ضد سيناريوهات يوم القيامة: ما العمل الآن؟

0
34

بقلم: محرر مجلة Monthly Review

ترجمة: غريب عوض

اُجريت هذهِ المقابلة مع John Bellamy Foster في أوائل شهر أكتوبر وظهرت لأول مرة في عدد نوفمبر 2021 من مجلة Irish Marxist Review تحت عنوان “حالة الطوارئ الكوكبية”: ما العمل الآن؟ تم تكييفهِ للنشر هُنا.

John and Owen: هل ما زال هناك وقت لتجنب الكارثة؟ هل لديك أي أمل في أن القوى الحالية والنظام الحالي سيكونان قادرين على تجنب كارثة تغيّر المناخ الجامح؟ هل سيحاولون بجدية؟ بعض الناس يمنحون الرئيس جو بايدن قدراً مُعيّناً من الأئتمان للتحرك في الإتجاه الصحيح، فما رأيك؟

John B. Foster: نحنُ الآن في موقف، كما قد أشرت، حيثُ لا يمكننا أن نطلق عليه سوى التطورات الكارثية المُرتبطة بعبور حدود الكواكب (أي تغيّر المناخ، وتدهور التنوع البيولوجي، وتحمض المحيطات، وتهطيل دورات النيتروجين والفوسفور، وإزالة الغطاء الأرضي، وفقدان المياه العذبة، والتلوث الكيميائي، وما إلى ذلك) أمرٌ لا مفر منهُ. إن جائحة COVID-19 هي في حد ذاتها مظهر من مظاهر تدمير البيئة من خلال الأعمال التجارية الزراعية، والتي لا بد أن تخلق أمراضاً حيوانية جديدة تنتقل من الحيوان إلى الإنسان، تنتقل عن طريق دوائر رأس المال. ولكن تغيّر المناخ يُمثّل في الوقت الحاضر أخطر مشاكلنا بسبب السرعة التي يتطور بها وطابعه الذي لا رجوع فيه، وغالباً ما يتم تشبيهه بنقطة تحول تؤدي إلى حافة مُنحدر (بقدر ما قد يكره البعض الإستعارة مثل Michael Mann). نحنُ في وضع خطير. ولكن لا زال بإمكاننا تجنب مثل هذهِ المأساة، عواقب لا رجعة فيها، قد تكون مدمرة للبشرية، إذا تم إتخاذ تدابير اجتماعية كافية، مما يسمح لنا بالتوقف عما حدده العُلماء كنقطة تحول مناخية (يُعتقد عادةً الآن أنها تتطلب البقاء أقل 1.5 درجة مئوية، أو على الأكثر أقل من 2 درجتين مئوية، على الرغم من أن هذا غير دقيق بطبيعتهِ).

ولكن يكون هذا مُمكناً فقط، كما يخبرنا الجزء الثالث المُسرب من تقرير التقييم السادس (غير المُقرر للنشر حتى آذار/مارس، ثم في شكل مُنقح)، حول “التخفيف”، إذا كُنا على استعداد لإجراء تغيير هيكلي أساسي. وكما يُخبرنا التقرير أيضاً، عند هذهِ النقطة سنحتاج إلى تغيير “جانب الطلب” بشكل كبير في المُعادلة، أي مقدار وهيكل ما يتم إنتاجهِ واستهلاكه، بما في ذلك التحول إلى مسارات منخفضة من الطاقة، بدلاً من الإعتماد ببساطة على التحديث البيئي الهائل لأنظمة الطاقة، أقل من التقنيات الجديدة غير الموجودة على نطاق واسع. الوقت قصير جداً لدرجة أن استراتيجيات جانب الطلب، التي تتطلب تحدي نظام الإنتاج الحالي، هي التغييرات الوحيدة التي يمكن إجراؤها بسرعة كافية وعلى النطاق المطلوب.

في رأيي، إن أفضل تشبيه تاريخي للوضع العالمي الراهن هو الفترة الخاصة لكوبا التي أعقبت إنهيار الإتحاد السوفيتي. مرة واحدة في أوائل التسعينيات، كان على كوبا الإستغناء عن مدخلات الوقود الأحفوري الضخمة (والمدخلات البتروكيماوية) من الأتحاد السوفيتي الذي يعتمد عليه اقتصادها. ولِحسن الحظ، كما يشرح لنا عالَم الأحياء الديالكتيكي Richard Levins، لقد شهِدت كوبا نمواً في العلوم البيئية في شكل “عُلماء البيئة عن طريق الإقتناع” بقدرات غير عادية، ثم أنضم إليهم في الفترة الخاصة “عُلماء البيئة بالضرورة”. على الرغم من الحِصار الأمريكي، كانت كوبا قادرة على توفير احتياجاتها الزراعية الأساسية وإعادة بناء اقتصادها على اساس الزراعة العضوية وتطوير العلوم البيئية الإشتراكية، مما أدى إلى إنشاء مجتمع أفضل. وهذا يعني بالطبع زيادة الضغط على السكان بسبب الضغوط الخارجية التي كانوا يتعرضون لها وفقدان الموارد الخارجية القادمة من الكتلة الشرقية السابقة. لكن كوبا نجحت إلى حد كبير، في عملية تحويل نفسها إلى أكثر دولة بيئية على وجه الأرض (وفقاً لتقرير الكوكب الحي)، بينما تحمي بل وتزيد من جودة تنميتها البشرية. للأسف، نجاح كوبا هو الذي دفع واشنطن في السنوات الأخيرة إلى تشديد الحِصار باستخدام أساليب الحرب المالية. لكن لا شيء من هذا ينتقص من عمق الإنجاز الذي حققتهُ كوبا.

الحقيقة الصعبة هي أننا بالفعل، بسبب استمرار تدمير البيئة الكوكبية من قِبَل الأقتصاد الرأسمالي العالمي، نواجه ظروفاً بيئية مُتدهورة، والتي، في السيناريو الأكثر تفاؤلاً للهيئة الحكومية العالمية المعنية بتغيّر المناخ، ستستمر في التدهور هذا القرن. على سبيل المثال، ليس هناك أي أمل اطلاقاً في إمكانية تغيير ارتفاع مُستوى سطح البحر (على الرغم من إمكانية تقليله) في هذا القرن. سوف يستمر في الإرتفاع حتى نهاية القرن، وربما لألف عام اعتماداً على ما نقوم بهِ ومتى. يمكن قول الشيء نفسه عن العواصف الضخمة، والتصحر (الغبار المُتراكم)، والعديد من المشاكل الأُخرى التي تواجهنا. ويجب أن تكون أولويتنا الأولى خفض كمية انبعاثات الكربون باسرع وقت ممكن، هو ما يعنيه الآن في الدول الغنية بأرقام مُضاعفة سنوياً. وهذا سيتطلب تعبئة المجتمع بكامله والسيطرة على إنتاج الشرِكات. كما سيتطلب أيضاً تخطيطاً بيئياً إجتماعياً. قد يبدو هذا مُتطرفاً جداً أو مِثالياً للغاية، لكن مثل هذهِ الفئات لا تنطبق عندما نكون في خضم حالة طوارئ كوكبية، والتي تَعِدُ بأن تكون خطيرة للغاية (أو أسوأ) للبشرية ككل، وتُهدد جميع الأجيال الحالية والمستقبلية.

