[مقتطفات]
جون ريد
ترجمة وإعداد: هشام عقيل
[كان جون ريد صحفياً أمريكياً، وُلد في أوريغون عام 1887 وتوفي في جمهورية روسيا السوفيتية عام 1920. شارك ريد الثورة الروسية في 1917 وكان أحد مؤيدي البلاشفة. ألفّ أهمّ كُتبه التي تشهد على وقائع ثورة أكتوبر (عشرة أيام هزت العالم). نرفق هنا مقتطفات من مقالته (بنية الدولة السوفيتية) التي نشرها في مجلة (The Liberator) في 1918، والتي أصبحت تابعة للحزب الشيوعي الأمريكي فيما بعد.
أحد الأسباب التي تدفعنا لترجمة بعض الوقائع التي كتب عنها ريد حول بنية الدولة السوفيتية هو ضرورة التفرقة بين الاشتراكية العلمية التي تدعو إلى إلغاء المُلكية الخاصة، والدولة، والطبقات، والتي تدعو إلى استبدال البرلمان البورجوازي بالمجالس الشعبية (كما هو واضح في طبيعة الاشتراكية السوفيتية)، وبين الاشتراكية الإصلاحية التي تؤمن بدولة ”الشعب كله“، ونظام العدالة والمساواة، ومعها الكثير من الهراء اليوتوبي والأوهام التي يقع فيها بعض الذين يسمون أنفسهم ”اشتراكيين“.]
لجان المصانع
أحد الأمثلة الدالة على كيف يُمكن للجماهير أن تعمل بتعاون دون أي رؤوساء عمل، هي الحادثة التي تدور حول 200 ألف بود [poods] من الفحم، حيث أخذت من مخابئ الأسطول الحربي البلطيقي في ديسمبر، وسلمت من لجان البحارة لمصانع بيتروغراد؛ في وقت شح الفحم.
حادثة اخرى: كانت معامل أوبخوف تنتج حديداً وفولاذاً، وتزود البحرية بمنتجات تحتاج إليها. كان رئيس لجنة أوبخوف يدعى بيتروفسكي، وهو أناركي معروف هنا. في أحد الأيام، قال مراقب العمال في قطاع الطوربيدات لبيتروفسكي بأن القطاع سيغلق بفعل استحالة الحصول على أنابيب صغيرة المستعملة في إنتاج الطوربيدات. تنتج هذه الأنابيب في مصنع موجود مقابل النهر، وتم الاتفاق مع المصنع هذا قبل ثلاثة أشهر. إن أُغلق قطاع الطوربيدات، فهذا سيعني بأن 400 رجل سيفقد عمله.
قال بيتروفسكي: ”سأتدبر أمر الأنابيب“. بعدها توجه مباشرة إلى مصنع الأنابيب، وبدلاً من استدعاء مدير المصنع التقى فوراً برئيس اللجنة الصناعية المحلية. فقال: ”يا رفيق، إن لم نحصل على الأنابيب في ظرف يومين، سيتم إغلاق قطاع الطوربيدات وسيفقد 400 عامل وظيفته“. تفقد الرئيس سجلات المصنع، واكتشف بأن ثلاث منشآت خاصة في المنطقة ارسلت طلباً لآلاف من الأنابيب. وهكذا، ذهب الاثنان إلى هذه المنشآت الثلاث واستدعوا رؤوساء اللجنة الصناعية. اكتشفا بأنه لم يحتاج مصنعين منها إلى هذه الأنابيب بشكل فوري؛ وفي اليوم التالي تم تسليم هذه الأنابيب إلى معامل أوبخوف ولم يغلق قطاع الطوربيدات.
حادثة اخرى: كان في نوفغرود مصنع للنسيج. في بداية الثورة قال مالك المصنع لنفسه: ”يا لها من مصيبة! كيف سنكسب الأرباح في ظل ثورة مثل هذه؟ لنغلق هذا المصنع حتى تهدأ الأمور“. وهكذا أغلق المالك المصنع، ورحل من بيتروغراد مع الكميائيين، والمهندسين، والمدير. في صباح اليوم التالي، افتتح العمال المصنع.
الآن لا يُمكننا أن ننكر بأن العمال كانوا أكثر جهلاً من باقي العمال، إذ إنهم لم يعرفوا شيئاً عن العمليات التقنية للتصنيع، ولا المحاسبة، ولا الإدارة، ولا البيع. لكنهم انتخبوا لجنة صناعية، وحالما وجدوا عدداً معيناً من الوقود والمواد الخام شرعوا في العمل على إنتاج القماش القطني.
لكنهم لم يعرفوا ما يُمكن عمله مع الأقمشة القطنية بعد إنتاجها، وبالتالي في البداية حصروا أعمالهم في الحدود التي تمكنوا عبرها من إعالة أنفسهم وأسرهم. ولكن فيما بعد، حين اكتشفوا بأن بعض المغازل كانت غير صالحة أرسلوا مندوباً لمصنع مكائن قريب منهم ليسألهم إن كان بإمكانهم أن يزودوهم بمكائن بمقابل الأقمشة القطنية. وحالما ابرموا هذه الصفقة، اتفقوا مع التعاونية المحلية في المدينة على تزويدها بالأقمشة في مقابل الأكل. حتى إنهم وسعوا تبادلهم هذا إلى تبادل الأقمشة بالوقود مع عمال مناجم الفحم في خاركوف ونقابة سكة الحديد للنقليات.
ولكن انتهى الأمر بهم بإغراق السوق المحلية بالقماش القطني، وواوجهوا معضلة عدم قدرتهم على مجاراة الريع. لا ننسى بأن هذا حدث في ظل الحكومة الإنتقالية، حيث لا يزال ملاك الأراضي موجودين. على الريع أن يُسدد نقدياً، وبالتالي ارسلوا القطن، في عهدة أحد رجال اللجنة، عبر القطار إلى موسكو. حين وصل عضو اللجنة المحطة، توجه إلى الشارع نحو متجر حياكة وسأل الخياط ما إذا كان بحاجة إلى أقمشة قطنية. قال الخياط: ”كم معك؟“. رد عليه عضو اللجنة: ”القطار كله ممتلئ بالأقمشة!“. فقال الخياط: ”كم السعر؟“، وأجابه عضو اللجنة: ”أنا لا اعلم، كم تدفع للأقمشة عادة؟“
اشترى الخياط الأقمشة بسعر زهيد، وعضو اللجنة الذي لم يرَ هذا الكم من المال في حياته من قبل عاد إلى نوفغورد سعيداً.