ذكراك ستبقى حيّة في نفس كل من عرفك

0
44

برحيل الرفيق المناضل د. يعقوب الجناحي فقدت الحركة الوطنية والتقدمية واحداً من رموزها الرواد الذين تركوا إرثاً نضالياً لا يزال راسخاً في الذاكرة الوطنية. كان الرفيق “أبو لطيفة” نموذجاً للمناضلين الذين آمنوا بفكرة العدل والحرية، ولم يترددوا لحظة في النضال بكل شجاعة وتجرد من الذات من أجل وطن حر وشعب سعيد. 

وعلى هذا النحو الذي يعكس الروح الوطنية المرتبطة بالتغيير والأمل والتمسك بالقيم الرفيعة التي تقدّمها الماركسية في الفكر والسلوك، كانت رؤيته الفكرية تتجلى بوضوح في رسوخ الهوية الفكرية، الماركسية ومنهجها الجدلي من جهة، وفي الانحياز الطبقي للكادحين والمضطهدين من جهة ثانية. وبهذا الوعي، كانت بوصلته في النضال لم تنحرف نحو شعارات قومية متزمتة ويسارية متطرفة، وحارب كغيره من المناضلين الشرفاء الاستعمار والرجعية وأعداء الحرية والعقل، فكان بغير شك مثال للمناضل الطليعي بوفائه وأخلاقه الرفيعة ونكران الذات وتواضعه وتفانيه.

فعلا إن أصعب اللحظات أن تفقد رفيقاً مناضلاً صادقاً نقياً، مخلصاً للوطن والشعب. إنه الرجل الثمانيني الذي لم تهزه مغريات الحياة. عاش رحلة نضالية طويلة دون أن ينكسر أو يتراجع، يحلم بوطن يتسع للجميع، تحت مظلة العدل والمساواة بين أفراد المجتمع. كم كان حريصاً على تقدم الوطن، حرصاً يتعالى على الذاتية ويتجاوز كل الرؤى الضيقة والنفعية والانتهازية، والزيف والادعاء والغرور. 

وعندما نتحدث عن الرفيق يعقوب، فإننا نتحدث عن الإنسان المثقف، المتجدد الذي ظلّ طيلة مسيرته النضالية شامخاً صامداً، منحازاً لكل الفقراء أينما كانوا. كانت حياته سلسلة متصلة من الكفاح السياسي والطبقي والايديولوجي مليئة بالتضحيات، وحب الوطن والجماهير الفقيرة، وكل شعوب العالم المهدورة إنسانيتها. كان واضحاً ومن دون ازدواجية، كما تفعل بعض النخب فيما يخص تحرير المرأة ومساواتها بالرجل، والدفاع عنها ضد التهميش والقمع الذي تمارسه السلطة الذكورية، ونظم الاستبداد العربية، وقوى الظلام. في زمن ابتذلت فيه القومية باسم التمزق والاحتماء بالعدو باسم السلام والانفتاح.

 كان على قناعة أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية، وهي قضية الشعوب العربية كلها وقضية أساسية لحركة التحرر العالمية بأسرها، لأن الصراع مع الصهيونية لم يعد أمراً فلسطينياً أو عربياً فقط، بل عالمياً كذلك، إذ تلعب الصهيونية دوراً متزايداً ضمن شبكة الأدوار والمصالح الإمبريالية، فالكيان العنصري الإسرائيلي الذي ينفذ المشاريع الامبريالية عبر تنفيذه مشروعه الخاص يشكل الخطر الأكبر على حركة التحرر الوطني العربية المناهضة للإمبريالية.

إن الكلمات لا تفي هذا المناضل الصلب حقّه لما كان يتمتع به من أخلاق وقيم وطنية وإنسانية وتواضع وعزيمة لا تلين، وإيمان عميق بعدالة المطالب والحقوق لكافة مكونات المجتمع. ذكراك ستبقى حية في نفس كل من عرفك.

About the author

Author profile

كاتب بحريني وعضو التقدمي