بدايةً، لا بدّ من توجيه التحية للنوّاب الذين وقفوا ضد تمرير التعديلات على قانون التقاعد، وعبّروا في مداخلاتهم السابقة للتصويت عن هذا الموقف، وفي مقدمتهم نوّاب كتلة “تقّدم”، ولكن كما هي الحال في الموقف من تمرير رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 10%، لم يكن عدد النواب الرافضين كافياً للحيلولة دون هذا التمرير، وسارت الأمور، في الحالين، كما ترغب الحكومة، لأن غالبية النوّاب فضلوا نيل رضاها، على الوقوف إلى جانب حقوق ومصالح من انتخبوهم، التي هي مصلحة الشعب في البحرين كاملاً، وهكذا مُرّر ما أرادت الحكومة تمريره، وجرى تغطية ذلك بوعود لا يعوّل عليها، وحتى في حال وجد بعضها طريقه إلى التنفيذ فإنها لن تكون أكثر من مسكنات مؤقتة لن تعالج الخلل القائم، بل ستؤدي إلى تفاقمه.
ومن ذلك الوعد بدفع العلاوة السنوية البالغة نسبتها 3% من المعاش التقاعدي لمستحقيها لمدة عامين فقط، هي التي جرى ايقافها في قرار سابق، نال من حقوق المتقاعدين، وخاصة منهم ذوي الرواتب التقاعدية المتواضعة، حيث كانت هذه العلاوة، تعوض، ولو جزئياً، عن نسبة التضخم السنوية، وبقدرة قادر تحوّل الحق المكتسب، إلى منحة أو مكرمة تمنح عن عامين فقط، ليصار إلى إيقافها نهائياً.
والجميع يعلم أن هذه الزيادة السنويّة المقررة على المعاشات التقاعديّة تعدّ من المزايا أو الحقوق المكتسبة للمتقاعدين، لا يجوز المساس بها، وسريان وقف الزيادة السنويّة على المعاشات التقاعديّة التي اكتسبها المتقاعدون قبل سريان ما عرف ب”إصلاح” التقاعد أو بعد سريانه، يعدّ اعتداءً على حق مكتسب وإهدار له، لا عدالة فيه، ولا وجاهة يعتدّ بها في الأخذ به، بمعنى أن إيقاف تلك العلاوة، ليس حلاً ولا حتى جزءاً من حل لمشكلة صناديق التقاعد التي يعرف القاصي والداني أسبابها الكامنة في الفساد المستشري وسوء الاستثمار في أموال هي في نهاية المطاف أموال الشعب.
إن مجمل السياسات النيوليبراليّة المتبعة في البلاد، والناجمة، بصورة أساسيّة، عن إتباع الوصفات المدمرة للبنك وصندوق النقد االدوليين، التي جربتها، قبلنا، بلدان كثيرة ورأينا بأم الأعين آثارها الكارثيّة على أوضاع تلك البلدان، وما أدت إليه من عدم استقرار اقتصادي ومجتمعي، وفضلاً عن أنها لا تتفق والمصلحة العامة وتؤدي بالمواطن المتقاعد إلى فقدان الثقة في القانون وعدم الاطمئنان إلى حقوقه، فإنه سينجم عنها المزيد من الاستياء الشعبي، جراء التدهور الحاصل وسيستمر في الحصول في الأوضاع المعيشيّة للناس، وهي الأوضاع التي تحرص السياسات الرشيدة عادةً إلى النهوض بها وتحسينها، لا تحميل المواطنين تبعات نهج حكومي خاطىء.