لا يموت المخرج
هو فقط يغلق الستار حتى موعد عمل جديد
وسنبقى ننتظر على المقاعد
فهو عائد حتما
******
لم يتجرا متفرج أبدا على فتح الستار بعد إغلاقه
إنه يُقدس
تماما كقبر أغلقت عليه صحائف الكونكريت بعد إضجاع الجسد في راحته
ربما لو تجرأ متفرج يوما ما على فتحه
لوجد المخرجين الراحلين يتحلقون حول شمعة زرقاء
ويثرثرون حول أهمية الشاي في التركيز
وكوريغرافيا العرض القادم
********
يشبه الموت بعد مرض عضال
الجنرال بروفة
حيث يصل المخرج إليها وقد انهكته البروفات الجزئية العديدة
مفعما بذنب هجران عائلته
وقلق خطايا فريقه
وتخيل متعة النوم بعد العرض الاول
والآن ها هو بمواجهة العرض
حسنا لنبدأ
********
لكل خالق من خلقه نصيب
إلا المخرج المسرحي
فكل نصيبه لمخلوقاته
سعادة كل خالق أن يبقى قادرا على التدخل وتعديل الأمور عند الضرورة
سعادة المخرج على العكس تماما
كلما امتلكت مخلوقاته الاستغناء عنه تهلل وجهه فرحا
كلما أمتلك كونه الصغير حرية أن يسير تلقائيا كآلةٍ سحرية تعي ذاتها
كتروس تصافح بعضها منذ قرون في أول توربينة منذ مهد الثورة الصناعية
منسية في عفويتها لكنها لا تنسى كهرباء الناس،
كان ذلك ادعى لسروره
ليس الموت أمرا جديدا على من يعمل مخرجا
الحق إنه الوحيد الذي يبذل جهده لكي يموت موتا كاملا لا ريب فيه
أي لكي تستغني عنه كليا ماكنة العرض
إنه يعلم كائناته أن تنساه
حتى تدخل مدرب فريق الكرة غلى الخط لضبط عضلات فريقه
هو بالنسبة للمخرج المسرحي ترف لا يعنيه
بالعكس تماما
إن كل تدخل يزعجه ويضنيه
لقد جهّز العرض مثل كرةٍ مكتملة الاستدارة
ثم دحرجها في السديم
كالأرض إذ دُحيت في يومها الأول
وقال اذهب أيها العرض بعيدا عني
سأراك كأي متفرج آخر
********
إن أشبه شخص بالمخرج المسرحي هو الأب الذي يعلم طفله ابن سنة المشي
كلما مشى لوحده وافلت يده الضئيلة من يده ابيه
شعر الأب بالفخر
وقال اذهب
اتبع حريتك
********
حين ينتهي العرض
وينادي الممثلون عليه ليصعد الخشبة
يأتي غالبا متثاقلا
كمن بدعى للصعود إلى حبل المشنقة
كأنه يقول يكفي تدخلا مني
لقد علمتكم ما يكفي من مهارة التحرر من كل سلطة
حتى مني
قبل أن يقول له أكبر الممثلين دورا
انتهى العرض يا سيدي
تعال واستمتع بالشكر
ننظر إلى وجهه
إذا كانت ابتسامته عريضة
فهذا يعني إنه سعيد جدا أن كائناته لم تحتج إليه
أنها امتلكت حياتها بعيدا عن رقابته
إذا كان وجهه منقبضا فهذا يعني إنه يتعذب لأنهم لم يحسنوا الصلاة وحدهم بغير إمامته
********
(فصل من جدارية محمود درويش – هزمتُكَ يا موت):
ويا موْت انتظرْ، واجلس علي
الكرسيٌ . خذْ كأس النبيذ، ولا
تفاوِضْني، فمثلك لا يفاوِض أيٌ
إنسان، ومثلي لا يعارض خادم
الغيبِ ٍ
استرح “فلربٌما أأُنهِكْتَ هذا
اليوم من حرب النجوم . فمن أنا
لتزورني؟ ألديْك وقْت لاختبار
قصيدتي. لا. ليس هذا الشأن
شأنك. أنت مسؤول عن الطينيٌ في
البشريٌ، لا عن فِعْلِهِ أو قوْلِهِ/
هزمتْك يا موت الفنون جميعها
هزمتك يا موت الأغاني في بلاد
الرافدين
مِسلٌة المصريٌ، مقبرة الفراعنةِ، النقوش علي حجارة معبدي
هزمتَ وانتصرتْ،
وأِفْلت من كمائنك
الخلود”
فاصنع بنا، واصنع بنفسك ما تريد
*مشاركة ألقيت في تأبين المخرج الراحل حمزة محمد بمركز عبد الرحمن كانو بتنظيم كل من مسرح الريف ونادي توبلي الثقافي والرياضي