عصمت الموسوي: قيمة الخبر المنشورتكمن في تأثيره على الناس وصاحب القرار.
قالت الكاتبة الصحفية عصمت الموسوي إن كثيرأً من الأخبار التي تنشر في صحفنا المحلية جعلت منها عبارة عن نشرة علاقات عامة وترسل ناقصة خبريًا، وتنشرها الصحف أحيانًا دون إضافة أو استكمال كما وردت من المصدر تمامًا، ولا يجري الصحفي المزيد من التحري، ملاحظة أن هذا الأمر أصبح سائدًا بين الورقي والإلكتروني، بل أن ردود وتعليقات الناس والقراء في المواقع الإلكترونية تتضمن الأسئلة وهي التي تشير إلى الخبر الناقص.
جاء ذلك في محاضرة قدّمتها الكاتبة في مركز عبدالرحمن كانو الثقافي بعنوان” الخبر الصحفيبين الإمكانيات والتحديّات”، كانت بمثابة “إطلالة على الصحافة البحرينية المؤسساتية الراهنة ومراقبة وتقييم أداءها”، واستهلت الموسوي حديثها بالقول: “إذا توقفت الصحافة عن القيام برسالتها الصحيحة وبدورها المنوط بها فكلنا خاسرون، هذه الندوة وغيرها من الندوات تأتي من باب الحب والحرص على صحافتنا التي تواجه اليوم تحدي الإنكماش وتراجع التوزيع وزيادة أعباء الطباعة وشحة الاعلان وضعف الموارد”.
الخبر هو الأساس
أشارت المحاضرة إلى أن “التغطية الصحفية أو الخبر أو القصة الصحفية، كما تسمى في الصحافة الغربية وما يندرج ضمنها من صنوف أنواع الكتابة كلها أساسها الخبر، فالتحقيق واللقاء والتقرير والاستطلاع وحتى المقال أو عمود الرأي أساسه الخبر الصحفي، وكلها تتشابك وتلتحم وتخدم بعضها، وقد تشكل مادة خصبة لاحقًا للقصص الأدبية التي قد تتحول إلى أعمال درامية وهذا ما يفسر ولوج العديد من الصحفيين إلى عالم الأدب في كل مكان في العالم”.
كما أكدّت على أن “قيمة الخبر لا تكمن في إنجاز نشره إنما في ارتداداته وفي تأثيره على الناس وعلى صاحب القرار، فالصحفي الحاذق ليس من يتابع الخبر ويغطيه إنما يهجس بحدوثه ويتوقعه، والصحفي هو زرقاء اليمامة الذي يتنبأ ويحلل وفقًا لمعطيات مادية، وأن الصحفي الجيد هو الذي يتوفر يوميًا على حصيلة من المتابعات والتفاصيل ولا يمكن أن يفلس، فالحياة في هذا البلد أو ذاك مفتوحة على مئات الأخبار، ويستحيل أن يستيقظ الصحفي في يوم من الأيام ليجد نفسه مفلسًا أو بدون الأخبار، كذلك فإن المطبوعة أو المنصة الخبرية الناجحة المتمتعة بالشعبية والثقة يأتيها الخبر كما الإعلان برجليه أحيانًا عبر شتى الوسائل، فالمسؤول يتصل ويهاتف الصحفي، وصاحب شكوى قد تنطوي شكواه على خبر ما، وعالم السوشيال ميديا وتغريدات المواطنين على اختلاف مهنهم ومناصبهم تحمل أيضًا بذورًا للأخبار، بالتالي فإن الصحفي الذي يطور حاسته الخبرية يجد فائضًا من الأخبار في كل مكان وكل يوم”.
وعن التحديات المتعلقة بنشر الخبر من عدمه قالت عصمت الموسوي إنها “قد تأتي من الجانب الرسمي أو الأهلي أو الإعلاني وأحيانًا الشخصي، وأعني بها العلاقات الشخصية التي تربط صاحب الخبر بمُلّاك الصحيفة أو القائمين عليها، فهناك ربما وزارات ومؤسسات ترتبط بمصالح مع هذه المؤسسة الصحفية فلا تنشر أي خبر يسيئ إليها أو لا يتناغم مع مصلحتها بينما قد تبالغ هذه المطبوعة في نشر أخبار ضد غيرها، أو أن يكون الخبر محكومًا بسياسة الإعلان، والإعلان كما نعرف هو المورد الأساسي للصحيفة ولا توجد مطبوعة تغامر بخسارته من أجل الخبر”.
