أحمد الخطيب عميد الوطنية الكويتية

0
47

في السادس من مارس الفائت فقدت حركة التحرر الوطني والديمقراطي في الكويت والخليج العربي أحد قاماتها النادرة، ألا هو الدكتور أحمد الخطيب الذي رحل عن عالمنا عن عمر بلغ ال 95 عاماً، وهو  بهذا العمر المديد الذي ناهز قرناً  يُعدّ بحق عميد الحركة الوطنية الكويتية المعاصرة حيث كرّس جُل حياته منذ شبابه اليافع للنضال والتضحية في الدفاع عن حقوق شعبه وشعوب الخليج العربي والامة العربية من أجل الحرية والعدالة والتقدم الإجتماعي ومناهضة الإستبداد.

 كما ناضل بلا هوادة من أجل قضية الشعب العربي الفلسطيني وتحرير وطنه من الإحتلال الاستيطاني الصهيوني المدعوم من الإمبريالية الأمريكية وحلفائها الغربيين، وكان من أبرز المتصدين لموجة التطبيع الخليجية معه، والذين رسخوا بقوة هذا المبدأ الوطني القومي في تربة الكويت العربية وذادوا عن طهرانيتها من دنس العدو، حيث يحق للكويتيين اليوم -شعباً وحكومة- الافتخار بهذا الشرف الوطني القومي الكبير . ولاشك بأن صفحات السيرة الوضاءة لفقيدنا الخطيب هي جزء أصيل من صفحات الحركة الوطنية الكويتية وحركة التحرر الوطني العربية، وهي مصدر إلهام لأجيالنا في الحاضر والمستقبل.  

وبدايةً نسجل بأننا مدينون في التعرف على المصدر الأول لتلك الصفحات للناشط الوطني الحقوقي الدكتور غانم النجار الذي دوّن مذكرات الراحل بتنسيق وتحضير مشترك معه ليصدّرها تحت عنوان “الكويت من الإمارة إلى الدولة.. ذكريات العمل الوطني والقومي” فلولاه لربما ظلّ الكثير من تلك الصفحات المشرقة مجهولًا، لايُعرف عنها إلا لماماً، كما يُعدّ كتاب “أحمد الخطيب وطن ودستور”  للأخ علي حسين العوضي والذي راجعه الفقيد أيضاً تكثيفاً آخر لسيرته متضمنة ما قد غاب عنه في كتابه من شوارد .

ومنذ بداية مسيرته النضالية تميزّ الراحل بكونه واحداً من قلة من الرواد المؤسسين لحركة القوميين العرب ممن امتلكوا البوصلة الصائبة في أنتهاج الطريق النضالي الواقعي السلمي في كل ميادينه النخبوية المنظمة والجماهيرية، بعيداً عن “التشدد”، ولعل الساحة البرلمانية هي الميدان الذي برع فيه المناضل الراحل الكبير وخاض فيه مع رفاقه معارك سياسية جسورة في الدفاع عن حقوق ومصالح الجماهير، وهو ما أكسبه ليس أحترام شعبه له بمختلف أطيافه وقواه الوطنية فحسب، بل والدولة التي تحلت برحابة الصدر معه مهما بلغت شدّة نقده لها، هي التي رثته قيادتها في إعلامها الرسمي بأفضل ما يليق بمعارض وطني كبير معترفة بأدواره الوطنية في بناء الدولة الكويتية الحديثة، ومنها دوره في صوغ دستورها العقدي.

وعموما يمكننا أن نوجز أبرز مآثر وأدوار الراحل الخطيب النضالية فيما يلي: 

– تصدى الفقيد منذ بدايات إرساء تقاليد العمل البرلماني في المجلس التأسيسي 1962 لظاهرة مسيئة لاستقلالية السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية متمثلة في عادة تزلفية اجتماعية مقيتة أعتاد عليها بعض أعضاء السلطة الأولى قبل انتخابهم .كما طالب بحزم في هذا المجلس بإقرار حق قيام الأحزاب، وظل  يُلقب ب “حامي الدستور” . 

– يعكس نجاحه الكبير في الفوز بانتخابات المجلس التأسيسي 1962والفوز المتكرر في الانتخابات النيابية لعدة فصول تشريعية (1971، 1971، 1975، 1992) شعبيته الكبيرة، والتي تمتع بها بفضل نجاح برنامجه الانتخابي وأدائه البرلماني المُشرّف وجمعه الخلاّق بين النضال داخل البرلمان وخارجه.

وفي وقت مفصلي تاريخي شهد صعود الإسلام السياسي وإنحسار اليسار العربي والعالمي وتأثير عقدين  من الطفرة النفطية وما تخللها من تغيّر في منظومة القيم وتفشي النزعات الإستهلاكية لا يخلو من الدلالة هنا فوزه في أول انتخابات بعد تحرير الكويت 1992. وكانت الأصوات التي يحصل عليها هي الأعلى غالباً في الدائرة التي يترشح فيها، وتقارب الألف صوت دائما وبمشاركة انتخابية واسعة. 

–  كان صوته يصدح بالحق في مكافحة الفساد لا تأخذه فيه لومة لائم، ويسجل لقيادة الكويت حكمتها  وسعة صدرها معه حتى عندما انتقد جهاز أمن الدولة ناعتاً إياه بالفساد وبالاعتداء على الدستور. 

– تنبأ مبكرا بتزوير انتخابات 1967 وفضح ما يُدبر بليل، وانسحب ورفاقه الوطنيون من الترشح لها. 

– أدان الأحزاب التي لا تلتزم ببرامجها الانتخابية المطروحة على الجماهير في عملها البرلماني، وفضح النوّاب المتسلقين للبرلمان من أجل مصالحهم الخاصة بشعارات براقة، وخاصة أولئك الذين يدخلونه على حد تعبيره “حُفاة” ويخرجون منه “مليونيرية”!