حين تفصّل القوانين على مقاس البعض

0
20

هل تُفصّل القوانين على مقاس او رغبات او مصالح البعض؟

أخشى أننا تبلغنا بذلك، أو فهمنا رسالة بهذا المعنى، وكأن هناك من يصر على “تيئيس” من تسوّل له نفسه ان يتفاءل ويستبشر خيراً. لقد مرّت أمامنا وقائع وتفاصيل صادمة تدخل اليأس إلى النفوس، يتعاظم عنصر الصدمة فيها حين تُمس “الأساسات”، وحين يكون أطراف هذه الصدمة أو أبطالها نواباً يفترض أنهم يمثلون شعب البحرين، ذلك وغيره أوصلنا إلى قناعة بان اليأس من بعض النواب أصيل ومقيم ومستدام، بل يمكن القول إننا تدربنا على اليأس منهم، لاسيما بعد أن وجدناهم فى أكثر من مشهد يتنازلون طوعاً وبوضوح ليس بعده وضوح عن صلاحياتهم فى الرقابة والمساءلة والاستجواب، واخيراً اكتشفنا انهم تحولوّا بقدرة قادر من العمل التشريعي الى “ترزية” قوانين وهذا الوصف المعبّر ورد فى تغريدة للنائب فلاح هاشم..!

  ما جرى حيال موافقة مجلس النوّاب وهو يختتم أعماله ويسدل الستار على نهاية الفصل التشريعى الخامس غير مأسوف عليه، وفى موقف مثير لقدر لا يستهان به من الأسئلة المقرونة بكمٍ من علامات التعجب حين جرى النظر فى مقترح تعديل مادة من مشروع قانون الجمعيات والأندية العاملة فى ميدان الشباب والرياضة، المقدم من الحكومة بشكل طارئ ودون ان يكون مدرجاً على جدول الأعمال ونصه “لا يجوز أن يكون المرشح لعضوية مجلس إدارة النادى أو المجمع أو الهيئة الرياضية أو مركز تمكين الشباب أو الهيئة الشبابية أو اتحاد اللعبة الرياضية منتمياً لأي جمعية سياسية، كما لايجوز الجمع بين عضوية مجلس إدارة اأثر من نادٍ أو أكثر من اتحاد لعبة رياضية، أو الجمع بين عضوية نادٍ واتحاد لعبة رياضية “.

 والمفاجأة المذهلة انه جرى وبقدرة قادر ودون مقدمات تكييف تلك التوصية على هوى أحد النواب بحذف عبارة “أو اتحاد اللعبة الرياضية”، وهذا يعنى أن الحظر الذى لا معنى له أساساً يشمل كل تلك الكيانات باستثناء عضوية الاتحادات الرياضية، تصوروا، فقط لأن هناك من انتبه إلى أن من بين اعضاء مجلس النواب من هو قيادى فى عضوية اتحاد رياضي، ولا بد من القيام بالواجب حياله فى مشهد لاينسى ولايحتاج إلى شرح يطول.

اصحاب العيون المفتوحة وجدوا أنهم أمام حالة تمثل انتهاكاً مروعاً لأبسط قواعد المسؤولية البرلمانية وتعارض المصالح، فمجاملة أو مجاراة أو مراضاة أو مسايرة أحد أعضاء لجنة الخدمات البرلمانية التى نظرت فى مشروع القانون وأقرت دون تردد أو تحفظ أو توضيح وبقلوب صافية استثناء من ينتمى لعضوية الاتحادات الرياضية، فقط لأن هناك من بينهم قيادى فى أحد هذه الإتحادات، هو بالمختصر المفيد أو غير المفيد مسّ نزاهة العمل البرلماني فى الصميم، شكلاً ومضموناً، لأن هذه النزاهة التى لو توفرت ما كان يمكن للجنة أو المجلس النظر فى الموضوع، أو أي موضوع آخر طالما لعضو من الأعضاء مصلحة فيه بشكل مباشر او غير مباشر، بل لا يجوز لهذا العضو أن يشترك حتى فى مداولات اللجنة المهنية أو المجلس النيابي بشأن الموضوع أو التصويت عليه، فذلك أمر يدخل وبصورة جليّة تحت مظلة تعارض المصالح، وعلينا ان نفهم جيداً ماذا يعنى تعارض المصالح، مع قناعتنا بأن أي حالة من هذا النوع، من جانب النواب خصوصاً، لا ينبغي أن تمر مرور الكرام.


ليس ذلك وحده الذى ينبغي ألا يمر مرور الكرام. هناك أمور اخرى عديدة ومرتبطة فيما بينها، منها
ما أشرنا اليه فى مقالنا السابق “شبابنا والعمل السياسي .. محاولة للفهم”، ونحن هنا نحصر الحديث عن ما جرى فى الجلسة الختامية، منها كعناوين، فذلك الحظر يتعارض مع الدستور وأحقية المواطن فى تكوين أو الإنضمام للجمعيات والأندية والنقابات، وأنه لا يتوجب ان نبتدع قيودا وموانع هدفها الحيلولة دون تفاعل شبابنا فى أي كيانات قائمة بذريعة عدم الإنخراط فى الشأن السياسي، رغم أن مفهوم السياسة بوجه عام يأبى الامتلاء، مفهوم ينفتح ويتسع ويتفرع ويحيط بكافة نشاطات الإنسان، من ضمن تعاريف السياسة انها عملية بحث دائم للتفاعل مع تطلعات وحاجات المجتمع، والتعبير عن هموم الناس وحقوقهم، هل نحن بحاجة للتعريف والتذكير بذلك.

نعود الى ذلك الموقف الذى شهدناه فى آخر جلسة للمجلس النيابي،  فقد جاء فى وقت يفترض فيه أن النواب خاصة الذين توكلوا على الله وقرروا معاودة ترشيح أنفسهم فى الانتخابات القريبة المقبلة، بناء على “رغبة الناخبين” وفق زعم بعضهم، هم بحاجة إلى تحسين صورتهم المشوّهة التى تحتاج إلى الكثير من أدوات التجميل والكثير من المهارة لإزالة ما اعترى أدائهم من أوجه خلل لا ترمم، بل قبح لا يرمم، وليس تعميق هذا الخلل والقبح، مهما كانت الحسابات الأساسية، فى الجوهر والأبعاد والتساؤلات، فى هذا الشأن نرى ان هذا الموقف، كما هو الحال بالنسبة لمواقف عديدة لمن كانوا برلمانيين، يمثلون وللأسف شعب البحرين، وهذا أمر يحتاج إلى كلام صريح فى الفترة المقبلة، التى يفترض أنها فترة تقييم ومراجعة من قبل الناخبين.

أتمنى فى الانتخابات المقبلة أن يكون الناخبون قوى تغييرية حقيقية، لا قوى تأتى من جديد بهكذا نواب، أو تجدد من لا همّ لهم اليوم إلا تبيض صفحتهم، كما أتمنى أن يكون الناخب على وعي بحيت لاتكون عملية الانتخاب مجرد تبديل بوجوه مماثلة، لا تغيّر شيئاً قليلاً أو كثيراً، إن لم تضفِ على المشهد البرلماني مزيداً من القبح الذى لايرّمم لنستمر ندفع الثمن، ثمن انسيابية العبث حتى آخر رمق، واخشى ان هذا امر اكبر من قدرتنا على التّحمل!.