في البدايات الأولى للحقبة البيئية، في مُنتصف سبعينيات القرن الماضي، كَتَبَ عالِم الإجتماع الماركسي Charles H. Anderson كِتاباً بعنوان “عِلم إجتماع البقاء: المشاكل الإجتماعية للنمو”، تناول فيه تغيّر المناخ، والإمبريالية البيئية، وضخامة المشكلة البيئية، بِحجة أن البشرية بحاجة إلى ثورة بيئية إذا كان لها البقاء على قيد الحياة. اختفى الكتاب بمجرد أن تم نشره تقريباً، ولم يُحظ إلا بقليل من الإهتمام عند اليسار. Anderson الذي كان يائِساً بشكل واضح، إنتحر بعد فترة وجيزة. ولكن إذا كان هناك مفكر عِلم اجتماع واحد اقترب من الواقع برؤية لما كانت الأرض تواجهه مُنذُ نصف قرن، فهو هو. كان الرجل واضحاً حينما قال، بأن المجتمع يجب أن يتغيّر على كل المستويات، وأن الرأسمالية والإمبريالية يجب أن يتم تجاوزهما من خلال حركة نحو الإشتراكية، وإلا فإن الإنسانية لن تنجو، تماماً هذا ما يخبرنا بهِ العِلم اليوم.

حتى هذهِ اللحظة، كان تركيز الحركة البيئية – الإشتراكية محقاً على التخفيف، على أمل أن نتمكن ببساطة من تجنب الكارثة. لكن الوضع تغيّر الآن، ويجب علينا الدخول في الصراع على متن طائرتين في وقت واحد. لايتعيّن علينا فقط اتخاذ تلك الإجراءات لضمان بقاء الحضارة والإنسانية، ولكن نحتاج أيضاً إلى اتخاذ تدابير لحماية السكان في الوقت الحاضر، لأن الكارثة، بشكل أو بآخر، أصبحت الآن على عتبة أبوابنا. بالنسبة للإشتراكيين البيئيين، فإن هذا أقل تناقضاً من بالنسبة للآخرين. إنهُ تحديداً التركيز على كلٌ من المُساواة الموضوعية والإستدامة البيئية، أي النِضال من أجل التنمية البشرية المُستدامة من منظور يعود إلى حجج ماركس Marx في القرن التاسع عشر، التي تُحدد الحركة البيئية الإشتراكية. وهو في نفس الوقت صراعاً على الحاضر بإعتبارهِ التاريخ والمستقبل كتاريخ، والذي يتطلب بشكل أساسي نفس الإجراءات في مواجهة المخاطر الهائلة لعصرنا. ومهما حدث، هناك إجابة واحدة فقط في القرن الحادي والعشرين، وهي إنشاء اشتراكية بيئية تهدف إلى التنمية المستدامة للبشرية جمعاء. من الواضح أن هذا لن يحدث في كل مكان دفعة واحدة، لكنهُ سيظهر في جيوب ثم يتوسع، بينما يواجه حتماً اتجاهات ثورية مُضادة، تنبثق من مراكز الإمبريالية ورأس المال الإحتكاري المالي.

John and Owen: في كِتابك “عودة الطبيعة”، أوضحت إن التفكير البيئي له جذور عميقة في التقليد الماركسي. هل ترى أن تغيّر المناخ هو التعبير النهائي عن الصدع الأيضي (عملية البناء والهدم داخل الخلية) الذي صاغهُ ماركس لأول مرة؟

John B. Foster: كانت فكرة ماركس عن الصدع الأيضي (أو “الصدع الذي لايمكن إصلاحه في عملية الأيض الإجتماعي المُترابطة” للبشرية والطبيعة) اعترافاً بالوساطة المُنفردة بين “التمثيل الغذائي الإجتماعي” الرأسمالي و”التمثيل الغذائي العالمي للطبيعة”. شرح ماركس هذا في الأصل من حيث استنفاد التُربة، حيثُ تم إرسال المُغذيات الكيميائية مثل النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم إلى المراكز الحضرية الجديدة للثورة الصناعية، حيثُ ساهموا في التلوث، ولم يعودوا أبداً إلى التُربة. كانت هذهِ ظاهره التي أسماها ماركس نظام السِرقة، متبعاً الكيميائي الألماني Justus von Liebig، مرتبطة بالزراعة الصناعية الرأسمالية. الأيض، الذي ظهر لأول مرة كمفهوم في أوائل القرن التاسع عشر بين عُلماء فسيولوجيا الخلية، سُرعان ما تم دمجه مع الديناميكا الحرارية في الفيزياء وكان من المُقرر أن يظهر كأساس لجميع النُظُم البيئية. الطبيب والعالِم Roland Daniels، الذي كرّسَ لهُ ماركس كتابهِ بؤس الفلسفة، أول من قدم ماركس لمفهوم التمثيل الغذائي واستخدمهُ بالمعنى البيئي الواسع، مُشدداً على الأعتماد المُتبادَل للحياة والترباط بين العضوي وغير العضوي. ثم بنى ماركس على هذا في كتاباتهِ التي بدأت في خمسينيات القرن التاسع عشر، مُستخدماً إياها لِمُعالجة المسألة الأكبر المُتعلِقة بالطبقة التحتية وكيف يرتبط ذلك بتدفقات المواد، في سياق رأسمالي، ثم طوّر فيما بعد مفهوم الصدع الأيضي (عملية البناء والهدم داخل الخلية) المُستند جزئياً على كيمياء التُربة عند Justus von Liebig. إنهُ مفهوم الصدع الأيضي الذي أصبح أساس تحليل النظام البيئي ثم تحليل نظام الأرض. من الجدير بالذِكر أن أعظم مُنظري الأزمة البيئية في إنجلترا، في الجيل الذي أعقب تشارلز داروين، كان عالِم الأحياء E. Ray Lankester، وهو صديق مُقرب لماركس (وصي داروين و توماس هكسلي). كان Arthur G. Tansley مؤسس عِلم البيئة النباتية البريطانية (الإشتراكي على الطريقة الفابية) وتلميذ Lankester، هو الذي قدم المفهوم المادي للنظام البيئي، مُتأثراً بِعالِم الرياضيات الماركسي Hyman Levy.

