فعلها الرئيس بوتين واجتاح أوكرانيا، هل كان ذلك مفاجئاً لحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؟ بالتأكيد لا، فالمعسكر الغربي لم يترك مجالاً لروسيا غير الحرب.
قدمت روسيا في ديسمبر من العام الماضي مشروعي معاهدتين تحتويان على طلبات لِما أشارت إليه باسمِ “الضمانات الأمنيّة”، بما في ذلك تعهد ملزم قانوناً بأن أوكرانيا لن تنضمَّ إلى منظمة حلف شمال الأطلسي وكذلك خفض عدد قوات الناتو والمعدات العسكرية المتمركزة في أوروبا الشرقية، وهدَّدت برد عسكري غير محدد إذا لم يتم تلبية هذه المطالب بالكامل. رفضت الولايات المتحدة وأعضاء آخرون في الناتو هذه الطلبات، وحذروا روسيا من مغبّة زيادة العقوبات الاقتصادية عليها في حالة غزوها لأوكرانيا.
تاريخياً بعد تفكّك الاتحاد السوفيتي في عام 1991، واصلت أوكرانيا وروسيا الاحتفاظ بعلاقات وثيقة. وافقت أوكرانيا عام 1994 على التخلي عن ترسانتها النووية ووقعت مذكرة بودابست بشأن الضمانات الأمنية بشرط أن تُصدر روسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية ضمانًا ضدّ استخدام القوة الذي يُهدّد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي للدولة الأوكرانيّة.
غير أن تخلي السلطات الأوكرانية عن الاستراتيجية السياسية القائمة على الحياد اتجاه العلاقات المتوترة بين روسيا والغرب، والانسياق نحو القرارات والمخططات الأمريكية-الأوروبية العدائية لروسيا، وسعيها المحموم للانضمام لحلف الناتو، جعلها عرضة للسخط والغضب من موسكو وإعلان الحرب عليها.
إن وصف المعسكر الغربي روسيا بالنازية وبوتين بهتلر يدعو إلى السخرية، إذ لم نرَ الجيش الروسي يغزو البلدان ويعبر الحدود بترسانتهِ العسكرية، باستثناء التدخل في سوريا بعد أن استباحتها الجيوش الموالية للأمريكان من كل حدبٍ وصوب. على العكس تماماً من جيوش حلف الناتو التي يتقدمها الأمريكان في حربهم على العراق وأفغانستان، فضلاً عن دعمهم لأطراف في الصراعات التي تشهدها ليبيا وسوريا واليمن، ناهيك عن دعمهم للكيان الصهيوني في قتلهم للفلسطينين.
الحالة الهستيرية للمعسكر الغربي بلغت مستوى غير مسبوق تجاه روسيا، فالعقوبات لم تقتصر على السياسة والاقتصاد، بل طالت الأدباء والفنانين والرياضيين وعامة الروس. هل كل هذه الهستيريا سببها دخول الجيش الروسي لأوكرانيا، وإشاعة الإعلام الغربي لكذبة الطموحات اللامحدودة لبوتين باجتياح دول شرق أوروبا كما فعل هتلر؟! أم يعود ذلك لأحقاد تاريخية مكبوتة ودفينة تجاه روسيا التي أخذت تسترجع قوتها الاقتصادية والعسكرية منذ اندلاع الصراع الدولي على أراضي سوريا؟
المنطق الذي يستند عليه المعسكر الغربي، من حق أوكرانيا الانضمام إلى حلف الناتو وإنشاء قواعد عسكرية على الحدود الروسية، وبالتالي لف حبل المشنقة على رقبة روسيا، وليس لهذه الأخيرة الحق في الاعتراض على كل ذلك! عندما شهدت العلاقات الروسية الفنزويلية تقدماً كبيراً على المستويات الاقتصادية والسياسية جُن جنون أمريكا التي قامت بالتهديد والتدخل المباشر لإسقاط النظام الحاكم في فنزويلا، والاعتراض الشديد على روسيا بحجة أن ذلك يهدد أمنها القومي، بينما تستكثر على طلب روسيا من أوكرانيا بأن تكون على الحياد وتمتنع عن الانضمام إلى حلف الناتو.
عندما نقول إن الحرب فُرضت على روسيا، لا نبرر لها إعلان الحرب على أوكرانيا واستباحة أراضيها، فالحرب نتائجها مدمرة وكارثية على البشر والحجر. وكان على روسيا أن تتحلى بالصبر أكثر تجاه أوكرانيا التي لم تنضم رسمياً إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بعد، على الرغم من الخطاب المتشنج والمستفز من الرئيس الأوكراني وحكومته تجاه روسيا. الخيار الأنجع هو الذهاب لطاولة الحوار واقتناع السلطات الأوكرانية بتبني سياسة الحياد تجاه العلاقات ما بين روسيا والغرب.
لكن هل حلف الناتو والمعسكر الغربي يسمحان بذلك؟ أم أن مسعاهم هو تأجيج الصراع وتجييش العالم كلهِ ضد روسيا ليحافظوا على استمرار نظام القطب الواحد في هذا العالم؟