الدكتور

0
207

عندما كان الكويتيون من أبناء جيلي يتحدثون عن “الدكتور” فقد كانوا يعنون تحديداً الدكتور أحمد الخطيب… ولا غرابة في ذلك، فقد كان الدكتور أحمد أول طبيب كويتي تخرج في جامعة بيروت الأميركية في العام 1952… أما الجيل السابق لجيلي فقد كانوا يلقبونه بـ “الحكيم”، وهو اللقب الذي كان يطلقه أهل المشرق العربي على الطبيب، وهذا هو اللقب الذي حمله، على سبيل المثال وربما على سبيل الحصر بعد ذلك وطوال حياته وبعد مماته، رفيقه في النضال وزميله في الدراسة والمهنة الدكتور جورج حبش.

وعلى الرغم من فارق العمر بين “الدكتور” وبيني، الذي يصل إلى نحو ثلاث وعشرين سنة، إلا أنّ صلتي به تعود إلى نحو خمس وخمسين سنة، أي أكثر من نصف قرن، جمعتنا فيها صلات متعددة ومعقدة، فهو عندما التقيته أول مرة في في نهاية العام 1966 بمقر “نادي الاستقلال الثقافي الاجتماعي” مركز تجمّع قوى المعارضة الوطنية في الكويت، كنت أعدّه “زعيمي”، مثلما كان يراه غالبية شباب الحركة الوطنية الكويتية حينذاك… وبعدها بفترة قصيرة انتقلت من العمل في صحيفة “الهدف” الكويتية الاسبوعية إلى صحيفة “الطليعة”، التي كان “الدكتور” يشرف على توجيهها سياسياً، بوصفها لسان حال المعارضة الوطنية، وبذلك أصبحت أعمل تحت توجيهه السياسي والإعلامي الشخصي المباشر، ولا أدعي أنّ تلك العلاقة في إطار العمل الصحافي كانت علاقة زمالة، رغم أنها كانت تنطوي على شيء من علاقة الزمالة، حيث كان “الدكتور” يرأس ظهيرة كل يوم خميس اجتماع أسرة التحرير ويقدم تحليله السياسي ويحدد الوجهة الرئيسية لموقف “الطليعة” تجاه القضايا المثارة، وكنا كمحررين معنيين بالضرورة بتمثّل ذلك التحليل والموقف والتعبير عنهما إعلامياً.

وهنا لابد من وقفة، وهي أنّ “الدكتور” ارتبط بالعمل الصحافي مبكراً منذ النصف الأول من خمسينات القرن العشرين عبر دوره في توجيه مجلة “الإيمان” الشهرية، التي كان يصدرها “النادي الثقافي القومي” وكذلك دوره في إصدار ملحقها الاسبوعي “صدى الإيمان”، الذي كان يصدر على هيئة صحيفة، وما كان يكتبه فيهما من مقالات وافتتاحيات وأخبار ومتابعات وتعليقات، إلى أن توقفت المجلة وملحقها الاسبوعي في فبراير من العام 1959 بعدما عطّلت السلطة الأندية الثقافية والرياضية والمجلات والصحف جميعها في أعقاب قمعها المهرجان الجماهيري الحاشد في استاد ثانوية الشويخ، الذي نظمته الحركة الوطنية بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لقيام الجمهورية العربية المتحدة، ودعا فيه المرحوم جاسم القطامي، رفيق “الدكتور” وشريكه في الزعامة الوطنية التاريخية، إلى قيام حكم دستوري في البلاد… بحيث عاشت الكويت فترة سوداء حُرِم فيها الكويتيون مدة سنتين وعدة أشهر من أدنى هامش لحريتي التجمع والصحافة، إلى أن حدث انفراج جزئي قبيل نيل الكويت استقلالها في يونيو من العام 1961، وحينها دعا الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم من “الدكتور” والقطامي وزميلهما الثالث يعقوب الحميضي العمل مستشارين في الديوان الأميري لمساعدته في بناء الدولة المستقلة حديثاً، وهذا ما حدث، إلى أن اعتذر “الدكتور” عن عدم قدرته على الاستمرار في عمله الاستشاري ليتمكن من ترشيح نفسه لانتخابات المجلس التأسيسي، التي جرت في الثلاثين من ديسمبر من العام 1961.