الحريات الصحفية
وعن قانون الصحافة الذي صدر عام 2002 قالت الموسوي “يجب أن نكتب عنه كل يوم من أجل تغييره وتطويره، إن إعطاء الترخيص لإصدار صحيفة ما يعني أن تمنحها الحريات والقانون المسهل لأداءها مع فتح الطريق للحصول على المعلومة، ومنع معاقبة الصحفي على الكلمة والرأي أو تجريمها وها نحن نرصد اليوم الجدل الدائر بين مجلس النواب وبين الصحفيين بشأن قانون الصحافة الذي صدر عام 2002 وأثار استهجان الصحفيين بسبب المواد المغلظة حول الغرامات والحبس والمعاقبة تحت مظلة القانون الجنائي، وكل ذلك يجعل الصحفي يعمل بخوف وتوجس، كما أن ذلك يدفع مسؤولي الصحافة إلى زيادة الرقابة، وكنت أكتب في صحيفة وانتقلت لأخرى، رفعت سقفي الصحفي ولم يحدث شي، أن الرقابة الذاتية وتضييق الصحفي على نفسه هو اسوأ من قانون الصحافة”.
علاقة الصحافة بالحكومة
وعن علاقة الصحافة بالحكومة لاحظت المُحاضرة “أن الصحافة لاعب مهم في المعادلة السياسية، وإذا تحرك الوضع السياسي تتحرك الصحافة تبعًا لذلك، وإذا توقف تتوقف، لذلك رأينا ما حدث لصحافتنا في أعقاب إنطلاق المشروع الإصلاحي لجلالة الملك عام 2002 وما حدث من تحول وما أعقب ذلك من صدور عدد كبير من الصحف. ساهم في رفع شأن الصحافة والصحفيين بل أن الصحافة البحرينية نالت جوائز عربية وإقليمية وانتقلت البحرين إلى خانة متقدمة في تقارير مراسلون بلا حدوم عام 2007 وعام 2008.”
بيد أن هذه المساحة التي تحتلها الأخبار الرسمية في صحافتنا اليوم “التي تشكو من نقص المساحة على إثر تقليص الصفحات” تثير الاستغراب، إذ أن لدى الحكومة اليوم منابرها العديدة للترويج لأخبارها ولتوجهاتها ولا تحتاج إلى الصحافة، كما أن الصحافة لا تتلقى أي معونات أو مساعدة إلا النذر اليسير والذي لا يعول عليه لبقاءها واستمرارها، وجدير بها أن تعتمد على ذاتها وتبحث في مصادر تمكينها ونجاحها لأنها ستترك يومًا دون مساعدة أو معونات كما حدث لكثير من صحف العالم التي اضطرت إما إلى التحول الإلكتروني أو الإغلاق نهائيًا.
ومن وجهة نظر الموسوي فإن “الصحافة الجديرة بالثقة هي التي تحسب الحساب لها الحكومة والرأي العام معًا، فالصحيفة التي لا تقلق المسؤول ولا يحسب لها حساباً أو يخشاها ممارسو الفساد تكون قد فقدت سلطتها وأنيابها. إنني ألخص علاقة الصحفي بالحكومة في حوار دار بيني وبين وزير الإعلام الراحل طارق المؤيد بعد تركه للوزارة حيث أصبحنا أصدقاء بعد سنوات من الاختلاف. قلت له: أنت كنت وزيرًا رسميًا وكنت تمارس عملك وواجباتك، وأنا صحفية أمارس عملي قدر الإمكان بمهنية ووفق القواعد الصحفية، والاختلاف بيينا صحي ومعتاد وطبيعي، وهذا الشد والجذب والمناكفات يحدث تقريبًا في كل دول العالم الثالث التي لم تترسخ فيها مهنة الصحافة ولا تزال محكومة بالقيود والرقابة والقوانين الصارمة وسلطة وزارة الإعلام، إن المناكفة بين السلطة وبين الصحافة هو أمر طبيعي ومحمود، بدونها سنرى صحافة خاضعة وخانعة ولا تخيف أحدًا”.
