كعادته كل عام، أقام المنبر التقدمي مؤتمره الفكري السنوي، الذي عالج هذا العام موضوع: “المدينة الخليجية .. التحوّلات والآفاق” بحضور عدد كبير من أشقائنا من دولة الكويت الشقيقة، أعضاء ومناصري الحركة التقدمية الكويتية، الذين يضيفون بحضورهم السنوي ومساهماتهم في دورات المنتدى أهمية كبرى إن من خلال ما يقدمونه من أبحاث فيه أو من خلال مشاركتهم في إثراء مناقشاته، وكذلك بحضور باحثين من سلطنة عمان الشقيقة الذين نسعد دوماً بما يقدّمونه من أوراق مميزة في المنتدى، وكذلك بالحضور الكبير لعدد من الشخصيات الوطنية المرموقة وناشطين ونقابيين وممثلين لمؤسسات المجتمع المدني، أثروا مناقشات المنتدى ومداولاته.
وكما في كل دورة استضافت هذه الدورة من المنتدى عقولاً نيرة لباحثين من مختلف دول الخليج العربي، لمناقشة قضايا جوهرية ومحورية تتصل بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في بلداننا، من أجل تشخيص المعضلات التي تواجهها مجتمعاتناعلى الأصعدة المختلفة، ووهذا ما تشهد عليه موضوعات الدورات السابقة لهذا المنتدى والتي جرى توثيقها جميعاً في كتب أصدرها المنبر التقدمي.
الأمين العام للتقدمي: وظائف منتظرة من المدينة الخليجية
في كلمته الافتتاحية للمنتدى رحبّ الأمين العام للمنبر التقدمي الرفيق عادل متروك بمقدمي الأوراق وبضيوف المنتدى وكل الحاضرين، ملاجظاً أن الباحثين المشاركين في هذه الدورة حرصوا على معالجة موضوع المدينة بأبعاده المختلفة، ليس فقط العمرانية منها، وإنما الاقتصادية والاجتماعية والسكانية، ومحاولة معرفة العراقيل بمختلف أنواعها ومنها القادمة إلينا مع الحداثة المشوهة بما فيها من التباس وتشويش أو تلك الكامنة في بعض الثوابت الموروثة المعطلة لمسيرة الوعي الجمعي.
وأكدّ الأمين العام في كلمته على أن “صيرورة الوعي وتطوّره في أي مجتمع، تأتي أولاً من تملك النخبة الفكرية والسياسية فيه لتصور ومعرفة مسبقة لكيفية انتاج السلعة وتهيئة المزاج العام لاستقبالها، ثم يتم انتاجها وتداولها، لتؤدي فعلها وأثرها، وهذا مانسميه بالثقافة الإبداعية التي اعتادت تخليق المعرفة تخليقاً متجذراً بما لها من تراكم معرفي وسلوك واعي، اصبح معه ارثاً يخدم علاقة الفرد بمن حوله وبالمجتمع وبطبيعة نسق الإنتاج السائد فيه، بينما في مجتمعاتنا تأتينا ادوات الإنتاج مستوردة وجاهزة تمّ التفكير فيها وابداعها واختراعها في بيئة ومجتمعات أخرى، ولغايات تخدم تلك المجتمعات، لتصبح معها ايضا معرفتنا مستوردة وجاهزة ومعلبة خالية من الإبداع ويمكننا وصفها بالمعرفة الملازمة للأنظمة الكومبرودارية.”
وأضاف: “نحن هنا، إذن، أمام تحوّل تراكمي مشوه أنتج ثقافة ووعي مشوهين، حيث نلمس التناقض بين التحولات المادية الكمية والنوعية التي أحدثها واقع مستجد جرّاء الثراء المفاجئ الناجم عن عوائد النفط وما تبع ذلك من هرولة نحو استيراد أحدث تقنيات وصرعات مواد الإستهلاك والبهرجة العمرانية المبالغ فيها، وبين المعرفة والثقافة كوعي يجب أن يتأصل في سلوك المجتمع.
