أتابع كغيري من الموطنين المؤتمرات المعنية بالشان المحلي حول التعليم والصحة والاستثمار وبرامج التعافي الاقتصادي وتنمية القطاعات الجديدة وغيرها من البرامج الهادفة الى النقلة النوعية وتطوير المرافق والاجهزة والهيئات الرسمية في المرحلة المقبلة ضمن بيئة من التنافسية والشفافية والعدالة “تماشياً مع رؤية البحرين 2030 وفق ما تقول الديباجة الرسمية”.
والواقع أنها مؤتمرات مهمة وشديدة الصلة بحياة الناس ومعاشهم، ولسنا نعلم أهي خصخصة وإن لم تقر بالتسمية صراحة ام مزيج من هذا وذاك أم ماذا؟؛ ذلك أن تعبير الخصخصة يخيف الناس ويشعرهم أن الحكومة تريد التحوّل عن الإلتزامات الأساسية المفروضة عليها باتجاه تحميل أو مشاركة المواطنين جزءا من هذه الالتزامات.
ففي اللقاء الذي عقده معالي الفريق طبيب الشيخ محمد بن عبدالله آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للصحة الشهر الماضي حول البدء ببرنامج الضمان الصحي والتسيير الذاتي في الرعاية الصحية بحضور رؤساء تحرير الصحف المحلية، وكلنا يعلم أن مثل هذه المؤتمرات المعتادة والمتكررة لا تستدعي حضور رؤساء التحرير – الذين اصبحوا وجوها بارزة في كل اجتماع – انما يغطيها صحفيو الأخبار المتابعون والمتخصصون في مختلف القطاعات كما جرت العادة، وكما هو الحال في كل المؤتمرات الصحفية، وحيث تطرح كل صحيفة أسئلتها الصحيحة وتغطيتها الجريئة لتنفرد بتميزها، فليس وجود رؤساء التحرير هو ما يمنحها القيمة والمكانة والمصداقية والإختلاف إنما هي أسئلة الصحفيين والتشارك والتحاور حول الموضوع المطروح وشرح تفاصيله بكل أبعادها المعلنة والخفية والمبهمة.
فالتحوّل في أي منظومة جدير به أن يرسم صورة شاملة للحضور تحدد “كنا هنا ونريد أن نكون هنا عبر هذه الوسائل وصولاً لهذه الأهداف متضمنا ذكر التفاصيل والأرقام، فكم هي الميزانية المخصصة أو المتوقعة (وفق الدراسات التي أجريت) لهذا القطاع قبل وبعد؟ لأن لغة الأرقام هي لغة المصداقية والشفافية.
نظام الصحة الوقائية تحديداً والمتمثل في المراكز الصحية المجانية يعدّ واحداً من أفضل المنجزات الصحية الناجحة في بلدنا منذ سنوات، وهو نموذج رائد على مستوى الخليج والعالم العربي وعلى صعيد العالم ربما، وهو أحد المؤشرات التي على اساسها حصلت البحرين على مراتب عالية في تقرير التنمية البشرية الأممي، وهو جدير بالتعزيز وبالإحتذاء، فلماذا نغيًره وبأي كيفية، ومن الرابح ومن الخاسر من هذا التحوّل؟
ونعلم أن الضمان الصحي أيضاً سيتطلب تغييراً جذرياً في إدارة المستشفيات الحكومية تختلف عن النظام الإداري الحالي وستمنح المراكز الصحية والمستشفيات صلاحية أكبر عند تطبيق نظام التسيير الذاتي ما يعني أيضاً تغييراً في نظم اقرار الميزانية ونظم توظيف القوى البشرية، وسيمَكن هذا البرنامج الإدارة وشركاء المشروع من جني المداخيل المتأتية من جيب طالبي الخدمة الصحية وتوظيفها في تطوير القطاع، هو برنامج تخصيص وقد سمعنا عنه منذ عدة سنوات وتأخر تطبيقه ربما بسبب جائحة “كورونا”، وحسب المتوفر من المعلومات فإن المواطن في برنامج التسيير الذاتي سيدفع مبلغاً بسيطاً لأول مرة ثم جزءاً من سعر الادوية، واذا استدعى الأمر عملية جراحية أو إدخال المريض للإقامة القصيرة أو الطويلة، أو إلى اجراء الفحوصات أو الأشعة فهناك ايضا استحقاق حسب نوع التأمين الذي هو نوعان؛ التأمين الأول شبه مجاني مع خدمات محدودة، والتامين الثاني أعلى سعراً مع خدمة صحية أكبر وأجوَد .
ولعلّ السؤال الأهم هو: هل التوجه نحو الخصخصة في ظل إندلاع الجوائح الكونية (جائحة كورونا مثالاً) قراراً صائباً؟؛ حيث ثبت أن الإدرات الحكومية هي الاقدر على ادارة ملفات الأمراض وتوزيع الأمصال والوقاية وغيرها، أما السؤال الآخر فهو المتعلق بالمواطنين المعسرين، أو أصحاب الدخول المحدودة، وهي نسبة لا يستهان بها في بلدنا في ظل تصاعد الضرائب وتنامي الغلاء المعيشي، فهؤلاء ستكون الخصخصة عبئاً اضافياً على مداخيلهم المحدودة، فهل سيتساوون مع غيرهم عند تطبيقه أم ترفع مداخيلهم أو يعوَضون بطريقة أو بأخرى؟
أسئلة مشروعة وجديرة بالمناقشة في أي مؤتمر يعلن التحول إلى نظام خدماتي مخصخص وغير مسبوق. وإن مؤتمراً بلا اسئلة ولا نقاش مستفيض هو وجبة ناقصة وغير مُشبِعة، انما دافعة لمزيد من الجوع المعرفي والمعلوماتي.