وأكدت الموسوي في محاضرتها على أن أمام الصحافة الورقية عمر محدد قبل إسدال الستار النهائي كما توقعت أطروحة الزميل غسان الشهابي عام 2018، “مستقبل الصحافة البحرينية المطبوعة في ظل المنافسة الإلكترونية” ولكن هناك أمل في تطويل عمرها إن هي أرادت عبر إكتساب جاذبية مختلفة، وذلك لن يتحقق دون حد أدنى من الاستقلالية.
أما هذا التوجه السائد حاليًا لجعل الصحف كلها نسخة واحدة، كلقاءات رؤساء التحرير الجماعية بالمسؤولين، والمانشيت الواحد والخبر الواحد، فلا يشي بالتعدد ولا يدفع الصحفين للتنافس ويضعف حتى ذلك الهامش الصغير الذي يجدر بالصحيفة أن تخلقه لنفسها من أجل التميز والفرادة.
وثمة إجماع لدى الناس والمتابعين للصحافة على أنها تحولت إلى نسخ متشابهة تمامًا لبعضها بعضاً، وأعيد القول إن تعدد المنابر الصحفية هو الذي يجلب النجاح ويحقق التنافس الصحي ويمنح الرأي العام والناس فرصة أوسع للاختيار، كما أن إغلاق الصحف يقًوض أو يحول دون هذه الاختيارات، وكأن لسان الحال يقول: نحن نحدد لك”.
ملاحظات على الصحافة الورقية
ثم توقفت الموسوي أمام الصحافة الورقية، ملاحظة أنها باتت “تشكو من تقلص عدد الصفحات وعدم وجود المساحة لكن الأخبار الرسمية وأخبار المنوعات تشغل أحيانًا صفحات كاملة، كحفلات الزواج أو افتتاح المشاريع الخاصة أو حفلات تخريج طلبة المدارس والجامعات، لا أعرف أهي إعلانات تحريرية أم ماذا؟ ولكن كل تلك المساحات تأتي على حساب المادة التحريرية الجادة”.
وأضافت: “أسمع من بعض زملائي الصحفيين أنهم يكتبون لهذه الصحيفة أو تلك بالمجان لأنهم لا يودون الإنقطاع عن المهنة التي يعشقونها، وأود القول إن الصحيفة التي تعجز عن دفع خمسة أو عشرة دنانير مكافأة على مقال لصحفي أو زاوية ناجحة ومقروءة أو لكاتب متعاون بالقطعة، فهذا عنوان على الإفلاس، والأفضل لها تقفل أبوابها”.
وأشارت المحاضرة إلى “أن صحافتنا اليوم تفتقد الخبر الاجتماعي الذي هو متوفر كل يوم لكننا لا نجده بل نسمع عنه. كما أن صحافة لا تعترض على أي قيود تفرض عليها ولا تناقشها على سبيل المثال، منع الصحفيين من دخول مقر الاقتراع في غرفة تجارة وصناعة البحرين يوم الانتخابات، فالتزموا جميعهم ولم يعترض أحد ولم يناقش ولم يتخذ موقفًا من أي نوع من التضييق الذي تقرره هذه الجهة أو تلك، ثم حدث الأمر نفسه مع تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية هذا العام، والمعروف أن هذا التقرير حال صدوره يصبح ملكًا للناس جميعًا، والسؤال هو: لماذا تقيد الصحافة بنشر 13 صفحة فقط، ثم يغلق الملف الأكثر توفرًا على الأخبار المجتمعية والمهمة في وقت تطرح فيه البحرين نفسها كمحاربة للفساد وماضية في طريق الإصلاح الإداري ومنسجمة مع رؤية 2030؟ “
وقالت الموسوي”إن تعدد المنابر والمطبوعات الصحفية رفع شأن الصحفي والصحافة بعد انطلاق مشروع جلالة الملك الإصلاحي، وذلك عندما صدرت “الوسط” و”الوقت” اللتين أحدثتا تغييرًا لافتًا في المشهد الإعلامي مثلما أحدثت صحيفة “الأيام” هذا التغيير بعد انطلاقها كثاني صحيفة في البحرين عام 1998، وصار الصحفي يضع شروطه وارتفع راتبه، وكان العمل الصحفي في هذه الفترة ممتعًا وعلى درجة عالية من التنافس والحرفية والاتقان وقد ساهمت المطبوعات الجديدة في رفع سقف الحرية الصحفية وأغنت التنوع والتعدد والاختلاف، هل تجدون اختلافًا بين الصحف حاليًا؟
تحية لمحاربي الصحافة القدامى
اختتمت الموسوي محاضرتها بتقديم تحية إكبار وإجلال لزملائها وزميلاتها الذين عملوا في الصحافة سابقًا واصفة إياهم “المحاربين القدامى، فالمهنة درب (زلق)، ولا إغراءات فيها ومليئة بالتحديات وأكبرها هو تحدي الحيدة والموضوعية في عالم تعود على سماع الرأي الواحد، وكثيرون خسروا وظائفهم لمجرد خبر أو رأي، عشق المهنة واعتبار الكلمة أداة من أدوات التغيير نحو الأفضل في مجتمعنا”.