وفي موضع آخر من صفحات هذا العدد هناك عرض موجز للدور المهم الذي لعبه “الدكتور” في المجلس التأسيسي خلال العام 1962 كنائب لرئيسه وعضو فيه؛ ولاحقاً عضويته في مجلس الأمة الأول، واستقالته منه هو ورفاقه من كتلة المعارضة في العام 1965، وما تعرضت له انتخابات مجلس الأمة الثاني في 1967 من تزوير فجّ بقصد منع فوزه المؤكد، وعضويته في مجالس الأمة الثالث 1971 والرابع 1975 والسادس 1985 والسابع 1992، إلى حين اعتزاله العمل النيابي وليس السياسي في العام 1996.

والمحطة الأخرى، في فبراير من العام 1968 عندما انضممت لفترة قصيرة إلى الفرع الكويتي لحركة القوميين العرب، الذي سبق أن أسسه “الدكتور” في بداية الخمسينات، بعدما شارك مع رفاقه “الحكيم جورج حبش” والدكتور وديع حداد وهاني الهندي وغيرهم في تشكيل الحركة الأم ومركزها في بيروت عندما كانوا طلاباً في جامعة بيروت الأميركية، بوصفها حركة قومية عربية موجهة ضد الاستعمار وهيمنته على البلاد العربية ومن أجل التحرر الوطني والقومي؛ وفي مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب بعد نكبة فلسطين… ولئن كان الشعار الأول للحركة الأم “حرية وحدة وثأر”، فإنه مع بداية ستينات القرن العشرين وتحت تأثير سياسة الالتحام بالناصرية، التي انتهجتها الحركة، وكذلك فإنه جراء ما شهدته تركيبتها التنظيمية وعضويتها وأقسام من قياداتها من تحولات طبقية وفكرية وسياسية، فقد تحوّل شعار الحركة إلى “حرية وحدة اشتراكية”، فيما كان شعار حزب البعث العربي الاشتراكي، التنظيم القومي العربي الأسبق “وحدة حرية اشتراكية”، بل لقد تنامى داخل قيادة الحركة وفي فروعها ميل متزايد نحو تبني الاشتراكية العلمية، فالماركسية لاحقاً، وربما “التياسر”، خصوصاً بعد نكسة حزيران 1967، وما دار من صراع في صفوف الحركة حول ما كان يسمى “موضوعات حزيران” التي وضعها التيار اليساري في قيادة الحركة بقيادة نايف حواتمة ومحسن إبراهيم ومحمد كشلي، وكانت تقوم على فرضية سقوط الدور القيادي للبرجوازية الصغيرة في قيادة حركة التحرر الوطني العربية… في تلك الظروف، بل في فترة انعطاف حركة القوميين العرب يساراً انضممت إلى صفوف فرعها الكويتي، الذي كان يتزعمه، وليس فقط يقوده، “الدكتور”.

وفي تلك الفترة كنا نصنّف “الدكتور” ورفاقه في القيادة التاريخية لحركة القوميين العرب على أنهم جناح يميني، وسرعان ما انشق جناحنا اليساري في صيف العام 1968 عن الحركة وشكّل تنظيماً ثورياً حمل اسم “الحركة الثورية الشعبية”، وكان جزءاً من “الحركة الثورية الشعبية في عمان والخليج العربي”… ومن الطبيعي في ظروف الانشقاق الحزبي والصراع الفكري والسياسي والتنظيمي أن يشتد الهجاء ويتخذ الصراع أبعاداً تتجاوز الفكر والسياسة والتنظيم ويتحوّل شيئاً فشيئاً، بل ربما يتحوّل على نحو متسارع، إلى عداء، وهذا ما كان!

ولكن مع ذلك، يجب القول إنّه عندما تمّ اعتقالنا في مايو 1969 فقد كان له ولرفاقه من الجناح الذي وصفناه باليميني مواقف تضامنية رائعة معنا، وكان من أبرزها زيارته لنا في الجلسة الأولى لمحكمة أمن الدولة، حيث قال لنا ونحن في قفص المتهمين بالمحكمة: كنت أتمنى أن أكون في السجن وفي هذا القفص بينكم ومعكم.

وبعد الإفراج عنا في فبراير من العام 1970 بعفو أميري، تواصلت مع “الدكتور” على مستويات عدة وفي مناسبات مختلفة، وجمعتنا لقاءات لا حصر لها، وشاركنا في فعاليات ونشاطات وطنية متنوعة، وفي الوقت نفسه وقعت بيننا خلاقات ونشبت صراعات ظهر بعضها إلى العلن، منها ما كان له ما يبرره، وكثير منها كان يمكن تفاديه.