حققق Brett Clark and Richard York اختراقاً نظرياً كبيراً في مقال عن “الكربون الإيضي” في النظرية والمجتمع في عام 2005 (أُعيد طبعهُ لاحقاً في كِتابنا المُشتَرَك الإنشقاق البيئي 2010)، حيثُ طبقا تحليل الإنشقاق الأيضي لماركس على مشكلة تغيّر المناخ. ثم أفضى هذا إلى مجموعة واسعة النِطاق (ولا تزال في تزايد) من التطبيقات للإسلوب الماركسي للتعامل مع المشاكل البيئية، مُكوناً نقداً إجتماعياً – بيولوجي مُتكامل. ومع ذلك، أودُ أن أتردد في القول إن تغيّر المناخ هو “التعبير النهائي عن الصدع الأيضي (عملية البناء والهدم داخل الخلية)” لأن تغيّر المناخ، في الواقع، هو واحد فقط من حدود الكوكب التي يتم عبورها حالياً في محيط البشرية، مما يُحدد حدود الأرض كمكان آمن للبشرية. كلُ من هذهِ الحدود يتم تجاوزها حالياً (مثل فقدان التنوع البيولوجي وتعطيل دورات النيتروجين والفوسفور)، نتيجة للتغيّر البشري، تُمثل حالة طوارئ لنظام الأرض للبشرية. القاسم المُشترك بينهم جميعاً هو نمو التراكم الرأسمالي. في الواقع، تم تعريف أزمة محيط البشرية في العِلم على أنها “صدع بشري، إنشقاق بشري” في الدورات البيولوجية الجغرافية الكيميائية لنظام الأرض.

إن كتاب “عودة الطبيعة”، يتجاوز كتابي المُبكر “البيئة عند ماركس”، فهو يروي قِصة كيف لعب الأشتراكيون أدواراً قيادية – حتى الأدوار القيادية – في تطوير نقد إيكولوجي تطوري، بُناءً على نظرية التطور لِداروين، ومادية ماركس، وديالكتيك الطبيعة لفريدريك إنجلز، مما أدى إلى ظهور تحليل الأنظمة الديالكتيكية المُتجذرة في عمليات التمثيل الغذائي ومفهوم الظهور. وتمتد القصة من ممات كُلٍ من دارون وماركس في عام 1882-83 إلى الحركة البيئية الحديثة، تُركّز بشكل خاص، ضمن العِلم في بريطانيا، على Lankester، و Tansley، و H. G. Wells، و J. B. S. Haldane، و J. D. Bernal، و Joseph Needham، و Lancelot Hogben، و Levy. تداخلت هذهِ التطورات في العلوم مع المسار الجمالي والثقافي المُرتبط بِعِلم البيئة داخل الماركسية في الجُزُر البريطانية، بُناءً على الرومانسيين الراديكاليين، في أعمال شخصيات مثل William Morris، و Christopher Caudwell، و George Thomson، و Benjamin Farmington. والكثير من هؤلاء المفكرين تتبعوا نفس مسار تطور ماركس فيما يتعلق بالمادية، إمتد من أبيقور إلى الديالكتيك المادي والمفاهيم الراديكالية للعِلم، والتي غالباً ما تعامل ماركس معها بشكل مُترادف مع الديالكتيك. هذا الإرث البيئي المادي التاريخي النقدي على وجه التحديد، لأنهُ رئ الإيكولوجيا (عِلم البيئة) مُنذُ البداية على أنها ديالكتيكية ومُتشابِكة مع المجتمع، أمرٌ بالغ الأهمية لتطوّر نقدنا المُعاصِر.

John and Owen: هل لديك أي توقعات بشأن مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ عام 2021 (مؤتمر الأطراف 26) ؟ ماذا تعتقد أن المؤتمر سيفعل ؟

John B Foster: ليس لديه أية توقعات حقيقية بشأن COP26 مؤتمر الأطراف 26، بالنظر إلى الخبرة السابقة. في عام 2002، فيما عُرِفَ بقمة الأرض الثانية (القمة الدولية حول التنمية المُستدامة) في جنوب أفريقيا، أشرتُ إلى أنهُ على الرغم من بدء عملية بروتوكول كيوتو Kyoto، إلا أن الأقتصادات الرأسمالية المُتقدمة كانت تزيد انبعاثات الكربون لديها، ولا تقللها (هذا يمكن العثور عليهِ في كتابي “الثورة البيئية”). ساعدت القِمم المناخية المختلفة في الحِفاظ على الأمل حياً، ولكن بالكاد. وقد تم إعادة نفس النمط مِراراً وتكراراً. نحنُ الآن نصل إلى النقطة الحاسمة. حدسي هو أن مؤتمر الأطراف 26 سيتحرك نحو البقاء دون 2 درجة مئوية نظراً لعدم وجود إدعاء فيما يتعلق بالبقاء أقل من 1.5 درجة مئوية بعد الآن دون الإعتراف بأنهُ، بالفعل، “رمز أحمر للبشرية”. تقدم عُلماء المناخ في جامعة واشنطن بِدِراسة مؤخراً تقول أنهُ إذا تعهدت دول العالم بخفض انبعاثاتها بنسبة 1.8 في المائة سنوياً بدلاً من 1 في المائة (وهو لن تفعله بالطبع على أيةُ حال)، فستكون هناك فرصة 50-50 (حسب الحظ) للحد من التسخين العالمي إلى أقل من 2 درجة مئوية. أعتقد أن هذا خُداع، ولكنه من النوع الذي قد يُمسك بهِ قادة العالم المزعومون من أجل التظاهر بأنهم يستطيعون فعل شيء ما وسيفعلونه، دون الإضطرار إلى الوعد كثيراً. إذن بإمكانهم بعد ذلك القول إنهم أنقذوا العالم من خلال مجرد وعودهم.

ومع ذلك، فمن المُمكن دائماً، على الرغم من أنهُ يبدو غير مُرجّح في هذهِ المرحلة، أن شيئاً ما سيُغيّر هذا الأمر. من المُتصوّر أن الصين، بدورها الداخلي والخارجي الدولي، سوف تتخذ خطوة حاسمة، أو ستقرص الصين والولايات المتحدة أيدي بعضهما البعض. ربما سيكون هناك انقاسم في قمة النظام بين عناصر الطبقة الرأسمالية الحاكمة والمستويات الداعمة لها، بالنظر إلى الخطر على البشرية جمعاء، وانفصالها. وبالنتيجة، بدأت الثورة الفرنسية عام 1789 في قمتها بثورة الطبقة الأرستقراطية ضد المَلَكية، ثم انتشرت في موجات ثورية مُتتالية، كُلٌ منها قَلَبَ النظام، إلى بقية المجتمع. يُمكننا أن نرى انفجاراً صادراً عن الإنسانية، أشعلهُ عود ثقاب في مكان ما.

ولكن صراحةً، لا أرى أياً من هذا يحدث فيما يتعلق بمؤتمر غلاسكو نفسه، والذي من المحتمل أن يتميّز، للأسف، بما وصفتهُ الناشطة البيئية الشابة Greta Thunberg بـ “بلاه بلاه” وبعض الإحتجاجات الهامة. سيحدث الفعل الكبير، كما حدث في كوبينهايغن في عام 2009، حينما يُدرِك العالم بأنهم “قد تم بيعهم عبر النهر” (المُصطلح الذي ظهر بالمُصادفة في تجارة الرقيق في الولايات المتحدة ويبدو مُناسباً تماماً فيما يتعلق بالمُصادرة الحالية لكوكب الأرض). على الأرجح، سيكون مؤتمر الأطراف26 فشلاً كبيراً وسيتعيّن على الناس في كل مكان أن يُقرِروا ما يجب عليهم فعله. من المحتمل أن يكون هناك المزيد من الحديث حول كيفية تقديم المُساعدة الدولية للبلدان الأكثر عرضة للخطر، مثل جُزُر العالم الصغيرة المُنخفضة. من غير المُرجّح أن يتحقق أي منها. يبدو أنهُ يتشكل ليكون خيانة أُخرى، والتي ستقع بالطبع بشكل أساسي على أُولئك الذين يتوقعون الخروج من هذا القرن، وخاصةً على أولئك الأكثر ضُعفاً.

