الحرب….. هل تؤسِّس لتعدد الأقطاب في العالم ؟

0
55

الحرب لا تجلب السلام، الحرب تخرج الأزمات وتفاقم الأوضاع وتخلق الكراهية والعداوة  بين الشعوب ولأجيالٍ متتاليةٍ، وتُدمَّر فيها الأوطان ويُهلك فيها الإنسان والحجر والشجر ، ويسقط فيها الضحايا من الأبرياء وينهار الاقتصاد وتتوقف فيها التنمية والازدهار، وهناك من يقتات على الحرب ؛ لهذا يعمل على افتعالها وإشعال لهيبها الحارق، حتى لو سقط الآلاف من الضحايا القتلى والجرحى والمشردين ، لهذا الحرب تكاليفها باهضة الثمن على الإنسان أولاً وأخيراً، الحرب لها أطماع ومصالح، الحرب دمارٌ وخرابٌ، شظاياها  تطال كل شيء حولها، علينا أن نبحث عن الذين يعشقون الحروب ويخلقون المآسي  للشعوب والبلدان (أهدافهم  وأفكارهم، خططهم، إستراتيجياتهم)، آيديولوجياتهم قائمة على أسس الاستغلال والنهب والسطوة والهيمنة بالقوة على الشعوب والبلدان وفرض إرادتهم بالقوة العسكرية والاقتصادية، فتِّش عن الحروب والأزمات ومن يقف خلفها ستجد من هم أو من هي، أنها القوى الإمبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الغرب وماضيهم الاستعماري معروف ، ذاكرة الشعوب لا تنسى المجازر والفظائع التي ارتكبتها .

 الإمبريالية الأمريكية فكرها قائم على المصالح وهي تقدم المصالح على الأصدقاء أو الحلفاء، لهذا عملت طوال الحرب الباردة بين النظامين الاشتراكي والإمبريالي على محاصرة الاتحاد السوفياتي وإنهاكه وإضعافه ومن ثم تفكيكه إلى دول، والعديد منها ارتمى في أحضانها وعندما برزت روسيا الاتحادية كقوى عسكرية معتبرة يحسب لها ألف حساب، وأصبحت نداً قوياً للولايات المتحدة الأمريكية وتقف في وجه مخططاتها وأهدافها المعلنة غير المعلنة لم يرُقْ لها هذا التحدي الروسي الجديد،  تريد روسيا ضعيفة خانعة لها، لهذا عملت على محاصرتها من خلال تلك الأنظمة الجديدة (دول جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة) وبعض دول المنظومة الاشتراكية السابقة ، التي يغلب على معظمها سلطاتها وحكامها الطابع السياسي اليميني والقومي وبعضها تحمل فكراً نازياً معادياً للروس مثل القوى المسيطرة على الحكم في أوكرانيا حيث حولتها الإمبريالية الأمريكية لساحة تجارب ومختبرات بيولوجية وتخزين الأسلحة والمعدات العسكرية فيها.

 ليس الهدف تطوير أوكرانيا صناعياً واقتصادياً ليستفيد شعبها من تلك  الخبرات والمعارف العلمية وتكون دولة منتجة ومحايدة، كانت أهداف الإمبريالية الأمريكية المعلومة في كيفية تطويق عنق روسيا وإضعافها ومن ثم الانقضاض عليها وتفكيكها، لكي لا يكون لها دورٌ بارزٌ  في أوروبا والعالم، وعملت على تخريب علاقات روسيا مع الدول الأوروبية وبشكل خاص ألمانيا التي تربطها مع روسيا علاقات اقتصادية وتجارية قوية وتحديداً في مجال الطاقة (النفط والغاز) بالرغم من أنها علاقات قائمة على أسسس تجارية  “تبادل مصالح”.

حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين روسيا والدول الأوروبية وصل إلى 240 مليار دولار في الوقت الذي وصل بين الولايات المتحدة الامريكية وبعض البلدان الأوروبية  إلى 24 مليار دولار الفرق شاسع، لا تريد  لأيّ دولة أوروبية بأن تنسق أو تتبادل العلاقات التجارية والاقتصادية مع روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية هي التي يجب أن تحدد علاقات الدول الأوروبية كانت أو غيرها لتفرض هيمنتها وسطوتها على الدول المستقلة وذات السيادة، أصبحت مثل الشرطي العالمي ووصية على قرارات وتوجهات الدول، أي دولة تحاول الابتعاد عن هذا النهج المهين والتعسفي الممارس من قبل حكام واشنطن وتريد ان تقرر مصيرها وتوجهاتها، سوف تعد من الدول المارقة التي تخالف سيدة العالم الوحيدة، لهذا لا تريد عالماً متعددَ الأقطاب لكي لا ينافسها الآخرون أو يحدد مسارات واتجاهات العالم، ويكون نداً لها، وهي تستغل شعارات حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان والديمقراطية لتمارس عربدتها ضد الدول المغايرة لنهجها، وتنفذ شعارات حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان حسب مقتضيات الظروف وأن لا تتعارض مع أهدافها ومآربها ، كل شيء يقاس وفقاً لمشيئتها وإرادتها وهي الناهي والآمر، بالتأكيد غير الطغمة  المالية والصناعية التي  تتحكم بالقرارات ومصائر الشعوب والبلدان  في الولايات المتحدة الأمريكية ومستعدة لمواجهة أي دولة أو أي شعب يقف أمام أطماعها ومصالحها والاعتداء عليه وحتى إبادته حدث هذا لشعوب الهنود الحمر في أمريكا نفسها واضطهاد السود واستعبادهم، ولهذا اليوم أوكرانيا والشعب الأوكراني ضحية من ضحاياها، مستعدة أن تخدع وتضحي بأي شعب أو دولة عندما تتضرر مصالحها حدث في أفغاستان وسلمت السلطة إلى حركة طالبان وهي في قائمة الحركات الإرهابية لديها، محاصرة كوبا منذ انتصار الثورة الاشنراكية فيها عام 1959حتى اليوم ولا ننسى المجازر في فيتنام والعراق، وفي عام 1979 تخلت عن حليفها شاه إيران شرطي الخليج العربي، وحسني مبارك في 25 يناير 2011 في مصر والقائمة تطول ودعمها للكيان الصهيوني الذي يمارس سياسة قتل وإرهاب الشعب الفلسطيني المناضل، تاريخها أسود، ولديها ماكنة إعلامية عملاقة تستطيع من خلالها الترويج لأفكارها الإمبريالية المتوحشة في العالم،  وتقاوم أي توجه نحو تشكيل نظام عالمي جديد.

هل تنتهي العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في الوقت المحدد بعد تحقيق أهدافها، أما تطول وتتحول إلى مستنقع تغرق فيه روسيا ، وهذا هدف الأمريكان وحلفائهم الغرب والناتو، هل يُكتَب تاريخٌ جديدٌ في هذا العالم نحو تعدد الأقطاب، ويسود السلام والأمن والاستقرار في كوكب الأرض.