وفي هذا السياق، أذكر البيان الذي أصدرناه في العام 1970 لرفض الاستفتاء الذي أجراه ممثل الأمين العام المتحدة في البحرين حيث أكدنا فيه على عروبتها واستقلالها… وبعد نشر البيان هاجمتنا صحيفة “الرأي العام” الموالية للسلطة التي كان يصدرها المرحوم عبدالعزيز المساعيد ونشرت رسماً كاريكاتيراً على صفحتها الأخيرة يضمني مع “الدكتور” وفقيدنا الكبير الآخر عبدالله النيباري وأطلقت عليها تهكماً وصف “وجهاء الكويت”، وكتبت تعليقاً ساخراً عن هؤلاء الوجهاء الكويتيين الثلاثة الذين أحدهم من البحرين وثانيهم من الكونغو وثالثهم من الهند!

وبمناسبة الحديث عن البحرين، استذكر هنا اللقاءات العديدة التي أجراها رفاقنا في “جبهة التحرير” أثناء زياراتهم للكويت مع “الدكتور”، وكنت في معظم هذه اللقاءات أتولى نقل رفاقي البحرينيين إلى مكاتب صحيفة “الطليعة” للقاء “الدكتور” ومن بين أولئك الرفاق رفيقنا الكبير أبوغسان، عبدالله الراشد آل بن علي، والرفيق الدكتور عبدالهادي خلف، والرفيق الأستاذ أحمد الشملان، والرفيق والصديق العزيز الأستاذ عبدالجليل النعيمي، وإن لم تخني الذاكرة، فقد رافقت الرفيق الكبير الدكتور يعقوب الجناحي إلى الطليعة للقاء “الدكتور” خلال الزيارة الأولى لأبي لطيفة إلى الكويت في العام 1978 للمشاركة في اجتماع الأحزاب الشيوعية في الخليج الذي عقدناه بمدينة الأحمدي في منزل الرفيق محمد عبدالرحمن… أما لقاء الرفيق الأستاذ محسن مرهون مع “الدكتور” في ديسمبر 1975 بعد حلّ المجلس الوطني والمؤتمر الصحافي الذي عقده في جمعية الصحافيين الكويتية بمناسبة يوم التضامن مع شعب البحرين في السابع من ديسمبر، فقد كان في حدّ ذاته قصة مثيرة، إذ تدخل “الدكتور” لدى نائب رئيس الوزراء الشيخ جابر العلي الصباح لحماية رفيقنا أبي زويا من تنفيذ أمر اعتقاله في الكويت وتسليمه مخفوراً إلى البحرين.

وفي العام 1970 تراجعت السلطة جزئياً عن نهجها القمعي بعد البيان الذي ألقاه ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء حينذاك الشيخ جابر الأحمد مساء يوم 24 يونيو، وتضمّن ذلك البيان انتقادات لافتة للوضع العام وتوجهات ذات دلالة ايجابية، ومع ذلك فقد أثار البيان جدلاً في صفوف المعارضة، إذ كنت مع عبداللطيف الدعيج من مؤيدي التعامل الايجابي مع ذلك البيان، وكتبت سلسلة من ثلاثة مقالات نشرتها صحيفة “السياسة” اليومية على صدر صفحاتها الأولى تحت عنوان “بيان 24 حزيران: الانقلاب الأبيض”، فيما انتقد “الدكتور” ورفاقه ذلك البيان وتلك المقالات، وبرز الخلاف بيننا على السطح، ولكن المفارقة كانت في أنّ “الدكتور” ورفاقه المرحومين سامي المنيس وعبدالله النيباري والأخ أحمد النفيسي، الذين أسسوا حينذاك “حركة التقدميين الديمقراطيين” تعاملوا ايجابياً مع “البيان” والظروف التي تشكلت قبيل انتخابات مجلس الأمة الثالث في العام 1971 حيث خاضوها ضمن برنامج وطني ديمقراطي تقدمي، ونجح منهم أربعة نواب… فيما عارض المرحوم جاسم القطامي ومجموعته، التي أسست تنظيماً وطنياً ناصرياً حمل اسم “التجمع الوطني” خوض تلك الانتخابات ودعوا إلى مقاطعتها مالم تتم تلبية مطالب تضمن نزاهة الانتخابات… أما نحن، الذين كنا لا نزال في إطار “الحركة الثورية الشعبية”، أو على الأقل أنا شخصياً، فكان موقفنا أو موقفي يبدو غريباً أو لنقل براغماتياً، فمن جهة تفهمّت دعوة المقاطعة، التي أطلقها المرحوم جاسم القطامي… ومن جهة أخرى شاركت في دعم الحملة الانتخابية لمرشحي كتلة “نواب الشعب” التي كانت بقيادة “الدكتور”.

