الضرورة والصدفة في رحيل عبدالله النيباري

0
51

بين الضرورة والصدفة علاقة جدلية، ويأتي رحيل المناضل الكويتي الوطني الكبير الأستاذ عبدالله النيباري بعد مرور اسبوعين فقط على رحيل رفيقه ومعلمه الزعيم التاريخي للحركة الوطنية الكويتية الدكتور أحمد الخطيب ليمثّل تجسيداُ حيّاً لعلاقة الضرورة بالصدفة، ويالها من صدفة مؤلمة… خصوصاً عندما نرى الكويت اليوم قد تراجعت كثيراً عما ناضل الاثنان من أجل أن تكون.

وجاءت وفاة المناضل الوطني  الكبير الأستاذ عبدالله النيباري مساء يوم الأحد العشرين من مارس/ آذار 2022 عن عمر يناهز السادسة والثمانين عاماً لتمثّل خسارة أخرى لا تقل فداحة عن خسارة رحيل “الدكتور”.

وقد أمضى الراحل الكبير أكثر من ستة عقود من حياته مناضلاً متفانياً وقائداً مرموقاً في صفوف الحركة الوطنية الكويتية، وكان بحقّ قطباً برلمانياً مشهوداً له بالكفاءة، ناهيك عن كونه شخصية علمية اقتصادية متميزة.

وارتبط اسم الراحل النيباري بمعارك مشهودة له من أجل تأميم النفط والخلاص من هيمنة الشركات الاحتكارية النفطية الأجنبية في سبعينات القرن العشرين بدءاً من رفض اتفاقية المشاركة المجحفة وصولاً إلى قرار التأميم في العام 1975، حتى وصف عن حق بأنه بطل تأميم النفط، مثلما ارتبط اسم الفقيد النيباري بالنضال العنيد والمثابر ضد قوى الفساد، ما أدى إلى تعرضه في السادس من يونيو/ حزيران من العام 1997 إلى محاولة اغتيال آثمة ألحقت به إصابات خطرة شلّت يده اليسرى.

كما كان الراحل النيباري كاتباً ذا قلم سيّال وطرح موضوعي علمي يتسم بالجرأة في مقالاته التي نشرتها الصحافة الكويتية وخصوصاً  صحيفة “الطليعة” لسان حال الحركة الوطنية، التي كان أحد أبرز أركانها ثم تولى رئاسة تحريرها بعد ذلك بين العام 2000 و2016 عندما توقفت اضطراراً عن الصدور.

وساهم الفقيد النيباري في تنظيم صفوف الحركة الوطنية الكويتية عبر دوره في الفرع الكويتي لـ “حركة القوميين العرب”، خصوصاً في الستينات، وفي تأسيس “حركة التقدميين الديمقراطييين” وقيادتها منذ بداية السبعينات إلى التسعينات، بالإضافة إلى قيادته “المنبر الديمقراطي الكويتي” منذ انطلاقته في العام 1991 كائتلاف وطني ديمقراطي تقدمي.

ويسجل تاريخ الحياة النيابية في الكويت مساهمات متميزة للراحل النيباري في مجالي التشريع والرقابة البرلمانية، ورئاسته للعديد من اللجان البرلمانية المهمة، وأشهرها رئاسته لجنة تقصي الحقائق عن المسؤولية في كارثة الغزو والاحتلال.

وتعرّض الراحل الكبير للاعتقال في العام 1990 مع ثلة من الشخصيات الديمقراطية بسبب موقفه الرافض لانتخابات المجلس الوطني غير الدستوري، وكان النيباري أثناء الاحتلال صامداً داخل الوطن، وتعرض للاحتجاز والتحقيق والتفتيش أكثر من مرة، ومع ذلك فقد كان خلال تلك الفترة العصيبة يواصل نضاله من أجل تجميع قوى الحركة الوطنية ولتعزيز صمود الكويتيين في مواجهة الاحتلال ومقاومتهم له.

وأما على المستوى الخليجي فقد كانت للفقيد الكبير إسهامات ملموسة لتحقيق التواصل الحيّ بين شعوب المنطفة ونخبها الثقافية والسياسية، وهذا ما حاول تحقيق جزء منه عبر المشاركة في تأسيس “منتدى التنمية” في نهاية السبعينات، وكان الفقيد النيباري يخصّ البحرين وشعبها ومناضليها بمودّة خاصة وتربطه مع العديد من أبناء البحرين علاقات شخصية وثيقة.

وستبقى ماثلة ذكرى الراحل الكبير الأستاذ عبدالله النيباري، الذي كان بحقّ مثالاً رائعاً للمثقف العضوي المرتبط بقضايا شعبه والمناضل الوطني الصلب والقائد السياسي المحنك والنائب البرلماني المجرّب.