طيران الخليج.. المهمة الممكنة

0
35

ربما آن أوان الحديث بمسؤولية وجديّة اكبرعن أحوالنا الاقتصادية والمالية والإدارية، خاصة ونحن نعيش أوضاعاً مختلفة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، في ظل جملة من التحوّلات الكبرى محلياً وإقليمياً ودولياً على مختلف الصعد، والتي ترتبط أساساً بما أضحى متعارفاً عليه بحالة الاستقرار الاجتماعي التي تنشدها الشعوب والأوطان في مختلف انحاء العالم، والحاجة، بالتالي، للنظر بشكل أبعد مما هي عليه زاوية الرؤية المتاحة أمامنا حاليا، والتي ربما بسببها عشنا ولازلنا نعيش حالة سكون وطمأنينة خادعة بعض الشيء.

 مناسبة هذا الحديث ربما تستدعي منا النظر في أمور عدّة لا يتسع المجال المتاح هنا للحديث عنها بشكل مسهب وتفصيلي، لذلك سأوجه حديثي هنا حول أوضاع بعض شركاتنا الوطنية الكبرى تحديداً، والتي أضحت بفعل أمور ومسببات عديدة تعاني من أوضاع غير مستقرة ومستقبل غير آمن، وهي اذ تعيش تلك الإرهاصات الضاغطة والحالة غير المسبوقة  بالنسبة لموقعها التنافسي وما يُعوّل عليها أساساً كشركات ومؤسسات وطنية يفترض أنها قد راكمت بحكم عمرها الزمني وتجاربها في النجاح والفشل أن تكون أكثر صلابة وأقوى عوداً بحكم المنطق والممارسة الواقعية في ظروف مختلفة. 

فشركة بعمر وأهمية شركة “طيران الخليج”، هذه الشركة الرائدة ليس فقط بالنسبة لمنطقة الخليج، وإنما حتى علي مستوى الشرق الأوسط أيضاً تحتاج منا جميعاً ان نوليها اهتماماً ورعاية أكبر، ليس لأنها فقط شركة كبرى ولها تاريخ أو بسبب أنها توظف آلاف البحرينيين والأجانب المقيمين على ارض هذا الوطن الجميل، وانما أيضا بسبب أنها شركة يفترض أن يُبنى عليها أساساً توجه الدولة الاقتصادي والتنموي إن شئنا الدقة.

فنحن  في البحرين نعيش على أرض جزيرة أو آورخبيل وفي منطقة جغرافية مهمة وذات موقع جغرافي على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة للمنطقة والعالم، وعلاوة على ذلك فإن اقتصادنا الوطني  ذو الطابع الخدماتي والمعتمد حتى الآن على النفط بدرجة تزيد على ال 85%  رغم ما تتحدث حوله رؤيتنا الاقتصادية والاجتماعية المعلنة عن ضرورة تنويع قاعدتنا الاقتصادية، توخياً لما أحدثه ويحدثه باستمراراعتمادنا الأزلي ومنذ اكتشاف النفط مطلع الثمانينات علي تلك السلعة الناضبة والخاضعة للعرض والطلب من اهتزازات وفترات صعود وهبوط ليس لنا تجاهها أي حيلة.

 إن المنطق والمسؤولية الوطنية تفرض علينا الإهتمام بهذه الشركة الرائدة بل والإصرار على جعلها في صلب أولوياتنا نحو أي اصلاح اقتصادي منتظر، ويجب أن تكون نظرتنا لشركة طيران الخليج ومستقبلها أكبر اتساعا وشمولية مما هو عليه الوضع القائم حالياً، بل وجعلها محوراً يدور حوله بالفعل أي توجه جاد لاقتصادنا الوطني  المتطلع نحو المستقبل مستفيدين من موقعنا الجغرافي والإقليمي لتوظيف كل تلك الخبرات الإدارية والمالية والبشرية التي تكتنز  بها بلادنا، وماوفرته شركة “طيران الخليج” نفسها ومنذ اكثر من ٧٠ عاما من تجارب وخبرات، أثق تماما أنها تستطيع وبشيء من الدعم والالتفاتة الجادة من قبل الحكومة أن تعيد أمجاد ودور تلك الشركة  الرائدة التي أثرت وأثّرت في صناعة الطيران بالمنطقة وساعدت بطرق شتى على انشاء  وتأسيس شركات طيران ناجحة وعملاقة إقليمياً وحتى آسيوياً بفضل ما وفرته من تجارب مادية وبشرية لنا الحق في مملكة البحرين أن نفاخر بها باعتبارنا رواداً في صناعة الطيران في المنطقة.

 ما الذي ينقصنا إذا؟!

باعتقادي انه رغم المديونية المتضخمة لشركة “طيران الخليج”، ورغم التراجعات القائمة إدارياً ومالياً والكثير من وجوه التجاوزات والفساد الذي يعرفه الجميع ومنذ فترات مضت، وبرغم ضبابية المشهد أمام مستقبل الشركة، علاوة على التكلفة المرهقة للدولة في محاولات استعادة  دور شركة طيران الخليج وإستمرارها، إلا أنه بالتأكيد ليس لنا متسع من الخيارات حتى نستمر في الهدر والتجريب على حساب كل ما يحدث من معاناة للشركة والعاملين فيها وللإقتصاد الوطني برمته.

 فطيران الخليج هي ناقلتنا الوطنية  التي تربطنا مع العالم وهي التي تشغّل 70% من عمليات  مطار البحرين الدولي الذي افتتح منذ عام، يجب أن تستمر وتبقى،  ونعمل كل ما نستطيع حكومة ومجتمعاً ومؤسسات ليس فقط  على استمرارها، وانما لإنجاحها وعودتها للربحية واستئناف عملها ودورها الريادي والاقتصادي والوطني بطرق وآساليب إدارية ومالية مبتكرة وناجعة، وعدم الإكتفاء فقط بالتذمر من استمرار تراجعاتها وبالتالي، لا سمح الله، إهدار المزيد من الفرص أمام إعادة بناءها لتكون ضمانة لإقتصادنا.

 “طيران الخليج” تستطيع أن تعود لتحقيق النجاح والتميّز والريادة بالرغم من شراسة المنافسة، وبالرغم من أوضاعها المالية والإدارية المتراجعة، إذا ما اهتدينا أولا لوضع الحلول المبتكرة والجادة عبر حزمة إصلاحات حقيقية يضعها خبراء مجربون، وما أكثرهم لدينا في البحرين التي تعج بتلك الكفاءات وتحتاج فقط أن تعطى الفرصة والرعاية، على أن يوضع لها برنامج فاعل للرقابتين المالية والإدارية وسياسة حازمة تُساءل وتحاسب دوريا وبشكل مستقل عن كل خطوة وتوجه مالي أو إداري، وتوضع لها مؤشرات قياس أداء ولا تخضع أبداً للإرتجال والتنفييع، حتى نضمن وقوف الشركة مجددا بصلابة في سبيل تحقيق النجاحات المنتظرة منها..فلتكن تلك مهمة الحكومة الأولى لإنتشال ناقلتنا الوطنية لتعزيز  موقفها الداعم لإقتصادنا الوطني.