وبسبب بعض المواقف النيابية المتناقضة، وأبرزها توقيع النواب “التقدميين الديمقراطيين” على مقترح زيادة مكافآت النواب، وجهت مع عبداللطيف الدعيج انتقادات حادة لهم في مقالاتنا، وفي المقابل كنا ندعم مواقفهم النيابية المنسجمة مع التوجهات الوطنية الديمقراطية.

وفي العام 1973، بعد استقالتي من جريدة “السياسة”، استأنفت الكتابة شبه المنتظمة باسمي أو بأسماء مستعارة في صحيفة “الطليعة”، وفي تلك الفترة حرص “الدكتور” على دعوتي للمشاركة في قيادة “اللجنة الكويتية للسلم والتضامن” التي أسسها وكان رئيسها، وجرى انتخابي عضواً بمجلس إدارتها في اجتماع الجمعية العمومية للجنة الذي انعقد بمقر جمعية الصحافيين حيث توليت منصب السكرتير العام المساعد، ونشطت في إطارها حتى نهاية العام 1977.

كما حرص “الدكتور” على دعوتي أنا واثنين من رفاقي الشيوعيين في نهاية العام 1974، قبل الإعلان عن حزبنا، إلى إبداء الملاحظات حول مسودة مشروع البرنامج الانتخابي الوطني، الذي طرحه “الدكتور” ورفاقه عندما خاضوا انتخابات مجلس الأمة الرابع في فبراير 1975.

ودعانا “الدكتور” بعد تأسيس “حزب اتحاد الشعب في الكويت” في مارس 1975 إلى المشاركة في لقاءات القوى والشخصيات السياسية الوطنية التي كانت تنعقد في منزله بالشويخ، وكنت أمثّل الحزب في تلك اللقاءات.

وأذكر أنّ “الدكتور” هو الذي أخبرني مبكراً في مساء يوم 28 أغسطس من العام 1976 بأنّ السلطة بصدد أن تتخذ قرارها بتعطيل مجلس الأمة وتعليق الدستور، ما ساعدنا على اتخاذ ترتيبات احترازية والتجهيز لإعلان موقف مناهض لذلك الانقلاب على الدستور، ورغم ذلك جرى اعتقال عدد من رفاقنا لتوزيعهم بياناً يرفض الانقلاب.

وشاركت أنا وعدد من رفاقي في تلبية دعوة “الدكتور” ورفاقه لإقامة “التجمع الديمقراطي” في العام 1978، الذي شارك معنا فيه البعثيون بقيادة الشهيد فيصل الصانع وعدد من الشخصيات الوطنية والأكاديمية والنقابية، ومثّلنا في الاجتماعات القيادية لذلك التجمع حتى العام 1990 رفيقنا الراحل نهار عامر مكراد وأنا.

وعندما اعتقلت السلطة “الدكتور” وعدداً من رفاقه من ديوانيته في الروضة في مايو 1990 بسبب رفضه انتخابات ما سمي بالمجلس الوطني غير الدستوري، كنا في مقدمة صفوف المتضامنين معه، وكذلك مع بقية المعتقلين الوطنيين.

وبعد الإفراج عنه غادر “الدكتور” الكويت يوم الأول من أغسطس من العام 1990 قبيل يوم واحد من جريمة غزو النظام العراقي البائد للكويت واحتلالها، حيث لعب في الخارج دوراً وطنياً مشهوداً دفاعاً عن القضية الكويتية، كما كان له دوره في المؤتمر الشعبي الكويتي الذي انعقد في جدة خلال شهر أكتوبر من ذلك العام، للمطالبة بالتزام السلطة عودة العمل بالدستور بعد التحرير… وهناك مَنْ حاول تشويه دور “الدكتور” ومواقفه بعد عودته إلى الكويت في العام 1991 بهدف إسقاطه انتخابياً، ولكن تلك المحاولات باءت بالفشل، حيث فنّدها “الدكتور” بالوقائع والحقائق في خطابه الانتخابي قبيل انتخابات 1992، وحاز مجدداً وبجدارة على ثقة الناخبين.

