويته ومحاولة إدخال جورجيا السوفياتية، والآن إدخال أوكرانيا في الحلف لمحاصرة روسيا وجرِّها للتورط في الحرب وفرض العقوبات عليها  والضغط على ألمانيا لعدم مواصلة الاتفاق معها بشأن الغاز والذي يعمق من أواصر العلاقات مابين ألمانيا وروسيا في ظل المصالح الاقتصادية المتبادلة، هذه العلاقة واحدة  من أسباب التوتر والهستيريا الأمريكية تجاه روسيا، الإعلام الأمريكي والأوروبي يعملان بشكل كبير على بثِّ الإشاعات والأكاذيب في العالم بأن أوكرانيا مستهدفةٌ من روسيا لتهيئة الرأي العام العالمي ضد روسيا لغزوها  أوكرانيا، سبب آخر لتصعيد الصراع مع روسيا من قبل الإمبريالية الأمريكية لتبعد الأنظار عن الوضع الاقتصادي المتفاقم في الداخل الأمريكي، ووعود الرئيس الأمريكي جو بايدن للناخبين قبل فوزه بتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، فلم يحدث أي تغيير، وتبخرت كل الآمال والتطلعات، وتدنت شعبية بايدن في آخر استطلاعات للرأي، لهذا يطبق سياسة  الهروب إلى الأمام، بخلق صراعات وإشكاليات مع دول وجهات لا تروق للإمبريالية الأمريكية، على جري السياسة الأمريكية التي تدار من سدنة البيت الأبيض، فلا يهمها ما يحدث  من كوارث وحروب وأزمات للبلدان والشعوب، فالمهم بالنسبة لها هو مصالحها تحت ذريعة الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي وليذهب العالم إلى الجحيم، وفي هذا يدخل  هدف الإمبريالية الأمريكية الاستراتيجي تفكيك روسيا الاتحادية  وأضعافها، فهي لا تريد عالماً بأقطاب متعددة في العالم، وهذا ينطبق على موقفها من الصين.

ستبقى الإمبريالية الأمريكية داعية حرب وبعيدة عن السلام العالمي وعن القيم والمبادئ الإنسانية ، فهي تعيش وتحيا على الحروب وخلق الأزمات بين الدول والشعوب.