وعن النساء البحرينيات اللائي عملن في الصحافة قالت المحاضرة: “نافسن زملائهن الرجال بجدارة وخضن في شتى مجالات الصحافة من سياسة واقتصاد ورياضة وإعلان وتحقيقات ميدانية شاقة في الداخل والخارج”، قبل أن تتوقف عند تجربتها الطويلة في العمل الصحفي، قائلة: “لا أزال أتذكر التغطيات الصحفية التي أنجزتها في حياتي في الداخل والخارج والجهد المبذول فيها والحكايات والتفاصيل التي رافقتها، والإضافة التي حققتها سواء لنفسي أو للمطبوعة التي أعمل فيها، ولا زلت أتساءل كيف يجازف الصحفي بحياته ومن أجل ماذا غير عشق المهنة ورغبته في صيد صحفي لافت لنفسه ولمطبوعته، غطيت نهاية الحرب الأهلية في لبنان عام 1989 وكنتُ النزيلة الوحيدة في فندق برستول في قلب بيروت وعلى بعد خطوات من شارع الحمرا، وحيث كان يفترض أن يستضيف الرئيس المنتخب رينيه معوض الذي تلقى تهديدًا بالاغتيال وقد أغتيل بالفعل بعد أيام من اتفاق الطائف، كما التقيت الجنرال ميشال عون المتحصن في قصر بعبدا والذي كان وقتها قائدًا للجيش، وأجريت معه لقاءاً صحفياً، كما التقيت سليم الحص وسمير جعجع وسليمان فرنجية وكانت الصحف اللبنانية تنقل عن صحيفة “الأيام”، وكان ثمة خطورة عالية في التنقل بين المعابر والحواجز الأمنية في بيروت المنشطرة بين غربية وشرقية”.
وأضافت الموسوي: “كذلك لا أنسى تغطية الحرب على العراق من فوق حاملة الطائرات الأمريكية هاريرز، حيث جرى توقيعنا على اتفاق يتضمن مسئوليتنا الكاملة عن أي حدث يقع علينا وكذلك انتفاء التعويض عن أي سوء يحدث لنا، ثم بعد نزول قوات البحرية المارينز على الأرض تجولت في عدة مدن عراقية وسط الانفلات الأمني واختفاء الجيش العراقي، أجريت لقاءات مع الناس ومع مجموعة من السياسيين العراقيين العائدين من المنافي، ولكني استدرك بالقول إنه مهما كانت قوة التغطيات الخارجية فنحن في الصحافة المحلية يهمنا الشأن الداخلي والخبر الداخلي أكثر، وقد كان لي دور كبير في إنجاز عدد من اللقاءات والتحقيقات الموسعة التي كان لها صداها وتأثيرها على الشارع البحريني”.
تفاعل واسع من الحضور
كان من بين حاضري المحاضرة عدد من الوجوه الصحفية البارزة في البحرين، وقد تداخل الكثير منهم بعد انتهاء المحاضرة حول هموم وقضايا الصحافة في البلاد ومن بين هؤلاء الأساتذة علي صالح، سلوى المؤيد، خليل يوسف، محمد الغسرة، فاطمة الحجري، موسى عسّاف، رضي السمّاك، ومن المتداخلين أيضاً كان الشاعر كريم رضي والمحامية د. هنادي الجوهر.