وكنت مع رفاقي في “حزب اتحاد الشعب في الكويت” في الثاني من مارس من العام 1992 قد ساهمنا في تأسيس “المنبر الديمقراطي الكويتي” كائتلاف وطني ديمقراطي تقدمي بمشاركة “حركة التقدميين الكويتيين” و”التجمع الوطني” وعدد من العناصر الوطنية المستقلة… وهنا أشير إلى أنني وفقيدنا الكبير عبدالله النيباري اتفقنا على عقد المؤتمر التحضيري للمنبر الديمقراطي في ديوانية “الدكتور” بالروضة، وذلك تقديراً للمكانة الرمزية التي يحتلها “الدكتور” في قيادة الحركة الوطنية، حيث لم يكن قد عاد بعد إلى الكويت، كما حرصنا على عقد المؤتمر الصحافي للإعلان عن قيام المنبر، مساء ذلك اليوم في منزل “الدكتور” في الشويخ بحضور العشرات من وسائل الإعلام العربية والأجنبية، التي كانت تتابع وقائع تحرير الكويت.

وساهم “الدكتور” في العمل داخل المنبر، ولكنه هو والمرحوم جاسم القطامي امتنعا عن الترشح إلى قيادته، وتوليا داخله مسؤوليات نيابية وسياسية.

وواجهت مسيرة المنبر الديمقراطي تحديات موضوعية وبرزت خلافات سياسية وتنظيمية حول قضايا عديدة من بينها الخلاف حول التصويت على قانون شراء المديونيات؛ وتشكيل القائمة الانتخابية؛ والموقف تجاه الاطروحات النيوليبرالية التي بدأت بالتسرب إلى المنبر؛ وحصر عمل المنبر في الجانب الانتخابي وحده، والتصويت النيابي في الاستجوابات النيابية الموجهة لبعض الوزراء، ما أدى إلى مغادرتي أنا مع عدد من رفاقي في نهاية العام 2000 لمواقعنا القيادية في المنبر عبر استقالة مسببة، حيث كنت أشغل منصب الأمين العام، واستمرت عضويتنا العادية ضمن المنبر حتى العام 2010 عندما غادرناه نهائياً بعدما استأنف حزبنا وجوده التنظيمي المستقل… أما “الدكتور” فقد ابتعد من جانبه عن النشاط السياسي المباشر داخل المنبر لأسباب أخرى، وإن استمر مؤيداً له، وكان كذلك في الوقت نفسه وإلى أواخر أيامه يتابع نشاط حركتنا التقدمية الكويتية ويحرص على قراءة بياناتها والتواصل ما أمكن مع عدد من رفاقنا.

وبفخر أعتز بما كلفني به “الدكتور” من مهام متنوعة تشرّفت بحملها والمشاركة فيها، وفي مقدمتها تكليفي في العام 1992 بأن أتولى إدارة تحرير صحيفة “الطليعة”، حيث توليت تلك المسؤولية إلى العام 1994، وتوليتها مؤقتاً مرة أخرى بناء على تكليف “الدكتور” لمدة ستة أشهر في صيف العام 1997 بعد المحاولة الآثمة لاغتيال فقيدنا عبدالله النيباري وزوجته الأستاذة فريال الفريح… كما كلفني “الدكتور” في العام 2006 بمراجعة الجزء الأول من كتاب مذكراته قبل نشرها، وقد أخذ بالعديد من ملاحظاتي والتعديلات التحريرية والموضوعية التي اقترحتها، وخصني بكلمة شكر لطيفة في مقدمة الطبعة الأولى من الكتاب، وكذلك كلفني بمراجعة النسخة المحررة من الجزء الثاني من كتاب مذكراته، وخصني أيضاً بكلمة شكر أخرى في مقدمته، وإن كان لا شكر على واجب، بل هو شرف عظيم أولاني اياه.

وغير ذلك هناك أسرار خاصة ومسائل وترتيبات حساسة دارت بيننا، لست هنا في حلٍّ من أمري لأذكرها.

واليوم، بعد أن غادر “الدكتور” دنيانا، فَقَدَت الكويت وفَقَدَ شعبها وفَقَدَت الحركة الوطنية الكويتية وكذلك الحركة الوطنية البحرينية، بل فَقَدَت حركة التحرر العربية جمعاء، برحيله زعيماً وطنياً مرموقاً وشخصية تاريخية بارزة لا يمكن تناسي ذكرها عند الحديث عن الكويت وعن تاريخها أو عن الحركة الوطنية في الخليج والجزيرة العربية طوال العقود السبعة الماضية من دون الحديث عنها واستذكار دورها.

 وستبقى ذكراك خالدة يا “دكتور”.