مع اقتراب موعد الإستحقاق الانتخابي، وكدليل على مدى أهمية الحدث القادم الينا حثيثا مع بداية الربع الأخير من العام الجاري، يكثر الحديث في الأوساط الشعبية والمجالس، وإلى حد ما في أوساط النخب ومؤسسات المجتمع المدني حول طبيعة وتشكيلة المجلس النيابي القادم، وفيما تصحّ مقاربة التجربة أو المجلس القادم بالمجلس المنتهية فترته التشريعية والرقابية بأدواره الأربعة، وذلك من حيث التشكيلة والطرح والمعالجات والقدرة على التأثير الفعلي في المشهد العام وحين التعاطي مع الحكومة وأصحاب القرار، وفي ظل محدودية الصلاحيات والقيود التي باتت معروفة عن تجربة لا زالت تعتبر وليدة من حيث العمر الزمني وتراكم الخبرات.
والحقيقة أن طبيعة ما يدور من حوارات وأحاديث سواء عبر وسائل الإعلام المختلفة أو المنتديات أو حتى من خلال قنوات ال”سوشيال ميديا”، هي بحد ذاتها تفصح بشكل جلي عن تطلعات وطموحات الناس أولاً للتجربة، وكذلك هي مؤشر على مدى الحاجة إلى ضرورة تقييم التجربة من خلال جوانبها المتعددة، ومدى قدرة الحكومة على العمل بشكل مغاير وأكثر ايجابية مع السلطة المنتخبة، خاصة وأن حجم التحديات والمصاعب أمام الجميع، بات يتطلب بكل تأكيد والحاح فهماً وتفهماً اكبر، ليس من زاوية التعاطي السياسي فحسب، وإنما أيضاً من زاوية الإلتفات بصورة أكبر للمصلحة الوطنية النابعة من ضرورة خلق أجواء عمل محفزة للجميع للتعاطي مع كافة الملفات، ومن أجل أن تتكامل بشكل جاد جهود السلطتين التنفيذية والتشريعية بحيث تستطيعان معاً، وضمن منظومة التشريعات والفهم المتبادل والمأمول لخلق حالة أكثر ايجابية يسود فيها الإنسجام والعمل الخلاق بعيداً عن ترسيخ فهم مبدأ المغالبة الذي استمر طويلاً دون تحقيق الفاعلية أو الإنسجام المنشود والتفاعل الشعبي بصورة اكبر.
ولعلّ من بين ما يدور حالياً من حوارات لافتة هو التركيز بشكل غير مسبوق حول ما إذا كان من الأجدى دعم شرائح الشباب للوصول لقبة البرلمان أم التركيز على أصحاب الخبرات من التكنوقراط والمخضرمين والمنتمين للتيارات السياسية المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني.
والحقيقة ان مثل هذا الطرح يستحق المزيد من الحوارات تحقيقا لفهم أفضل وتعزيزاً لعوامل الثقة في دور ومكانة السلطة التشريعية، وحتى تستقر التجربة وتتطور وإن ببطء، لكن من المهم أولاً وأخيراً أن تستمر لأنها جاءت نتيجة مكابدة سياسية وشعبية دامت طويلا.. على أن هذا لا ينفي القول بأن تجربة المجلس المنقضية بإنتهاء الدور الرابع من الفصل التشريعي الخامس قد دخلها ما يربوا على37 شابا وشابة (..) أو لنقل وجهاً جديداً إن شئنا الدقة! السواد الأعظم منهم لم يكن معروفا عنه الإنتماء لتيارات سياسية او حتى خاض تجارب سياسية واقتصادية ومجتمعية قريبة مما يتطلبه العمل البرلماني من خبرات ولو في حدها الأدنى.
صحيح أن الحماس ربما كان سمة بارزة خاصة في الدورين التشريعيين الأول والثاني تحديداً، إلا أن ذلك وحده لم يكن كافياً بكل تأكيد، وهذا ما لمسه كل المتابعين للحراك البرلماني طيلة السنوات الأربع المنقضية من هؤلاء النواب الجدد الذين دخلوا التجربة وكلهم اخلاص من اجل ان ينجحوا بكل تأكيد، على ان الاستثناء ربما كان في أولئك النواب الذين خاضوا غمار التجربة من قبل وكيف تعاملوا في حدود ما هو متاح مع مختلف الملفات، حيث حاولوا مع بقية من اتسموا بالجدية من زملائهم وبشتى الوسائل خلق اجواء برلمانية تتسم بأهمية ممارسة الدور الرقابي والتشريعي بشكل مدروس ومنهجي، واستطاعوا من خلال تواجدهم وإسهاماتهم في اللجان الأساسية والنوعية ولجان التحقيق والإجتماعات واثناء مناقشة الملفات المهمة كالموازنة العامة وملفات التقاعد وبرنامج عمل الحكومة وكذلك ملف ضريبة القيمة المضافة وملفات المناقشات العامة في التعليم والصحة وسوق العمل والبطالة والإسكان وطيران الخليج، أن يساعدوا بقية زملائهم وأن يضعوا بصماتهم بوضوح وإن خانتهم كثيرا آلية التصويت وانفلاش وهلامية غالبية الكتل بشكل عام.
لقد اتضح بشكل جلي أن الغالبية من النواب هم من حديثي العهد بالتجربة والذين عوّل عليهم الشارع إبان الانتخابات وبعدها كأدوات للتغير، وبدت كتلهم إما مفتتة او تائهة وحتى قليلة الحيلة آحايين عديدة، فيما بدا النواب المنتمون أساساً للجمعيات والتيارات السياسية أكثر تلاحماً وانسجاماً، ومعهم إلى حدٍ ما من تبقى من ذوي الخبرة البرلمانية وهم جميعا امتازوا بالحفاظ على نوع من التوازن المطلوب في مواجهة تراجع أداء الغالبية من زملاءهم، علاوة على ما برز لاحقا من ضعف جلي لهيبة وشخصية المجلس نظراً لأسباب لا تخفى على أحد!
وعليه يمكن القول إن كل برلمانات العالم لا ترسم لها تركيبة عمرية محددة، شبابية كانت أم أصحاب خبرات او حتى كباراً في السن، ما يجب أن يرسم لها بالدرجة الأساس، وبالنسبة لأوضاع تحربتنا من قبل الناخبين، هو ضرورة استحضار عامل الكفاءة والتجربة والخبرات المتراكمة والقدرات الشخصية والسياسية أمام شريحة الناخبين وبالتالي اثناء ممارسة العمل البرلماني ذاته.
وفي هذا الشأن لا يجب أن تتيه بوصلة الناخبين وسط هذا الكم من التواضع الطاغي في إمكانيات غالبية من يتقدمون بالفعل للترشح دون معايير محددة ودون أدنى خبرات، كذلك تبرز أهمية تعديل القانون الإنتخابي بحيث توضع معايير واضحة لطبيعة ما يتمتع به المرشح النيابي والبلدي من كفاءة وقدرات، علاوة على إعادة مراجعة توزيع الدوائر الإنتخابية بشكل أكثر عدالة حتى نضمن تمثيلاً عادلاً ومحفزاً للكفاءات الوطنية في المستقبل القريب، مع إفساح المجال واسعاً أمام مختلف القوى السياسية، وهذا في حد ذاته كفيل بالإرتقاء بالتجربة وتطويرها واعادة الثقة للشارع في دورها الذي رسمه لها المشروع الإصلاحي وميثاق العمل الوطني.