نظام دولي أعور

0
63

في اللغة فإن الأعور هو الذاهبُ إحدى العينين. وأصلُ الكلمة يدل على مرضٍ في إحدى عيني الإنسان. أما في السياسة فالأعور هو من ينظر إلى الواقع من زاوية نظر واحدة، هي زاوية مصالحهِ بعيداً عن العدالة والحق. وإذا كان الأعور في خَلقتهِ لا ذنب له، وقد يكون على خُلُقٍ وأدبٍ رفيع، فإن الأعور في عالم السياسة بالضرورة متجرد من العدالة والقيم الإنسانية النبيلة.

النظام الدولي قبل الأزمة الأوكرانية واجتياح روسيا لها كان واسع العور، فمفاهيم حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية في هذا المضمار تتباين في تطبيقها ما بين البلدان والدول التي تشهد حروبًا وصراعات وأزمات مختلفة. فما يتم اعتباره  في دولة ما جرائم حرب وهتك لكرامة الإنسان وتجاوز لاتفاقيات حقوق الإنسان، يُعد غير ذلك في دولة أخرى، وذلك بإلباسهِ أقنعه أخرى بائسه من أجل إخفاء الحقائق وتحقيق المصالح. أما بعد هذه الأزمة فالعور أصبح أكثر اتساعاً ووقاحةً.

فماذا يعني أن يُجاهر الإعلام الغربي باستغرابه من إندلاع حرب في أوروبا، وأن ينتج عنها الدمار وتشريد الملايين؟ فهذا يجب أن يحدث في مناطق متخلفة كما يرون؛ آسيا أو إفريقيا أو أمريكا الجنوبية. أما أوروبا فدورها أن تُصدّر الديمقراطية والتكنولوجيا والعلوم والسلام والحضارة. لكن التاريخ والحاضر يكشفان لنا زيف هذه الأطروحة الغربيّة وهشاشتها في جانب واسع منها، فالحربان (العالميتان)، الأولى والثانية، هما في حقيقتهما حربان أوروبيتان في مجمل أسبابهما وتفاصيلهما.

منظمة هيومن رايتس ووتش اتهمت صراحةً أوكرانيا بأنها مارست سياسة التمييز ضد الأجانب الفارين من الحرب على أراضيها، داعية الحكومات الأوروبية إلى الترحيب باللاجئين القادمين إليها دون تفرقة. ففي خضم هذه الحرب وردت تقارير عن تعرض أشخاص من جنسيات مختلفة، من غير الأوكرانيين، إلى التمييز، وانتشرت تدوينات ومقاطع مصورة لعرب وأفارقة وهنود وغيرهم منعوا من العبور وقيل لهم إن الأولوية للأوكرانيين.

وقد أشار المفكر العراقي هادي العلوي قبل ثلاثة عقود إلى أن العنصرية من اللوازم الأساسية للثقافة الغربية، لا الثقافة الحديثة التي هي إرث بشري مشترك، وإن اكتملت صورتها الناجزة في الحضارة الغربية الحديثة. ففي 25 مايو 2020 قُتل جورج فلويد بوحشية ودمٍ بارد على يد شرطي أمريكي أبيض. وما هذا إلا مثال واحد من مئات الأمثلة على الممارسة العنصرية اتجاه السود في العواصم الأوروبية.

إن موقف الأمريكان ودول الغرب الأوروبي اتجاه الحروب والنزاعات المسلحة وقضايا حقوق الإنسان متلونة وتكيل بمكيالين، وليست على مسافة واحدة من الجميع. في إحدى تغريداتهِ يقول الرئيس الأمريكي جو بايدن: “يعلمنا القرآن الكريم “فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره” ولهذا ستستمر الولايات المتحدة في الدفاع عن حقوق الإنسان في كل مكان، بما في ذلك حقوق الإيغور في الصين، والروهينغا في بورما، والمجتمعات المسلمة الأخرى في مختلف أنحاء العالم”.

إن مثل هذه التغريدة أو الخطاب يثير التهكم والسخرية، لأنه يتناقض بصورة فاقعة مع الواقع السياسي والحقوقي الذي تعمل عليه أمريكا والغرب، حيثُ تحقيق المصالح الأنانية على حساب حقوق الشعوب، ولو تطلب الأمر اندلاع الصراعات والحروب وتدمير الأوطان.