وخلص الأمين العام إلى أن “أولى الخطوات اللازمة لكي تتحرر المدن الخليجية من ذلك، هي في أن يستقل وجودها المادي من القيود السياسية والاقتصادية بشروطه الحالية، وحين تتحقق هذه الأمنية سوف تؤدي غرض ووظيفة اجتماعية واقتصادية تخدم الإنسان في الخليج وتنمي مداركه لكي يضطلع بدوره الفعلي في بناء وتطور مجتمعاتنا، وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال توافر عوامل وشروط محددة لطالما أعدناها مراراً، وسوف نظل نعيدها مادمنا نشعر أنها لم تتحقق بعد ومنها:
- تحفيز الاقتصاد المحلي المنتج والموجه.
- وضع البرامج ورصد الميزانيات القادرة على إعداد الكوادر الوطنية المؤهلة والمتخصصة بإدارة المشاريع الاجتماعية والاقتصادية.
- اطلاق الحريات العامة والمشاركة الشعبية في رسم السياسة الوطنية.
- توسيع الصلاحيات النيابية وإنشاء محاكم متخصصة لمحاربة الفساد بمختلف أنواعه.
أحمد الديين: قصة مدينتين
الباحث الكويتي الرفيق أحمد الديين الأمين العام السابق للحركة التقدمية الكويتية قدّم ورقة بعنوان: “قصة مينتين .. الكويت والأحمدي”، حيث أوضح أننا “عندما نتحدث عن مدننا الخليجية فإننا نجد أنفسنا أمام حالات متباينة سواء لمدن تتراجع أهميتها وتتحوّل إلى مدن هامشية أو ربما هي تنقرض؛ ومدن أخرى تبرز وتتسع وتتنامى… ولعلّ النقلة السريعة، التي شهدتها بلدان الخليج العربية ومجتمعاتها بعد النفط في ظل نشوء وتشكّل نمط الانتاج الرأسمالي الكولونيالي التابع، أدت إلى تسارع مثل هذه العملية، حيث شهدنا في غضون حياة جيل واحد نشوء مدن جديدة لم يكن لها وجود قبل ذلك، وأبرزها المدن النفطية الثلاث: عوالي في البحرين، والظهران في السعودية، اللتين تم إنشاؤهما في بداية ثلاثينات القرن العشرين، والأحمدي في الكويت، التي أنشئت في نهاية الأربعينات، كما شهدنا في المقابل ضمور مدن أخرى، بل تفريغها من السكان، مثل مدينة الكويت العاصمة في عقد الستينات، بعد أن كانت ميناء ومركزاً تجارياً نشطاً منذ أواخر القرن الثامن عشر.
الكويت والأحمدي
وأوضح الباحث أن ورقته التي تحمّل عنواناً مستوحى من رواية تشارلز ديكنز، “قصة مدينتين” أن تلقي ضوءاً على نشأة مدينتي الكويت والأحمدي والتحولات التي شهدتاها واستشراف آفاق مستقبلهما كونهما المدينتين الرئيسيتين في دولة الكويت، فمدينة الكويت هي العاصمة، ومدينة الأحمدي هي عاصمة النفط… كما يعود اختيارهما إلى أمر آخر يتصل بنشأة المدينتين وأفولهما، فمدينة الكويت نشأت بالأساس كميناء، مستفيدة من موقعها على جون الكويت الهادئ، وارتباطها تاريخياً بخطوط النقل البري للقوافل، فيما نشأت مدينة الأحمدي كمقر لإدارة شركة نفط الكويت وسكن العاملين فيها ومنطقة لتجميع النفط المستخرج من حقول النفط القريبة في برقان والمقوع والأحمدي وضخه عبر الأنابيب إلى ميناء التصدير، بالاستفادة من ارتفاع مستوى المدينة عن سطح البحر، بحيث يتم الضخ بقوة الجاذبية من دون حاجة إلى استخدام معدات الضخ، ما يخفض كلفة الانتاج، بالإضافة إلى كون الأحمدي مشروع مركز كولونيالياً، وهذا كان واضحاً في الطراز المعماري لمدينة الأحمدي وتخطيط طرقها ومستوى خدماتها، والأهم من ذلك كان واضحاً في تركز البريطانيين والأميركان فيها”
وأشار الديين في ورقته إلى أن الوضع “قد تبدل عندما بدأ الدور الوظيفي لهاتين المدينتين في التداعي، بحيث لم تعد الكويت الميناء الرئيسي للعراق وشمالي الجزيرة العربية، فقد تراجعت أهمية المدينة، ومعها جاءت الضربة القاصمة لمدينة الكويت عبر تنفيذ المخطط الهيكلي الأول في العام 1952 الذي أفرغها من سكانها، من خلال استملاك منازل المواطنين فيها ونقلهم إلى السكن في الضواحي، وهذا ما عكسه على نحو ساخر المسلسل التمثيلي الكويتي الشهير “درب الزلق” الذي انتجه تلفزيون الكويت في السبعينات… وعلى نحو أقل دراماتيكية فقدت مدينة الأحمدي دورها الوظيفي شيئاً فشيئاً مع اتساع النطاق الجغرافي لحقول النفط المكتشفة والمنتجة في الكويت، بحيث لم تعد هذه الحقول ومرافق الصناعة النفطية متركزة بالقرب من الأحمدي، مثلما كانت الحال عند انشائها في النصف الثاني من الأربعينات”.