John and Owen: هناك عددٌ من المُناقشات داخل الحركة ومن بين البيئيين الإشتراكيين. (1) هل يجب أن نتحدث عن عصر التأثير البشري أم عن عصر حُرية رأس المال؟ (2) هل ينبغي أن يدعو الإشتراكيون البيئيون إلى تخفيض النمو، وإذا كان الأمرُ كذلك، فماذا عن التنمية في جزء العالم الجنوبي؟ (3) هل تعتقد أنهُ من المُجدي الحديث عن “حقوق الطبيعة”؟ (4) هل حان الوقت للقيام بأعمال تخريبية و/أو أعمال العُنف، مثل “تفجير أنابيب النفط”؟ ما رأيك في أي من هذهِ الأسئلة أو جميعها؟

John B. Foster: هذا يتطلب الكثير من الأسئلة والنقاشات دَفعة واحدة. سأحاول الإجابة عليها بإيجاز، على التوالي.

(1) عصر التأثير البشري هو مفهوم علمي دقيق تماماً، وهو جزء من مقياس الوقت الجيولوجي، وهو أحد الإنجازات العظيمة للعِلم الحديث. إنهُ يُشيرُ إلى القوى البشرية (عبر المجتمع) هي الآن العوامل الرئيسية في تغيير نظام الأرض. لاشك في هذا، ولا توجد إمكانية لهذا التغيير بأي حال من الأحوال مع استمرار الحضارة الصناعية. حتى لو كانت الرأسمالية ستزول، وكان على الإشتراكية أن تحل محلها، فإننا سنظل في عصر التأثير البشري. لا يوجد تغيير في هذا دون تعريض الحضارة الإنسانية والوجود البشري للخطر. في الواقع، تدفع الرأسمالية العالم الآن نحو حدث إنقراض البشرية (وربما حدث الإنقراض الرُباعي)، والذي سينتهي فيه التأثير البشري على الأرض بتدمير الحضارة الإنسانية نفسها، جنباً إلى جنب مع أنواع أُخرى لا حصر لها. وبهذا المعنى، المُصطلح “عصر الإجتياح الرأسمالي” هو مُجرد خطأ تصنيفي يتجاهل نتائج العِلم الطبيعي ويُمثل عدم الرغبة في مواجهة حقيقة الحقبة الجيولوجية الجديدة التي نعيش فيها الآن.

عند الإقتراب من هذا بشكل أكثر واقعية، يمكننا القول أنهُ بينما، رسمياً، نعيش حالياً في عصر Holocene (العصر الحديث) في الزمن الجيولوجي، الذي يمتد إلى ما يُقارب 11,700 عام، في الحقيقة نحنُ نعيش الآن في حقبة التأثير البشري غير الرسمي الذي لا يزال يمثل عوامل بشرية المنشأ الآن كونها القوى السائدة في تغيير نظام الأرض. ويرتبط هذا ارتباطاً وثيقاً بتاريخ البشرية عندما يتعلق الأمر بالعصور الجيولوجية، التي تتداخل مع العصور الجيولوجية. من وجهة النظر هذهِ، نحنُ نعيش اليوم رسمياً في حقبة الميغالايان من عصر Holocene (العصر الحديث)، حيث يعود تاريخها إلى حوالي 4200 عام وغالباً ما يرتبط بالإنهيار الحضاري المُبكر بسبب تغيّر المناخ (على الرغم من أن هذا موضع خلاف في المجتمع العلمي). تُعتبر حقبة الميغالايان آخر عصر جيولوجي في عصر ال Holocene. ومن ثم، فقد جادلنا أنا و Clark، بِصِفَتُنا عُلماء إجتماع بيئي مُتخصصين، مؤخراً (في مجلة Monthly Review عدد سبتمبر) إنهُ بحلول حقبة التأثير البشري، دخلنا عصراً جيولوجياً جديداً، العصر الأول من حقبة التأثير البشري، التي بدأت في نهاية الحرب العالمية الثانية مع حقبة التأثير البشري نفسها. نحنُ نقترح تسمية هذا العصر الجيولوجي الجديد ((Capitalinian Aage العصر الرأسمالي لأنهُ يُشيرُ إلى النقطة التي بدأت عندها الراسمالية المُعولمة، التي ظهرت كقوة جيولوجية تُهدد الكوكب نفسه، في تعطيل نظام الأرض بأكمله. في النهاية، تواجه البشرية الآن أما يحدث نهاية إنقراض التأثير البشري، من الناحية الجيولوجية، يتطور من الرأسمالية (في العصر التاريخي لرأسمالية الكارثة)، أو أننا سنجد طريقة لإنشاء مجتمع مع كوكب الأرض، والذي سوف يتطلب مجتمعاً من الإستدامة البيئية والمُساواة الموضوعية (الإشتراكية البيئية)، والدخول في عصر جيولوجي جديد: ما نسميه أنا و Clark “العصر الشيوعي”. تكمن قيمة هذا الإطار في أنهُ يُخبِرُنا بالضبط ما هي الخسائر. وهكذا نواجه في حقبة التأثير البشري والعصر الرأسمالي مناخاً عظيماً يتطلب إيجاد عالَمٌ يتسم بالتطور المُشترك مع نظام الأرض أو العصر الشيوعي وإلا لن نبقى على قيد الحياة. وبهذهِ الطريقة، بإمكاننا أن نفهم العلاقة ما بين تاريخ الإنسان والتاريخ البيئي كما يُقدم نفسهُ في زماننا هذا.

(2) إذا كان خفض النمو يعني أنهُ يتعيّن علينا تقليل تأثيرنا على نظام كوكب الأرض؛ إن الأقل هو أكثر كما يُجادل Jason Hickel في كِتابهِ؛ إن التراكم الأسي لرأس المال على نطاق عالمي لا يمكن أن يحدث في نظام أرضي محدود؛ إننا يجب أن نتحرك نحو اقتصاد حالة مُستقرة (مع انخفاض الوزن الإقتصادي مُقارنة بالحاضر) الذي يُعزز التنمية البشرية المُستدامة؛ إننا بحاجة إلى اقتصاد إشتراكي مُخطط بشكل ديمقراطي يُركز على حلول الطاقة المُنخفضة ويُقلل من الهدر والدمار؛ إن العالم يجب أن يتحرك نحو مُستويات مُتساوية لنصيب الفرد من استخدام الطاقة، قريباً من مستوى إيطاليا اليوم (ويسمح للدول الفقيرة باللحاق بالركب)؛ إنهُ يتعيّن علينا التأكيد على المجتمع بدلاً من على الإنتاج السلعي، نعم، عندها، أنا اُؤيد فكرة “تراجع النمو”، على الرغم من ذلك مع بعض التحفظات. إنهُ يُمسِكُ بجانباً أساسياً من المشكلة. لم يعُد نمط النمو الرأسمالي مُمكناً.

