حتى نستعيد زخم البدايات

0
19

يكثر الحديث خلال الفترة الحالية  والتي تسبق موعد الانتخابات النيابية والبلدية حول ماهية الخيارات المتاحة امام الناخب البحريني، والذي سيتجه بعد اقل من أربعة أشهر إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليه تحت قبة البرلمان وفي المجالس البلدية، وهي مهمة وطنية ومسؤولية يجب أن تعطى ما تستحق من الاهتمام والعناية من قبل الجميع وفي مقدمتهم الدولة، وأقول الجميع هنا لأن المهمة لا تقتصر فقط على حسن او سوء اختيار الناخب كما يتصور البعض، وانما هي عملية تتداخل فيها العديد من العوامل التي يجب ألا تهمل أو تترك دون معالجات اذا اردنا بالفعل ان نرتقي بالعمل النيابي والبلدي والسياسي بشكل عام، وحتى نستفيد من حجم الخبرة التراكمية، وإن كانت لا تزال محدودة بحسب عمر تجربتنا الزمني.

 إلا ان المسؤولية تحتم علينا الاعتراف أولاً أن تجربتنا الناشئة لا زالت تحتاج بالفعل لعدة روافع أظنها بقيت مهملة أو غير منتبه اليها بالقدر الذي يجعلنا نثق بأن كل المآخذ التي لا زالت تلازم التجربة ويتم الحديث حولها، لن تحل هكذا اعتمادا على جدية الناخبين لوحدهم فقط في اختيار الأكفأ كما يجري التسويق لذلك باستمرار، وعلى الرغم من يقيننا ان حسن الاختيار سيبقى عاملا مهماً وأساسياً، إلا ان هناك أمور وأدوات عديدة تحيط بالتجربة لازالت تحتاج الى معالجات ووقفات.

 ولعل من بينها ضرورة توافر أجواء ملائمة ومشجعة لممارسة العمل السياسي بشكل عام، وإعطاء دور ومساحات أرحب لحرية العمل السياسي والمدني والنقابي كذلك، مع رفع القيود والمعوقات التي لا زالت تواكب مسار العمل الديمقراطي وتعيقه باستمرار دون مبررات مقبولة، حيث اثبتت التجربة أن استمرارها يبقى العائق الأكبر في عدم اكتمال ونضوج جوانب مهمة من التجربة والممارسة الديمقراطية. 

  وهنا يجدر بنا القول إن مجرد تكرار الحديث حول ما هو الأفضل لنا حين نقرر الاختيار بين من يفترض أن يمثلوننا، هل هم نواب الجمعيات السياسية او من يسمون أنفسهم في العادة مستقلين، أعتقد جازما أن مجرد حضور هذا الخطاب بهذه الكثافة يشي بحد ذاته عن وجود خلل وعوار من نوعٍ ما لابد علينا من تشخيص مسبباته، ونحن الذين حفظنا عن ظهر قلب أن لا عمل سياسي بدون أحزاب أو تيارات سياسية فاعلة!


لماذا الأحزاب السياسية وما هي طبيعة الاحزاب والتيارات التي يممكن الاعتماد عليها في ترشيد وتأطير واسناد العمل الديمقراطي في البلاد؟!

 في ظني أن تلك مهمة تحتاج إلى وقفات عديدة ومتأنية بكل تأكيد من قبل جميع الأطراف، فنحن لا نسأل هنا  بهدف تحديد أي التيارات الفكرية أو السياسية الأجدر بتمثيل الناس، ولسنا في وارد الحديث عن دعايات انتخابية هنا، بقدر ما نسعى لترسيخ مبدأ  فهم طبيعة وأهمية العمل السياسي وإبعاده قدر ما نستطيع عن العبث، وتقويمه والبناء على ما تحقق، وكذلك  البحث مع الآخرين عن الالتزام والتنظيم والمتابعة والإسناد وفرض المحاسبة وتحمل المسؤولية السياسية، والقدرة على صياغة التحالفات مع مختلف التيارات الفاعلة، والتي لا يدخل من ضمنها تلك الدكاكين الانتخابية كما يسميها البعض، والتي عادة ما تخرج فجأة وتختفي بذات السرعة والكيفية التي ظهرت بها!! بل نعني هنا بالضبط تلك التيارات السياسية المجربة والقادرة على ان تقنع مريديها ومحازبيها والشارع بشكل عام ببرامجها السياسية والتنموية، وقدرتها على رفد برامج الدولة وتطلعاتها الاجتماعية والتنموية والاقتصادية، علاوة على كفاءة كوادرها وخبراتها في صياغة ذلك النوع من العمل الدؤوب مع مؤسسات الدولة وبرامجها، وكذلك القدرة على نقدها وحتى رفضها بشجاعة الموقف إن دعت الحاجة، وفي المقابل قدرتها على طرح البدائل أمام الدولة والمجتمع، في سعي الجميع إلى مجابهة التحديات المزمنة او الطارئة.

وبطبيعة الحال نحن لا نحاول أن نقترح صورة غاية في المثالية، أو لندخل في خانة التنظير الفارغ كما يعتقد البعض، بقدر ما نطرح فهمنا لما يجب أن تكون عليه تجربتنا التي استمدت قوة زخمها الأول كما يعلم الجميع مما قدمه ميثاق العمل الوطني بما حظي به من حالة تقترب كثيراً من حالة الإجماع، وأعطى في حينه دفعات ناجزة على مختلف الصعد لقيت اشادات داخلية وخارجية في حينه، على الرغم من تباين وجهات النظر تجاه مجريات أحداث ذلك التحوّل الإيجابي في مسيرة بلادنا السياسية، وهذا امر طبيعي،  كما ساعد في إحداث كل ذلك التحوّل وهيأ له تطلعات وتضحيات شعبنا وقواه السياسية بمختلف تلاوينها عبر تاريخ حافل من أجل إنجاز مشروع دولة عصرية ناهضة، وهو مشروع لابد أن يظلّ قائماً ومستمراً انطلاقا من مسؤولية الجميع تجاه حاضر ومستقبل هذا الوطن وتطلعات جميع أبناءه وشرائحه، نحو حياة أفضل وفي سبيل مجابهة كل ما يعترض مسيرة البناء والتحديث من معوقات وتحديات..

وهنا نخلص إلى القول إن على الدولة والقوى السياسية جميعها دون استثناء، السعي بمسؤولية وشجاعة وصبر من أجل خلق واقع سياسي جديد بأفق ايجابي يحتضن الجميع ضمن مشروع وطني يستطيع بالفعل ان يعيدنا لزخم البدايات التي خلقها ميثاق العمل الوطني في وجدان كل وطني غيور على أرضه ومصالح شعبه المتعطش للإسهام بمسؤولية في عملية بناء دولة عصرية قادرة على المضي بثقة وعزيمة وسط كل ما يحيطنا من تحديات وإعاقات.