وأشارت الورقة إلى أنه “بعد منح شركات أميركية ويابانية امتيازات أخرى للتنقيب عن النفط، لم تعد شركة نفط الكويت هي الشركة النفطية الوحيدة في الكويت… ولاحقاً في العام 1975 بعد تأميم شركات النفط في الكويت، ما طرأ من تغيير على تركيبة اداراتها وجنسيات العاملين فيها، لم تعد الأحمدي تلك المدينة الكولونيالية البريطانية، وإن حافظ طرازها المعماري على شكله، حيث لم تعد مدينة الأحمدي تمثل المركز الوحيد للصناعة النفطية في الكويت، وإن استمرت مركزاً لإدارة شركات النفط، وبذلك فقد أفلت المدينتان، ولعله مثلما شهدنا في مسلسل “درب الزلق” أفول مدينة الكويت بعد التثمين، فقد تنبأت مسرحية “الكويت سنة 2000″ التي جرى عرضها في العام 1965 بأفول كارثي لمدينة الأحمدي… وسنقرأ في ثنايا هذه الورقة قصة المدينتين”.
علي الرواحي: الفضاءات العامة في مسقط
من جانبه تناول الباحث العماني علي الرواحي في ورقته موضوع “الفضاءات العامة في مسقط، أو كيف يتشكل الفرد في الريف المتمدن؟”، حيث لاحظ أن سلطنة عُمان، ناهيك عن العاصمة العُمانية مسقط، “تتشكل من تقسيمات مناطقية ذات مرجعيات قبلية، وعائلية. وهذا ينعكس على مسميات الكثير من المناطق المختلفة، فهذه المسميات تعكس سياقات تاريخية، وتُشير لمناطق نفوذ محددة لهذه المناطق، كما تُشير بدرجة موازية لتجمعات عائلية كانت مسيطرة عليها في فترات تاريخية سابقة. فالتاريخ يحضر في تضاريس الجغرافيا بطريقة لا يمكن تجاهلها، بحيث أن الرسائل الضمنية والواضحة، مهما حاول العقل الجديد وبشكلٍ خاص غير المحلي غض الطرف عنها، فإنها تقف بالمرصاد في كل اللافتات واللوائح الإرشادية التي تُشير لأسماء المناطق والقرى العُمانية المختلفة.”
وأضاف: “منذ البدء، وبعيداً عن الجانب التاريخي المتجسد في المباني والآثار التاريخية لها، التي تشير لصراعات مختلفة، نجد أن الأودية والقرى والبلدات ليست محايدة أيضاً، بل تملأ الفضاء العام بالمضامين التاريخية، والتجاذبات السياسية، والإرث العائلي. وهذا لا ينطبق على محافظة دون الأخرى، فهو سمة أساسية من سمات الجغرافيا العُمانية، أو ما يمكننا أن نُطلق عليه تراصف التاريخ والجغرافيا، حيث نجد في محافظة الباطنة بشمالها وجنوبها – على سبيل المثال، أسماء قرى وبلدات تُنسب لأفراد ولأسر وعوائل، أو سميت بأسمائهم، تخليداً لذكراهم، أو لسيطرتهم عليها، أو لإقصاء الآخرين من فضاءاتها”.