ومع ذلك، إن مفهوم خفض النمو في حد ذاتهِ يواجه مشاكل فيما يتعلق بالطريقة التي نختار بِها صياغة استراتيجيتنا. فهو ببساطة إنعِكاس لمفهوم “النمو”، وهو أقوى استعارة للنظام الحالي، تم تقديمه بعد الحرب العالمية الثانية لتمثيل الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي. هُنا النمو ببساطة هو دفتر الأُستاذ المُحاسبي المُهيمن، القائم على مسك الدفاتر الرأسمالية المُزدوجة، والذي تم رفعه إلى المُستوى الوطني. إنهُ يعني أي شيء (الإنفاق الحربي، الجريمة، إنتاج الوقود الأحفوري، حُسن التصرف في النفايات النووية، المنتجات التي يمكن التخلص منها على الفور) المُساهمة في “القيمة المُضافة”. ويشمل كل شيء يمرُ من خلال السوق، مهما كانت طبيعة السِلعة المُعيّنة، وبصرف النظر عن تبذيرها، وهدمها، وعدم عقلانيتها، وعدم المُساواة، والأستغلال، والمُصادرة المُتضمنة فيه. إذا قطع المرء أشجار غابة، وهو من الناحية الرأسمالية هي ملايين الأقدام من ألواح الأخشاب الواقفة، فإن ذلك يُعتبر نمواً. ومن المُفارقات أن نمو غابات الأمازون نفسها لن يُشكّل “نمواً”. في الواقع، يتم تدمير الأمازون اليوم بإسم التطور الرأسمالي.

لكن أن نقول، إذن، إن ما نُروج لهُ كبديل هو “خفض النمو”، والذي يعكس فقط هذا المفهوم المُشوه للنمو، ويُخاطر بمُضاعفة الإرتباك، ومُعاملة المشكلة البيئية على أنها مُجرد مسئلة مقياس. ثم يتمُ اختزال المسئلة إلى جوانبها الكمية، وليس لها علاقة بالضرورة بالقضايا الكمية والعلاقات الإجتماعية وما إلى ذلك. ويبدو الأمر كما لو أنهُ يُمكننا المُضي قُدُماً كما نحنُ، ولكننا بشكل أصغر فقط، وبالتالي نُمسِكٌ بِبُعداً واحداً فقط من المُشكلة. بينما، في الواقع، فإن القضية الأساسية هي طبيعة نظام التراكم نفسه، والآثار البيئية المُدمِرة التي لا يمكن اختزالها في مجرد مسئلة حجم. (بالطبع، يُدرك هذا أكثر مُنظري خفض النمو فطنةً ويدمجون الإهتمامات النوعية في تحليلاتهم.) كما أننا نواجه المشكلة التي يُجادل فيها بعض مُنظري خفض النمو، مثل الإقتصادي الفرنسي Serge Latouche، بأن خفض النمو مُتوافق مع الرأسمالية، كما لو أن الرأسمالية ليست نظاماً لتراكم رأس المال إلى ما لا نهاية. لقد تجنب بعض مُنظري خفض النمو أيضاً قضية التنمية المطلوبة في جزء كبير من جنوب الكرة الأرضية، والتي لا يمكن أن يُطلب منها التقليل من النمو. بشكل عام، يُعتبر مفهوم خفض النمو مُفيداً في إنشاء المُؤشِرات الضرورية. ولكن القضية الحقيقية هي النظام الإجتماعي.نفسه. وأمامنا أيضاً مشكلة مواجهة مفهوم موطن للنمو من خلال قلبهِ رأساً على عقب، مما ينتج عنهُ صعوبات حقيقية في بناء مفهوم شائع. لقد حاول بعض مُنظِري النُظُم البيئية مثل Howard Odum التغلُب على هذا بواسطة معالجة قضية “طريق مُزدهر إلى الأسفل”. غير أن، في اعتقادي، أن الإجابة الحقيقة الوحيدة، هي جعل الإشتراكية البيئية هي المحور الأساسي بدلاً من خفض النمو.

المشكلة الأساسية هي أننا نعيشُ في “مجتمع تراكمي”، كما أسماه الماركسي الفرنسي Henri Lefebvre. ما نحتاجهُ ليس رؤية شاملة لخفض النمو بقدر ما هي رؤية شاملة لنزع التراكم. إن الرأسمالية خَطِرة على البيئة ليس لأنها ببساطة تنمو، إنما بسبب أسلوب نموها (التراكم بأي ثمن)، الشيء الذي يُضاعف المخاطر على البيئة وعلى الإنسان فوق سطح الأرض. تم تسليط الضوء على هذهِ المسألة في مقالتي (المُدرجة في الصدع البيئي) بعنوان “القانون العام المُطْلق للتدهور البيئي في ظل الرأسمالية”.

ومع ذلك، فإن فكرة خفض النمو تحدثُ فجوة في أيديولوجية النمو الراسمالي، وهو أمرٌ أساسي. النمو الهائل، وفوق كلُ شيء، التراكم الرأسمالي، يُدمّر الآن في الواقع أكثر مما يخلقه في العالم الحقيقي، ويُدمر الكوكب بإعتبارهِ موطناً للبشرية. علاوة على ذلك، في السنوات الأخيرة، لعب مُنظِرو خفض النمو دوراً رائداً في تطوير ستراتيجيات الطاقة المنخفضة للتعامل مع تغيّر المناخ. وهكذا، تتم الإشارة إلى عمل Hickel (مع أعمال المؤلف السويدي Andreas Malm وآخرون) في الجزء الثالث المُسرب من التقرير السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ وهو يُشيرُ إلى إمكانية وجود استراتيجيات منخفضة الطاقة، يُنظر إليها على أنها الأمل الرئيس الآن للبقاء دون زيادة 1.5 درجة مئوية في متوسط درجة الحرارة العالمية، وكتقديم الحجج فيما يتعلق بعدم إستدامة الرأسمالية.

(3) لا أعتقد أنهُ من المنطقي التحدث عن “حقوق الطبيعة”، فقط لأن الطبيعة من المحتمل أن تخسر في أي منظور من هذا القبيل، كما تفعل البشرية اليوم. ترتبط الحقوق السياسية (الطريقة الرئيسية التي نُشيرُ بِها إلى الحقوق في المجتمع الرأسمالي) بكونها جزءاً من النظام السياسي، بناءً على فكرة نوع من العقد الإجتماعي الأولي (مفهوم قدمهُ الفيلسوف اليوناني Epicurus أبيقور لأول مرة في العصور القديمة)، أو من كونها جزءاً من نظام دستوري تم إنشاؤه بوعي. في نمط الإنتاج الرأسمالي، يتم اختزال الحق، بهذا المعنى، بشكل أساسي في حق المُلكية القائم على مفهوم السِلعة، الذي يُشكّل أساس النظام القانوني باكمله. هناك أيضاً مفهوم أخلاقي للحق الطبيعي يتم تصوره بطُرُق مُختلفة ومنفصلة عن الحقوق المشتقة سياسياً. هذا المفهوم أكثر إرباكاً لأنهُ محذوف من مفهوم العقد الإجتماعي. هُنا، إذا كُنا نتحدث عن العدالة، كما جادل أبيقور، ووافق ماركس على ذلك، المفهوم الأساسي للعدالة هو المُعاملة بالمثل، بالإضافة إلى الأعتراف بأن فكرتنا عن العدالة يجب أن تتغيّر جنباً إلى جنب التغييرات في علاقاتنا واحتياجاتنا. هُنا بإمكاننا التحدث عن الحاجة، في علاقة المعاملة بالمثل، للحفاظ على الأرض وإعادة إنتاجها، وكيف تتطوّر هذهِ الحاجة مع التاريخ. ينبغي علينا أن نُدرك علاقتنا الحسية والجمالية بالطبيعة، حقيقة أن البشر أنفسهم جزء من الطبيعة، والتي نتعامل معها بطريقة حسية ومادية، وهو أمرٌ أصر عليهِ ماركس مِراراً وتِكراراً. أكد العالِم والفيلسوف الأمريكي Aldo Leopold، من منظور مُختلف، ولكنهُ تحدى تسليع الطبيعة (جعلها سِلعة)، على الحاجة إلى توسعة إحساسنا بالمجتمع ليشمل الطبيعة. يجب أن يكون لدينا إحساس بالقيمة الجوهرية للطبيعة، كقيمة الحياة نفسها، والعلاقة الجمالية بالطبيعة، المُستمدة من هذا الإحساس الأكبر بالإنتماء إلى الأرض.

كما قال ماركس، نحنُ مُرتبطون بالطبيعة ليس من خلال الإنتاج فقط، ولكن من خلال مفاهيم الجمال لدينا. وبالطبع، ينبغي أن يكون لدينا نوع من الإحساس الوِقائي “لحقوق الحيوان”، لمنع الإساةء إليها في مجتمع سِلعي رأسمالي. وبصرف النظر عن عبودية البشر، ليس هناك شيء أسوء من اختزال الحيوانات غير البشرية إلى مُجرد آلات بلا أرواح، كما فعل الفيلسوف الفرنسي Rene Descartes رينيه ديكارت. في الحقيقة، انتقد ماركس مُباشرةً فلسفة ديكارت الميكانيكية على خفضها مرتبة الحيوانات غير البشرية من مُساعدين للبشر، كما في العصور الوسطى، إلى مُجرد أشياء ميكانيكية للمجتمع البرجوازي. كما جادل أبيقور (وكرر ماركس)، علينا أن نعيش بطريقة تجعل العالم، أي الطبيعة، “صديقنا”. إن مُحاولة مُعالجة كل هذا من منظور مفهوم بُرجوازي للحقوق تخلط الأمور، لأن القضية الحقيقية هي مدى وطبيعة مجتمعنا مع الأرض، مع الحيوانات غير البشرية، ومع بعضنا البعض.

(4) أياً كان ما قد يظنهُ المرء في موقفهِ الخاص الذي ينبع من وجهة نظر مفادها أننا يجب أن نكون مُستعدين الآن للنظر في استخدام جميع الوسائل اللازمة لإنقاذ الأرض كموطن للبشرية، فإن Malm قد قدم معروفاً للحركة في كيفية تفجير خط أنابيب نفط (عمل أكثر منطقية مما يوحي بهِ عنوانه الأستفزازي)، من خلال إثارة بعض من اصعب القضايا الملموسة للتكتيكات والتشدُد. ويطلب منا Malm تحديداً، الإهتمام بكيف ستستجيب حركة المناخ لِعُنف الإبادة البيئية/قتل كل الوجود بأساليبها الخاصة، بما في ذلك التخريب والعُنف ضد المُمتلكات. من الواضح إن المُفضل في هذهِ الحال هو الإحتجاج غير العنيف للجماهير. ومع ذلك، نحن نعيش ضمن الدولة الرأسمالية، التي تُعرفُ نفسها من خلال نظام قانوني مرجعي ذاتي، مُصَمَم لحماية وإضفاء الشرعية على النظام الإستغلالي القائم، وكما أكد Max Weber (عقد ونصف فقط قبل صعود النظام النازي)، يمنح لنفسه “احتكار الاستخدام المشروع للقوة”. غالباً ما يستجيب لتهديدات لسُلطة قائمة عن طريق استخدام القوة والعُنف، من ضمنها – إن وجِدت الضرورة للمحافظة على نظام المُلكيّة القائم – الأحكام العُرفية/حالة الطوارئ والحرب الأمبريالية، والتي أصبحت اليوم دائمة. هناك جدلية عُنف في كيفية عمل النظام ومن خلاله يُشكّل نفسه.

التخريب sabotage (والتي هي كلمة مُشتقة من كلمة sabot الحذاء الخشبي الفرنسي، ومن العُمال الذين يلقون بالأحذية في الآلات) ستكون بالضرورة جزءاً من ثورة بيئية، وكذلك الهجمات على المُلكيّة الخاصة، بالنظر إلى أن مالكي وسائل الإنتاج (الأثرياء والشرِكات) يدمرون الأرض نفسها لتوسعة ممتلكاتهم المالية. يقتبس Malm من نيلسون مانديلا، في النضال ضد نظام الفصل العُنصري، الذي أعلن فيه: “لقد دعوتُ إلى احتجاج سلمي طالما كان فعالاً‘ “كتكتيك الذي ينبغي تركه حينما لم يعد نافعاً.” يبدو أنهُ لا مفر منه، بالنسبة لي، مع تزايد المخاطر على البشرية، سيتخذ المزيد والمزيد من الناس هذا الموقف العام حتماً، مُدركين أن بقاء الإنسان (وكذلك حُرية الإنسان) يُمثل قضية. كيف يمكن أن يكون غير ذلك، إذا رفض النظام الإستجابة إلى حاجات الإنسان إلى درجة أن بقاء الإنسان يُصبح عِرضة للخطر؟ أعتقد أن الكاتب Kim Stanley Robinson كان واقعياً تماماً في روايتهِ الأخيرة “وزارة للمستقبل” في جعل اللجوء إلى المُقاومة العنيفة من قِبل بعض المجموعات البيئية الثورية جزءاً من المزيج ومُساعدة الناس على وضع فهم مُتعاطف لسبب وكيفية حدوث ذلك، بينما لا يُدافَع عنها في الواقع.