كما لاحظ الباحث “أن السمة الأساسية التي تجعل مسقط مختلفة عن بقية المناطق الأخرى، هي أن الفضاء العام لا يُنتج عقلاً متمدناً، أو عقلاً مؤسساتياً يوازي الجهود المختلفة بالرغم من ضعفها والملاحظات الكثيرة عليها، ولا يساهم في تأسيس تفكير مقطوع الصلة بالتجاذبات القبلية والصراعات السابقة، بل وعن طريق هذه الأسماء وغيرها من العوامل الأخرى التي لا صلة لها بهذه الورقة، وهذا التوزيع المناطقي كما هو الحال في ولاية السيب – على سبيل المثال – في حيل العوامر، وسور آل حديد، وغيرها من القرى، يُغذي هذا الجانب بل ويضعه حاضراً أمام الأذهان بشكل ٍ مستمر”.
من وجهة نظر الباحث فإن الأمر في مسقط “لا يقتصر على المسميات، بل يصل أيضاً وبدرجة كبيرة لجغرافية الأماكن وطبيعتها العميقة، فالجانب الريفي يحتل في العاصمة مسقط الجزء الأكبر منها، وهذا يصل لما يزيد عن 70% من المساحة الكُلية للعاصمة. فولاية السيب، بوشر، قريات، القرم، الوطية، وغيرها من المناطق السكنية والعمرانية، تعتبر بمعنى من المعاني امتدادات للقدامة، والتراث، والجذور الريفية. بهذا المعنى، لا توجد مناطق ومدن حديثة في مسقط، إلا محاولات متبعثرة، غير منهجية، وغير منُظمة، لزرع المعمار الحديث في وسط هذا الريف الذي يسعى للتمدن بخجل. وحتى هذه المحاولات المبعثرة ترضخ تحت قدامة من نوع آخر، تتمثل – على سبيل المثال – في سكن قبائل وأسُر معينة في مناطق جغرافية محددة”.
الفضاءات العمومية، الزمن، وحدود التعددية:
في مقابل ذلك، يلفت الباحث إلى أن مسقط “تمتلأ مثل الكثير من المحافظات الأخرى، بالأماكن العمومية الجديدة، والمتنوعة، المتوجهة لأجيال جديدة، مغايرة عن الأجيال السابقة، ولاحقة لها، فهي تسكن في التخوم، بين الجانبين، بين المسميات القديمة المتناثرة في الأماكن والقُرى والأرياف داخل مسقط وخارجها، وبين التقنية الحاضرة في كل مكان من جهة، والتواجد في الأماكن العمومية كالمقاهي والمطاعم، والإنشغال بالوظائف التقنية الجديدة من الجهة الأخرى.
لكن التحديث، بمنظور الكاتب “لا يزدهر عن طريق المقاهي، والفضاءات العمومية التجارية، بل يجد دفعته الأولى في الأماكن العمومية الأكاديمية التي يزدهر فيها النقاش، والحوار بين وجهات النظر المختلفة، ولا يقوم التمثيل بالمعنى السياسي والاجتماعي بمهمته على أكمل وجه، دون وجود حاضنات حضرية تستوعب هذا التنوع وتغذيه”، وهذا بدوره “لا يزدهر في ظل وجود أحادية لغوية وثقافية، فطرق التعبير ليست ذات طبقة واحدة، ولا تستخدم أداة مُفردة، بل هي عبارة عن تركيبة متداخلة من التسهيلات والتشريعات السياسية المُحفزة لوجودها”.
هشام عقيل: المدينة الخليجية ونمط الإنتاج الكولونيالي
الباحث البحريني هشام عقيل تناول في ورقته موضوع “المدينة الخليجية ونمط الانتاج الكولونيالي”، حيث انطلق من “أن تحديد بنية نمط الإنتاج، يحلل علم عمران التاريخ، هذه البنية من ناحية: البنية الأساسية، وبنية الممارسات الاجتماعية، والبنية الاقترانية. وبالبنية الاقترانية أعني التالي: بأن كُلّ الأنماط الإنتاجية في التاريخ إما تقترن سينكرونياً وإما دايكرونياً. في حالة نمط الإنتاج الرأسمالي، ثمة فصيلتان لمثل هذا النمط: أحدهما يقترن سينكرونياً (البلدان المتروبولية) وثانيهما يقترن دايكرونياً (البلدان الكولونيالية). الاقتران السينكروني يعني، ببساطة شديدة، بأن عناصر نمط الإنتاج تقترن ضمن منطق البنية الاجتماعية القائمة؛ بأن هذه العناصر تحدث تحوّلاً بشكلٍ متزامن مع منطق البنية الاجتماعية القائمة. أما الاقتران الدايكروني فأنه يعني بأن عناصر نمط الإنتاج تقترن بشكلٍ لا- متزامن مع منطق البنية الاجتماعية القائمة.