أحد الأمثلة على التكتيك الذي أُؤيدهُ في الوقت الراهن هو تلك الخاصة بمفاتيح الصمامات في أمريكا الشمالية. في 11 تشرين الأول/أكتوبر عام 2016، قام خمسة من نُشطاء المناخ بإغلاق الصمامات على أربع من أنابيب النفط التي تحمل زيت رِمال القُطران من كندا إلى الولايات المتحدة. تم إغلاق 15 في المائة كاملة من واردات النفط الخام الأمريكية لمدة يوم واحد تقريباً. وللتأكد من عدم انتهاك سلامة العمال، تم إجراء مُكالمة للإستجابة الطارئة لكل شركة قبل حوالي خمس عشر دقيقة من دخول النُشطاء إلى المواقع، مما يمنح الشركات مُتسعاً من الوقت لإغلاق كلُ خط أنابيب. وُجِهَت إلى النُشطاء الخمسة اتهامات بإرتكاب جنايات، بما في ذلك التخريب الإجرامي. تولىت الدفاع عنهم Lauren Regan، أحد أبرز محامي الحقوق البيئية والمدنية في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى انها مؤلفهِ في الحقوق المدنية. اعتمدت المحامية Regan ومنظمتها، مجلس الدفاع عن الحريات المدنية، حيثُ أنا عضوٌ في المجلس الإستشاري للمنظمة، بنجاح كبير على استخدام دفاع الضرورة، الذي لم يتم استخدامه لسنوات عديدة في القانون الأمريكي، بحجة أن النُشطاء الخمسة لم يكن لديهم خيار، لأن أفعالهم لم تكمن ضرورية فحسب، بل كانت مُبَرَرَة أخلاقياً وقانونياً من أجل تجنب الأذى الكارثي للإنسانية وجميع أشكال الحياة على الأرض. رفض المحلفون عدة مرات إدانة النُشطاء الخمسة، موافقين مع دفاع الضرورة لديهم.

John and Owen: في رأيك، ما هي المطالب والأهداف والتكتيكات الفورية لحركة المناخ؟

John B. Foster: هذا سؤال كبير جداً. وبما أننا كنا نتحدث قبل قليل عن التكتيكات، فسوف أُركّز على المطالب والأهداف.

من الواضح أن الهدف، على الأقل، ينبغي أن يظل دون أل 1.5 درجة مئوية زيادة في متوسط درجات الحرارة العالمية حتى عام 2040، وهو السيناريو الأكثر تفاؤلاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، والذي سيسمح بعد ذلك، كما هو مأمول، بالعودة إلى 1.4 درجة مئوية زيادة بحلول نهاية القرن أو في القرن المُقبل. هذا، كما تقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ في الجزء الثالث من تقريرها الذي تم تسريبه، يتطلب مواجهه حقيقة أن التغيير الهيكلي الأساسي في النظام الإجتماعي والإقتصادي الحالي ضروري وأن الرأسمالية كنظام ، “غير مُستدامة”، وهُنا، تستشهد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ بشخصيات مثل Jason Hickel و Andreas Malm . إن الأمل الحقيقي الوحيد في السنوات القادمة التالية، يقترح “تقرير التخفيف” الذي تم تسريبه، هو استراتيجيات الطاقة المنخفضة، التي يمكن أن تُقلل من استخدام الطاقة بنسبة 40% في المائة، بينما تعمل في نفس الوقت على تحسين ظروف البشر. إنهُ هذا، وليست التكنولوجيا، التي لايمكن إدخالها الآن بالسرعة الكافية. (تُمثّل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح 7% في المائة فقط من إجمالي استهلاك الطاقة في جميع أنحاء العالم في الوقت الحاضر؛ لا يوجد التقاط الهواء المُباشر والطاقة الحيوية واحتجاز الكاربون وعزلِهِ على نطاق كافٍ مثل التقنيات الحالية؛ لا يمكن للطاقة النووية مع جميع المشاكل المُصاحِبة لها سد الفجوة، ولا ينبغي لها ذلك). يُخبرنا العِلم، أن الإنبعاثات السلبية، ضرورية على أسس تكميلية، إذا أردنا عدم الإخلال بميزانية المناخ، ولكن يمكن تحقيق ذلك عن طريق حراجة مُحسنة، وأساليب الزراعة والتُربة، مثل المحافظة على المادة العضوية في التُربة، دون الهندسة الجيولوجية. في الأساس، تحتاج البشرية إلى إنتقال سريع، ولايمكن أن يحدث هذا إلا من خلال التعبئة الذاتية للسُكان والتغييرات الأساسية في العلاقات الإجتماعية.

مهما كانت الطريقة التي ننظر بها إلى ذلك، هذا معناه ثورة بيئية، تؤثر على العلاقات الإجتماعية، على نطاق يتجاوز أي شيء شهدتهُ البشرية من قبل – وإلا لن تنجح. وكما قال ماركس، حينما تواجه مع مشاكل بيئية حادة في إيرلندا، إنها مسألة “دمار” أو ثورة”. علاوة على ذلك، ينبغي أن يتم وضع العبأ في زمننا مبدئياً على الدول الغنية، نظراً لأنها هي التي استنفدت مُعظم ميزانية الكاربون العالمي، ولديها ثروة أعلى للفرد، وأعلى نصيب للفرد من استهلاك الطاقة، وأعلى بصمة كاربون للفرد، كما أنها احتكرت الكثير من التكنولوجيا. النظام الرأسمالي الأساسي في شمال الكُرة الأرضية هو المسؤول الأول عن مُعظم الزيادة في ثاني أُكسيد الكربون المُتراكم في الغلاف الجوي مُنذُ الثورة الصناعية. اليوم، يتركز الجزء الأكبر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في جميع أنحاء العالم في بضع مئات من الشركات العالمية والإنفاق العسكري. كُلُ هذا يؤكد أن البلدان الرأسمالية الغنية الواقعة في مركز النظام العالمي مَدينة بدين بيئي لبقية العالم. وبالتالي فأنه تتحمل المسؤولية الرئيسية عن حل المشكلة من خلال جعل اقتصاداتها أكثر إنسجاماً مع المُتوسط العالمي لإستهلاك الطاقة. وهذا يتطلّب مُخالفة منطق الرأسمالية من أجل إنقاذ الكوكب كمأوى آمن للبشرية.

الجزء الثالث من تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ الذي تم تسريبه يدعم صراحةً الإضرابات المناخية، والإنتقال العادل، والعدالة البيئية، والحركات الجماهيرية، وحِماية المُستضعفين و”التغيير التحويلي” الأساسي في المجتمع. يقول التقرير، إنهُ لا يمكن تشغيل مصانع جديدة تعمل بالطلاء من الآن فصاعداً؛ وأنهُ يجب القضاء على جميع المصانع الموجودة في غضون عقد من الزمن؛ يجب أن تُزال المرافق الرياضية؛ نحنُ بحاجة إلى “مُدُن جديدة” ليست مُحركات تدمير بيئي؛ يجب توسيع واسائل النقل العام؛ يجب إزالة خطوط الأنابيب؛ يجب أن يبقى الوقود الأحفوري تحت الأرض، والذي أصبح مُمكناً بفضل المسارات مُنخفضة الكربون. نظامنا للإنتاج والإستهلاك بكاملهِ يجب أن يتغيّر وللقيام بذك يجب على الناس تغييره، العمل ضد رغبة الشركات.

ومع ذلك، لم يعُد التخفيف بحد ذانهِ كافياً، لأن الكارِثة أصبحت على أعتابنا في الوقت الراهن، حتى لو كان لا يزال لدينا الوقت لتجنب نقطة اللاعودة إذا تصرفنا بشكل حاسم بما فيه الكفاية وعلى نطاق واسع بما يكفي. تحتاج البشرية إلى تخفيف المشكلة، أي، أن تمنع التسخين العالمي وأن تصل إلى صافي الصفر في انبعاثات الكربون بحلول عام 2050 (صافي الصفر مهم لأنهُ لم يعُد لدينا إمكانية تحقيق أهداف أقل من 1.5 درجة مئوية أو حتى 2 درجة مئوية بدون انبعثات سلبية). ولكننا نواجه أيضاً حقيقة أنهُ، حتى في أكثر السيناريوهات تفؤلاً، فإن الظروف المناخية سوف تسؤ في معظم هذا القرن. ينبغي علينا أن نتصرف من أجل حماية ما أسماه ماركس “سِلسِلة الأجيال البشرية”، إعادة تشكيل المجتمع على أساس اقتصادي اجتماعي – ليس من أجل المستقبل فحسب، ولكن الآن من أجل الحاضر أيضاً. يمكن أن يُساعد هذا قضية الثورة البيئية، يدفع الناس للقيام بالعمل.

John and Owen: كثيراً ما تقول، “الدمار أو الثورة”. كيف ستبدو الثورة برأيك، وكيف يُمكننا ويجب علينا العمل نحو الثورة اليوم؟

John B. Foster: الثورة – كما قال المُنظِر الثقافي Jacob Burckhardt في القرن التاسع عشر – هي “تسريع هائل للتاريخ”. السبيل الوحيد لِمُعالجة اضطراب الرأسمالية للدورات البيئية للكوكب هو مثل التسارع في التاريخ، حيثُ تتعبأ البشرية على أوسع نطاق مُمكن، على أساس بروليتاريا بيئية جديدة، تشمل مجموعة كاملة من الإحتياجات المادية (البيئية والأقتصادية، والإنتاجية والإنجابية)، والتي تهدف إلى التحول الجذري للعلاقات الإجتماعية القائمة وخلق إشتراكية المجتمع البيئي. يجب أن تحدث مثل هذهِ الحركات على مستوى عالمي وعلى مستويات عديدة، مع وجود انقسامات داخل النظام الحالي ليس فقط في القاع، بل وتكسير صرح السُلطة الطبقي بأكمله وهيمنته الأقتصادية السياسية، مما يُعبر عن أن هذهِ أزمة وجودية. ستحتاج في الوقت نفسه إلى أن تكون ثورة ثقافية وبيئية واجتماعية واقتصادية. في كتابي الصادر عام 1994 بعنوان “Vulnerable Planet الكوكب الضعيف”، جادلت في أنه التأثير الأقتصادي على الأرض بسبب الرأسمالية كان يتسارع لدرجة أن الاقتصاد الآن يُنافس الدورات البيئية للكوكب بِأسرهِ. وفي الطبعة الثانية للكتاب، عام 1999، جادلت بأن الإجابة الوحيدة كانت أن نُسرّع التاريخ ونتجاوز نمط الإنتاج الحالي من خلال ثورة اجتماعية بيئية – حتى نتجاوز المجتمع التراكُمي للرأسمالية ونخلق مجتمع مع الأرض. وبقيت القضايا كما كانت، ولكننا نبتعد كثيراً في مسار الحديقة.

قد يبدو كل هذا طابواياً، لكن المعنى السلبي للطوباوية كحلم مِثالي، يُعبر عن المعنى اللاتيني الأصلي للا مكان الذي لعب عليه توماس مور Thomas More، ليس له معنى حقيقي في عصرنا ولا يمكننا تحمل الخوض في مكان خيالي رهيب عندما يُخبرنا الإجماع العلمي العالمي أننا أما نجري تغييراً هيكلياً اجتماعياً جذرياً وسريعاً على أساس عالمي أو الحضارة الصناعية ومستقبل البشرية يتمُ سحقه. لايوجد سوى نضال بشري في بيئة قاسية بشكل مُتزايد، نتاج عصر في حقبة التأثير البشري. البيئة الكوكبية كَكُل تتغيّر بسرعة من حولنا نتيجة للنظام الذي أنشأناه وليس هناك ما هو ثابت. لن تنجو أي من مؤسساتنا الاجتماعية القائمة من الاتجاهات الحالية، والتي، إذا واصلنا المسار الحالي لفترة أطول خلال هذا القرن، فمن المؤكد تقريباً، كما يقترح الإجماع العلمي العالمي، أن نقضي على الحضارة الصناعية نفسها.

تقوم الرأسمالية بشكل سريع بِإحداث تغييرات بيئية أدت بالفعل إلى تهديد الكوكب بإعتبارهِ مكاناً آمناً للبشرية خلال هذا القرن. وتدميرها الإبداعي الشهير يُقوّض الآن الأرض نفسها. لم يتبق خيار سوى الصورة البيئية، مما يعني ببساطة أن الشعوب، بأعدادها اللانِهائية، ستضطر مرة أُخرى إلى أخذ التاريخ بأيديها، في صِراع من المحتمل أن يكون عاصفاً وفوضوياً، ولكنهُ سيكون أيضاً إظهار القوة والإبداع اللامُتناهية للبشرية، مما يُوفر إمكانية نهضة بيئية جديدة. بالطبع، ليس هناك ضمان، بأننا في مثل هذا النِضال سننتصر. قال ماركس ذات مرة إنهُ لم يتم قَط القيام بأي مُحاولة لتغيير تاريخ العالم على اساس الضمانات المعصومة. كلُ ما نعرفهُ على وجه اليقين هو أنهُ مع رؤية أجيال كاملة أن مُستقبلهم قد سُرِق منهم، وأن وجود البشرية مُعرّض للخطر، فمن المُحتم أن يُقاوم مئات الملايين من الناس، إن لم يصِلوا إلى المليارات، مما يؤدي إلى ما سيحدث بلا شك، أن تكون أعظم سِلسلة من الثورات في التاريخ، تحدث في جميع أنحاء الكوكب. ويمكننا أن نرى هذا بالفعل في ثورة المُزارعين في الهند، وأضرابات المناخ المدرسية في أوروبا، والمعركة على (Standing Rock منطقة الهنود الحمر في شمال وجنوب ولاية داكوتا) في أمريكا الشمالية. يُشيرُ هذا إلى بروليتاريا بيئية جديدة، تستجيب للإحتياجات المادية التي هي على قدم المُساواة إقتصادية وبيئية وإنتاجية وتكاثرية. هُناك يكمن أملنا: خلق عصر جيولوجي (وتاريخي) جديد كامل للأرض، الشيوعية.