وتوقف أمام أن “رأس المال الكولونيالي يختزن توجهين متناقضين، وهذه الحقيقة موجودة بدءاً من المستوى التجريدي الذي نفترض فيه بأن نمط الإنتاج الكولونيالي موجود في جزيرة معزولة عن العالم بغض النظر عن التأثيرات الخارجية، أيّ وفق نمط الاقتران نفسه، ليلاحظ بأن التراكم الكولونيالي لا بد أن يتميز بعلاقة نسبية. حين نحلل التراكم الكولونيالي ككل سنجد بأن ثمة تناسباً عكسياً ما بين التوجهين، وحالما نعيّن للتوجهين معدلاً غير متكافئ للتراكم (وذلك لأننا نفترض بأن التراكم يدور حول توجه واحد بالتحديد؛ وهذا ما أسميه بالحركة المحوّرية) فإننا سنكون أمام علاقة نسبية ما بين معدلي التراكم الكولونيالي، وينعكس ذلك مباشرة على النسبة ما بين إنتاج الوسائل الإنتاجية وإستهلاكها. نطلقُ على هذه النسبة تسمية التراكم – النسبي، لا بمعنى بأن التراكم الكولونيالي هو نسبي، بل بأن التراكم الكولونيالي يختزن هذه النسبة”.
مميزات رأس المال الكولونيالي
اورد الباحث سبع ميزات يرى أنها ملازمة لرأس المال الكونيالي، فهو، أولاً، لا يتقدم إلا إذا قامت حركته المحوّرية على توجه واحد بالتحديد، في تحقيقه لوظيفته، إذ إن هذه الوظيفة هي التي يتمحوّر عليها معدل الربح، وثانياً، فإنه كلما يتقدم رأس المال الكولونيالي يخلف – بالضرورة – مقادير أعظم للتراكم النسبي، وثالثاً، فإن هذا المقدار من التراكم النسبي لا يُمكن أن يستثمر في تنمية الوسائل الإنتاجية فلا بد أن يُستثمر في قطاعات اخرى (وفي نموذج التراكم، يستثمر التراكم النسبي في رأس المال الثابت للقطاع الثاني)، ورابعاً ينص القانون العام لتطور نمط الإنتاج الكولونيالي بأنه كلما هبط معدل الربح كلما تضخم معدل التراكم النسبي (أيّ التراكم النسبي قسمة القيمة الزائدة)، وخامساً يتضخم التركيب العضوي الكولونيالي بفعل تضخم التراكم النسبي، والعكس بالعكس، وفقاً لهذه الحقائق، لا بد أن نقول، سادساً، بأن القوى الإنتاجية الكولونيالية تتطور بشكل محدود بنيوياً كأثر لطبيعة العلاقات الإنتاجية نفسها، وسابعاً نكتشف بأن نمط الإنتاج الكولونيالي محدود بنيوياً (أو لنقل: لأسباب داخلية) قبل أن نحلله في علاقته التبعية في النظام الرأسمالي العالمي، إذ أنه محدود بنيوياً بطبيعته لا بفعل خارجي (سواء أكان الشكل الملموس الذي يظهر عليه أو “التأثير الإمبريالي” المباشر عليه كما تقول نظريات النظم العالمية، والتبادل اللامتكافئ، وغيرها)؛ هذا بغض النظر عن كل التأثيرات الخارجية الأخرى.
وبرأي الباحث “فإن كُلّ البلدان الخليجية تتشارك الميزة التالية: بكوْن الوظيفة الكومبرادورية هي الطاغية فيها، وبأن الوظيفة هذه تطغى في الإنتاج النفطي أساساً. لكن دعنا لا نُسيء فهم هذه الحقيقة. أنا لا أعني بذلك بأن طغيان الوظيفة يرجع إلى ما يُسمى بتخصص البلدان في التقسيم العالمي للعمل، وبالأخص تلك التحليلات التي تقوم بتشخيص بلدان الخليج (وغيرها من البلدان) كمصابة بالداء الهولندي. وإنما أشير إلى الحقيقة البنيوية للوظيفة الكولونيالية ككُلّ”.